الاقتصاد الصوماليالرئيسيةكتابات راي

الصومال.. أرض خصبة للإستثمار وبلد زاخر بالثروات والموارد

تشهد القارة الإفريقية حالة من التناقض الغريب حيث تزخر أراضيها بمخزون كبير من الثروات والكنوز الطبيعية مختلفة الأنواع منها ما هو في أعماق البحار وفي جوف الأرض أو فوقها بما يكفي لجعل الإقتصاد الإفريقي من أقوى الإقتصادات في العالم. وعلى الرغم من ذلك فإن سكان القارة السمراء يعدون من أفقر شعوب العالم وأكثرهم معاناة من صعوبة المعيشة والحرمان من ضروريات الحياة وقد يموتون جوعا بسبب عجزهم عن توفير الغذاء أو حتى زراعته في أراضيهم الشاسعة والخصبة.

موارد وثروات هائلة في بلد ينهشه الجوع:

وتعد دولة الصومال نموذجا مثاليا للتعبير عن هذا الواقع الإفريقي الأليم، فمن المفارقات المثيرة للحزن أنه في الوقت الذي يعاني فيه الصوماليون من أزمة غذاء كارثية تصل لدرجة المجاعة دفعت المسؤولين لطلب الإغاثة والتحذير من الوضع السئ بسبب موجة الجفاف التي تتعرض لها البلاد على مدار سنوات طويلة، لا يعلم الكثيرون أن الله قد حبا شعب الصومال بموارد وثروات كبيرة ومتنوعة يمكن أن تجعله من أغنى دول المنطقة، وتكفل لأبنائه أن يعيشوا حياة كريمة أفضل بكثير مما يعانونه الآن من ظروف صعبة تضطرهم إلى طلب العون والمساعدة. ويكفي أن نعلم أن الصومال يمتلك أكثر من 8 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة التي تجعله جديرا بامتياز لأن يكون سلة غذائية لدول المنطقة. كما يمتلك الصومال رقما قياسيا في سرعة الرياح وعدد ساعات التعرض للشمس على مدار السنة بما يؤهله لتحقيق مكاسب اقتصادية كبرى من مشروعات توليد الطاقة من الرياح والشمس.
لم تكن مشاركة الصومال في الفاعليات الإقتصادية الكبرى ومنها معرض إكسبو دبي العالمي، إلا عن جدارة لما يمتلكه هذا البلد الواعد من مزايا استثمارية وقدرات اقتصادية كامنة وثروات مدفونة وكنوز تبحث عمن يكتشفها، إضافة إلى ما يمتلكه الصوماليون من خبرات الأجداد الذين اشتهروا بممارسة الأنشطة الإقتصادية منذ فجر التاريخ وخاصة النشاط التجاري، حيث اشتهر الصومال بصادراته المميزة من الصمغ والمر واللبان وأشجار العطور.

النشاط الزراعي والحيواني:

كما أتاحت خصوبة التربة واتساع مساحتها بالصومال إلى انتشار ممارسة النشاط الزراعي الذي يعد مصدرا لحوالي 60% من الناتج المحلي الإجمالي ويسهم بما يقرب من 90% من الصادرات الصومالية للخارج، ويستقطب حوالي 80% من الأيدي العاملة. ويضاف إلى ذلك نشاط الرعي وتربية الحيوان حيث يعد الصومال مصدرا للثروة الحيوانية من أغنام وإبل وأبقار بحكم امتلاكه لمساحات رعي شاسعة تقترب من عشرين مليون هكتار وتتيح الفرصة لإنتاج ثروة غذائية حيوانية ضخمة وكان يعتمد عليها في سد حاجة الكثير من شعوب المنطقة قبل أن يضربه الجفاف ويدمر كافة مظاهر الحياة فيه.
إلى جانب الثروة الزراعية والحيوانية يمتلك الصومال ثروات أخرى نوعية على رأسها الطاقة والتي يمكن أن يسهم استغلالها بشكل صحيح في تحقيق طفرة كبيرة وقفزة نوعية في الإقتصاد الصومالي. ومن الجدير بالذكر أن الصومال يتمتع بأعلى معدلات سطوع شمس وإشعاع شمسي في العالم يصل إلى 3100 ساعة سنويا مما يؤهلها لإنتاج الطاقة الشمسية وفق جدوى اقتصادية مؤكدة. يضاف إلى ذلك طاقة الرياح البرية والتي تتجاوز سرعتها 6 أمتار لكل ثانية بفضل اتساع المساحة والموقع الجغرافي المميز مما يجعلها فرصة للإستثمار في مشروعات إنتاج الطاقة الكهربائية.
ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يمتد ليشمل الثروات المرتبطة بالنشاط التعديني، حيث يعد الصومال بلدا غنيا بموارده المعدنية الطبيعية الموجودة في باطن الأرض ومنها الحديد والقصدير والنحاس والملح إلى جانب بشائر امتلاكه لكميات كبيرة من احتياطي الغاز الطبيعي والنفط، إضافة إلى ما تم إكتشافه من رواسب كبيرة من اليورانيوم ومخزونات معدنية نادرة في طبقات الأراضي الصومالية.

فرص كبيرة للاستثمار:

وبحكم موقعه المميز وإطلاله على سواحل بحرية طويلة وممتدة، يقدم الصومال فرصة استثمار كبرى للمستثمرين المهتمين بما يسمى بالإقتصاد الأزرق وهو مصطلح عصري يرتبط بالإستثمار في الثروات البحرية، حيث يتيح موقع دولة الصومال إمكانية تعظيم الإستفادة من الثروات البحرية بشرط العمل على الإستغلال الأمثل لهذه الفرص.
كما تعد الصناعات اليدوية والحرفية البسيطة التي ترتبط بالبيئة الصومالية بكل خصوصياتها الجذابة، من أهم المجالات الإقتصادية التي يمكن تطويرها بالإهتمام بالإستثمار فيها وفتح منافذ لتوزيع المنتجات الصومالية وتصديرها للخارج وخلق طلب عالمي عليها بالترويج المناسب لها.
إلى ذلك تظل الصناعة والسياحة من الأنشطة الإقتصادية التي تحتاج لمزيد من الإهتمام في الصومال على الرغم من وجود المقومات اللازمة لها سواء الأماكن التاريخية والمواقع الأثرية والمناظر الطبيعية والغابات الجميلة والشلالات الساحرة بالنسبة للسياحة، أوالمواد الأولية والخامات والطاقة والأرض والعمالة بالنسبة للنشاط الصناعي.
على الرغم مما يمتلكه الصومال من هذه الثروات فإنه لازال يعاني من سوء الأوضاع الإقتصادية التي تؤكدها مؤشرات مهمة منها ارتفاع معدلات البطالة بنسبة 76% خاصة بين فئات الشباب كما يتجاوز معدل الفقر نسبة ال70% بين الصوماليين ما جعل الصومال من أقل دول العالم نموا حيث يحتل المركز الخامس والستين بعد المائة بين دول العالم. كما تعاني الموازنة العامة من فقر الموارد ومصادر الإيرادات الداخلية والإعتماد بنسبة 50% تقريبا على المساعدات المقدمة من الدول المانحة!.

التنمية والاستقرار:

لاشك أن هذا الواقع لا يتناسب مع مقدرات الصومال وما ذكرناه من مقومات حيوية وأساسية لعملية التنمية، إلا أنه لا ينفصل عن معطيات تتعلق بحالة الإستقرار السياسي ومستوى الأمن الذي يستنزف بدوره ما يقرب من 45% من دخل الصومال خاصة في ظل استمرار وجود خطر العمليات الإرهابية التي تطارد الشعب في مختلف الأنحاء وتشغل المسؤولين عن عمليات البناء والتنمية وتعطل المسيرة كما تصرف كثيرا من المستثمرين عن التفكير في إقامة مشروعات داخل الصومال في ظل القاعدة المعروفة بأن رأس المال جبان! ولذلك كان تأكيد البنك الدولي الدائم بأن نمو الإقتصاد الصومالي مرهون بإقرار السلام. ومن البديهي أن سيطرة الأخبار الخاصة بحوادث الإرهاب بشكل مكثف ومتكرر ومعها جرائم تكدير الأمن المجتمعي يصدر للعالم الخارجي انطباعا سلبيا عن الأوضاع في الصومال ويثير المخاوف ويثني الإرادات والعزائم عن التفكير في إقامة مشروعات هناك ومن ثم يحتاج الصوماليون لتغيير هذه الصورة السلبية باستعادة الأوضاع الأمنية الطبيعية.
وتؤكد تقارير المؤسسات الإقتصادية الدولية صحة ذلك وارتباط التحسن الإقتصادي في الصومال بالتطور السياسي والتحسن الأمني حيث أشار تقرير لصندوق النقد الدولي إلى حدوث تحسن فعلي في أداء الإقتصاد الصومالي في السنوات الأخيرة حيث بلغ معدل النمو الإجمالي 3,7 % عام 2020 وذلك مقارنة ب 2,6 % عام 2014 .
بطبيعة الحال فإن نجاح الصوماليين في إقامة الانتخابات وتولي رئيس جديد للبلاد بعد ولادة عسيرة وتشكيل حكومة تعمل على التطوير والبناء والتعمير ومواجهة جماعات العنف لتحقيق الإستقرار الأمني، كل ذلك يسهم في تهيئة المناخ المطلوب والبيئة المطمئنة للإستثمار والمستثمرين. ويرتبط ذلك بأهمية تسريع الوتيرة في مجالات إقتصادية أخرى كثيرة ومتنوعة.
إن تراجع الإهتمام بالصناعة لمستويات متأخرة وعدم اعتماد الإقتصاد عليها بشكل أساسي تسبب في تعرض الصومال لهزات كبرى وأزمات حادة مع كل كارثة طبيعية وظروف بيئية صعبة تلتهم ثرواتها الزراعية والحيوانية التي تعتمد على تصديرها في تحريك عجلة الإقتصاد الأمر الذي يجعل الإقتصاد الصومالي ضعيفا في مواجهة أية أزمات طارئة لهشاشته واعتماده على تصدير مواد أولية وليست صادرات صناعية تسهم في زيادة ومضاعفة القيمة المضافة.
لذلك يجب العمل على توسيع وتطوير مستوى الصناعات وفتح آفاق جديدة فيها وتقديم مزايا لجذب المستثمرين، إضافة إلى زيادة الإهتمام بقطاعات الصحة والتعليم والخدمات الإجتماعية وذلك لرفع مستوى كفاءة المجتمع وتأهيل أفراده للعمل بمختلف مجالاته ورفع قدرات الفرد الإنتاجية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق