افريقيا و العالمالرئيسيةالصومال اليومكتابات راي

‏جولة صومالية ستُختم في إثيوبيا

رغم قناعتي الكاملة وإيماني بشخصية الرئيس السابق “محمد فرماجو” إلا إنني أعترف بأنه أخفق سياسياً في بعض الملفات ولا يعود ذلك لقلة خبرة الرجل السياسية بمقدار ما يعود ذلك إلى الظروف السياسية التي دفعت مقديشو دفعاً إلى ما لا تريد، فكثيرة هي الأطراف الإقليمية والدولية التي طالما رأت في الصومال مسرحاً لحياكة خيوط اللعبة الدولية التي يمكن من خلالها تمرير صفقة ما أو إستخدام بعض أقاليمها الإنفصالية كورقة ضغط لتحقيق مأرب سياسية، والحلقة الأضعف التي يتم إستهدافها حين يرتفع صوت السياط “السياسي”، ولكن جاءت الأزمة الخليجية عام 2017 لتعيد التوزان للرؤية الدولية قبل الإقليمية لصومال “جديد” إتضحت ملامحه بعد محاولاته الحثيثة فك قيود الطاعة وإستنهاضه لعزيمة راهن على موتها الكثير من أبناءه قبل غيرهم.

جاءت جولة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لعدد من دول الجوار الإقليمي داعمة لتلك الرؤية الدولية والتي جاءت متوافقة مع الحس السياسي الصومالي الذي يرى في الإنفتاح الدولي والإقليمي ضرورة إستراتيجية تحتاجها مقديشو كما يحتاجها حلفاءها وجيرانها، فأرتيريا رغم تحفظها التاريخي على موقف الرئيس الصومالي حسن شيخ من “جبهة تحرير تيغراي” وتوجسها على مستقبل التحالف الثلاثي بين “أرتيريا -إثيوبيا- الصومال” الذي دشن عام 2018 في عهد الرئيس السابق محمد فرماجو بدليل غيابها عن حفل التنصيب الرئاسي الأخير في مقديشو إلا أن أسمره تُدرك أن الصومال ليست الخصم الذي ترغب أو حتى تستعد لمواجهته بغض النظر عن حاجة إرتيريا الدائمة إلى معارك تُشعرها ولو عبثاً بالقدرة على تغيير التوازنات في القرن الإفريقي، ومن هذا المنطلق تم إستقبال الرئيس الصومالي في أسمرة وعلى هذا الأساس أيضاً لم يتم الإعلان عن تاريخ عودة الجنود الصوماليين المتواجدين في معسكرات التدريب الأرتيرية لبلادهم دون تعليق صومالي رسمي واحد على ذلك التحفظ الأرتيري.

أما كينيا وجيبوتي فكانتا المحطتان الأبرز للجولة الرئاسية الصومالية وجاءت زيارتهما موفقة وإن إختلفت رؤاها السياسية، ففي الوقت الذي تنفست فيه جيبوتي وكينيا الصعداء بتغيير رأس السلطة الصومالية بسبب توتر علاقة الدولتين مع نظام الرئيس السابق “محمد فرماجو” جاءت زيارة الرئيس “حسن شيخ” لنيروبي وجيبوتي تجاوزًا لمرحلة “صومال فرماجو” ووضع أسس جديدة لخط سير العلاقات بينهم، ففي نيروبي تم الإتفاق على إزالة كافة العقبات التي حظرت إٍستيراد القات الكيني وتسهيل عملية تبادل المعلومات الإستخباراتية والتعاون في الشؤون الأمنية ومواجهة الإرهاب في ضوء دور كينيا في بعثة الإتحاد الإفريقي في الصومال والذي كانت إدارة الرئيس السابق “محمد فرماجو” تشك في فعاليته ناهيك عن مصداقيته ولمقديشو أسبابها في ذلك والتي عجزت نيروبي على تفنيدها في عدة جولات مما يضع نظام الرئيس الصومالي الحالي على المحك لإثبات فعالية الأدوار الإقليمية في دعم أمن وإستقرار الصومال من عدمه، أما جيبوتي فرؤيتها الإستراتيجية تختلف عن باقي دول القرن الإفريقي فهي ترى نفسها واحة إستقرار وسط إقليم مضطرب، وحتى وإن تصادمت جيبوتي مع الأنظمة السياسية الحاكمة في جوارها الإقليمي في بعض الملفات فهي لا تخشى تغير القيادات السياسية في دول القرن الإفريقي إن جاءت بإنتخاب أو جاءت بإنقلاب فأمنها الوطني مضمون بتوقيع “دولي” في ظل إحتضانها لقواعد عسكرية تابعة للقوى الدولية الفاعلة في القارة الإفريقية.

أما ما يتعلق بملف الطلب الإثيوبي تأجيل زيارة الرئيس الصومالي إلى “أديس أبابا” فلقد كثر اللغط والتأويل حول ذلك وما زاد الأمر جدلاً هو توجه الطائرة الرئاسية الصومالية للقاهرة رغم أن إثيوبيا تراها زيارة “صومالية” متوقعه في ضوء تبني “مقديشو” لإستراتيجية الإنفتاح على كافة الأطراف الإقليمية والدولية، ومثلما تُدرك أديس أبابا بأن زيارة الرئيس الصومالي للقاهرة لن تؤثر على العلاقات الصومالية الأثيوبية ولن تعرقل وتيرة التعاون بين مقديشو وأديس أبابا ولا تأتي تلك الزيارة في قالب المكايدة السياسية ضدها والتي يروج لها البعض بل تأتي في إطار إستراتيجي لخط سير السياسة الخارجية الصومالية المستقبلية في القارة الإفريقية فهي تدرك بأن الصومال وكافة دول القرن الإفريقي إضافة للسودان وكينيا لا يمكنهم تجاوز إثيوبيا وإن إختلف بعضهم مع قيادتها السياسية تبقى أدوات الإستقرار والإنشقاق في منطقة القرن الإفريقي وجوارها الإقليمي مرهونة بمدى إستعداد تلك الدول على تعزيزها أو إحباطها، وهذا ما يجعلني أؤكد بأن زيارة الرئيس الصومالي لإثيوبيا سيُعلن عنها قريباُ في ظل إدراك مقديشو للتوازنات وما الذي ينبغي أن تكون عليه الصومال مستقبلاً.

باحثة إماراتية في الشأن الإفريقي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق