بعد عودة الصومال الى المسار الصحيح.. سيناريوهات عدة تطرق أبواب القرن الأفريقي
مع عودة حسن شيخ محمود رئيسًا للصومال، تجددت الآمال بإعادة البلد الأفريقي إلى مسار الانتقال السياسي الصحيح، وتصويب علاقته بجيرانه.
فالبلد الأفريقي الذي مزقته الحرب، على أعتاب مرحلة جديدة مع جاريه إريتريا وإثيوبيا المجاورتين، قد تكون لها تداعيات بعيدة المدى في منطقة القرن الأفريقي الكبير.
تلك المرحلة والتي سيكون الرئيس الصومالي، أحد محركيها الرئيسيين خاصة أنه تربطه علاقات طويلة الأمد بحكّام منطقة تجراي الشمالية الإثيوبية، الذين يخوضون معركة مع الحكومة الفيدرالية منذ أواخر عام 2020 حتى الاتفاق على هدنة في مارس/آذار 2022.
سياق انتخاب الرئيس الصومالي الجديد يتزامن مع إعلان الولايات المتحدة استئناف وجودها العسكري المحدود في الصومال، بعد أن سحبت إدارة الرئيس دونالد ترامب قواتها من البلاد في نهاية عام 2020.
تلك التطورات تطرح عددًا من التساؤلات حول تبعات ما بعد فوز شيخ محمود وإعادة الانتشار الأمريكي في الصومال وارتباط ذلك بالتحالفات الاستراتيجية المتغيرة في منطقة القرن الأفريقي، ولاسيما في عالم ما بعد الحرب الأوكرانية.
وإلى ذلك، قال الدكتور حمدي عبدالرحمن حسن أستاذ العلوم السياسية في جامعتي زايد والقاهرة، في دراسة نشرها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، إن تحليل هذه الديناميات المتغيرة تطرح تساؤلات حول الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي ودورها في إعادة تشكيل مراكز القوة في النظام الدولي.
أهمية القرن الأفريقي:
بحسب عبدالرحمن، فإن بعض المؤرخين قالوا إن تسلسل الأحداث التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية بدأ مع الغزو الإيطالي لإثيوبيا في عام 1935، مما دفع أوروبا وأمريكا إلى الاهتمام المتزايد بإثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقي بأسرها.
وتم تعريف القرن الأفريقي من قِبَل أطراف غريبة عنه، وخاصة القوى العظمى في العالم، باعتباره منطقة تسبب المشاكل، بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعتي زايد والقاهرة، والذي قال إن الخطر الداهم الذي يواجه القرن الأفريقي اليوم هو أن يتم تقليصه إلى مرتبة الوكيل في النظام الدولي بحيث يُصبح طرفاً في صراعات القوى الدولية التي لا تخصه.
ويحظى القرن الأفريقي على مر العصور بمكانة استراتيجية مقدّرة على المسرح العالمي من النواحي الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية؛ فمن أراضيه تنطلق معظم منابع نهر النيل، كما أنه يمثل المدخل الرئيسي لكل من البحر الأحمر وخليج عدن.
وتجذب هذه المنطقة الاهتمام الدولي؛ بسبب موانئها الرئيسية، وإمكانيات مواردها الطبيعية، وقربها من بعض الممرات البحرية الأكثر ازدحاماً في العالم.
وتقع بلاد القرن الأفريقي على مقربة من الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أنها تشهد حركات إرهابية محلية بطابع معولم؛ مما يخلق مزيجاً من تشابك المصالح السياسية والأمنية المحلية والعالمية.
ويُعد القرن الأفريقي الكبير أيضاً بوابة القارة إلى آسيا، مع وجود روابط تاريخية عميقة مع الهند والصين ودول الخليج العربية، التي تُعيد إنتاج نفسها اليوم في الصفقات التجارية والاستثمارية.
3 ملامح :
يقول عبدالرحمن إن أحد الملامح الثلاثة التي تبرز أهمية القرن الأفريقي هي: سياسات التنافس الدولي، مشيرًا إلى أن أي دولة تتطلع إلى إقامة وجود في المنطقة ستصطدم بشكل شبه مؤكد مع الجهات الفاعلة في مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وأوضح أن الصين وروسيا وتركيا وأوروبا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى غيرها من الدول الصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، تعتبر منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، مركزًا للمنافسة الجيوستراتيجية.
الارتباط بقناة السويس:
ثاني أحد أهم الملامح التي تبرز منطقة القرن الأفريقي، كان حادث جنوح سفينة حاويات في 23 مارس/آذار 2021، في قناة السويس، مما أدى إلى انقطاع السبل التجارية من وإلى البحر الأحمر.
وعلى الرغم من إزالة الخطر في أقل من أسبوع، إلا أنه أوقف طريقاً تجارياً يمثل أكثر من 12% من التجارة العالمية ويكلف 9 مليارات دولار يومياً عند إيقافه، ووضع ضغطاً هائلاً على سلاسل التوريد المثقلة بالفعل، وأدى إلى تباطؤ كبير في التجارة العالمية.
عسكرة المنطقة:
أبرز دليل على الأهمية الاستراتيجية للمنطقة هو الوجود المتزايد باستمرار للقوات العسكرية الدولية، بحسب الأستاذ بجامعتي القاهرة وزايد والذي قال إن الوجود العسكري المتزايد في القرن الأفريقي، يجعله واحداً من أكثر المناطق أهمية من الناحية الاستراتيجية في العالم.
وأشار إلى القاعدة الأكثر شهرة هي معسكر ليمونير في جيبوتي، التي تقوم بدور حاسم في عمليات القيادة الأمريكية العسكرية في أفريقيا (أفريكوم).
ومع ذلك، تستضيف جيبوتي أيضاً قاعدة صينية، بالإضافة إلى وجود قوات عسكرية من اليابان وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا. وبالمثل، كانت كينيا والصومال موطناً للعديد من المواقع والقواعد العسكرية الأمريكية.
إعادة رسم خريطة التحالفات:
بانتخاب شيخ محمود رئيسًا للصومال، فإن سياسة الاستقطاب في القرن الأفريقي، قد تنتهي، ما يؤثر على خريطة توازن القوى مرة أخرى في تلك المنطقة التي تشكل مركباً صراعياً بالغ التعقيد والتشابك.
وعلى الرغم من أن الرئيس الصومالي الجديد، الذي حضر الذكرى الأربعين لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير تجراي في أديس أبابا عام 2015، لم يُفصح بعد عن علاقات الصومال بجيرانه وما إذا كان هناك تحول في النهج، فإن ثمة تقارير دبلوماسية تشير إلى أنه كان على اتصال بالفعل بمسؤولي تجراي حول كيفية تحقيق الاستقرار في المنطقة.
عالم ما بعد الحرب الأوكرانية:
قرار إعادة الانتشار الأمريكي في الصومال مرتبط بتحولات الصراع في النظام الدولي بعد الحرب الأوكرانية، وربما يكون محاولة لاحتواء النفوذ الروسي المتزايد في منطقة القرن الأفريقي، بحسب الدراسة.
واستندت الدراسة التي أجراها عبدالرحمن إلى أمرين؛ أولهما، وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال حملته الانتخابية بتجنب الحروب التي لا تنتهي ضد الإرهاب، أما الأمر الثاني فهو أن هذه الحروب الممتدة لم يتم الانتصار الحاسم فيها على الإطلاق، ولا تزال غير شعبية لدى الناخبين الأمريكيين.
ورغم ذلك إلا أن الرئيس بايدن نكث وعده الانتخابي وعاد مرة أخرى للساحة الصومالية، في قرار تفسره خطط إعادة هيكلة الجيش الأمريكي لمواجهة تهديد القوة الصاعدة للصين من جهة، والتأكيد المتجدد على التنافس القديم مع روسيا منذ الحرب الأوكرانية من جهة أخرى.
ورغم أن المشهد الأمني في الصومال لم يتغير كثيراً منذ انسحاب أمريكا، إلا أن ميزان القوى الدولي تغير؛ فعلى مدى السنوات القليلة الماضية اشتد التنافس بين الولايات المتحدة والصين. وخلال العام الماضي انفجر التنافس بين أمريكا وروسيا، متأثراً جزئياً باندلاع حرب أوكرانيا.
هذه المنافسات لها تأثيرات واسعة النطاق في القرن الأفريقي؛ فالأزمة الأوكرانية، أدت إلى تصاعد الخلافات بين الصومال والتي دخل رئيسها السابق محمد عبدالله فرماجو، في تحالف مع أصدقاء روسيا الجدد في القرن الأفريقي – إثيوبيا وإريتريا.
الحرب بالوكالة:
يقول عبدالرحمن إن روسيا تتنافس مع الصين والقوى الغربية لبسط نفوذها في القارة الأفريقية، لتعزيز مصالحها العسكرية والاقتصادية، مستخدمة ثلاث وسائل دفع رئيسية: مبيعات الأسلحة، والمساعدة العسكرية، وعقود الطاقة.
وتوقع أن تشهد السنوات الخمس المقبلة، إنشاء روسيا قاعدة بحرية لوجستية في إريتريا، تليها استثمارات في البنية التحتية وقطاع الطاقة.
ومن المرجح جداً أن تحاول روسيا الدخول في منافسة بحرية مع الصين وفرنسا والولايات المتحدة في البحر الأحمر، لبناء مكانتها كقوة عالمية، إلا أنها في حاجة إلى إنشاء قاعدة عسكرية وميناء بحري في إريتريا.
على الصعيد الإقليمي يمكن أن تؤدي هذه الديناميات المتغيرة إلى إعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية في القرن الأفريقي. فثمة مؤشرات على إمكانيات التهدئة في تجراي.
كما أن انتخاب رئيس جديد للصومال يمكن أن يمهد لعودة الدولتين (إثيوبيا والصومال) مرة أخرى للتعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، حيث ثمة حاجة إثيوبية للخروج من لعنة الهضبة الحبيسة وتأسيس أسطول بحري.
الصومال والفرص الممكنة:
ويواجه الصومال أزمة أمنية وسياسية مزدوجة تصاعدت بسبب تأخر الانتخابات، كما تقع البلاد في منطقة مضطربة؛ ما يعيق الاستجابات الإقليمية لأزمتها، حيث يجب أن يكون الاستقرار السياسي على رأس أولويات محمود.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعتي القاهرة وزايد، إن وجود بيئة سياسية مستقرة سيمكن من بذل جهود وطنية أكثر فاعلية ضد حركة الشباب، بما في ذلك التدابير غير العسكرية مثل الحوار وتقديم الخدمات الحكومية لتقليل دور الجماعة ونفوذها.
وفيما قال إن التدخلات العسكرية المختلفة لم تقلل من التهديد الذي تشكله حركة الشباب، أكد أنه يجب أن يتخذ الرئيس الصومالي الجديد مقاربة شاملة للمشكلة الأمنية من خلال إضعاف حركة الشباب أيديولوجياً ومالياً، من خلال تعطيل مصدر دخلها المحلي.
إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة الصومالية بزعامة شيخ محمود هو التعامل مع بيئة خارجية تغيرت منذ أن كان آخر مرة في السلطة؛ فلم يعد لدى الجارتين إثيوبيا وكينيا موقف مشترك بشأن الصومال بعد أن تباينت مقاربتهما مع تغيير إثيوبيا موقفها عام 2018 بالتحالف مع إريتريا.
وأكد عبدالرحمن أنه على إدارة محمود أن تدافع عن مصالح الصومال الوطنية وأن تنسق علاقاتها الخارجية بعناية بعيداً عن سياسة الاستقطاب والمحاور التي انتهجها فارماجو.
وأشار إلى أنه إذا تمت إدارة الصومال بشكل جيد، فمن الممكن أن تستفيد من المشاركة البنّاءة لأصحاب المصلحة الخارجيين بدلاً من أن تعيد أخطاء الماضي لتصبح طرفاً في حرب باردة جديدة قيد التطور في منطقة القرن الأفريقي.
توقيت إعادة الانتشار الأمريكي في الصومال مع غياب فرماجو عن المشهد السياسي والإعلان اللاحق من قبل رئيس أريتريا أسياس أفورقي عن دعوته لبناء قاعدة روسية في بلاده يؤكد إعادة صياغة تحالفات القرن الأفريقي استناداً إلى ديناميات النظام الدولي المتغيرة، بحسب الدكتور حسن.
مواجهة التحالفات:
وأوضحت الدراسة أن قرار الرئيس بايدن بمثابة عمل مدروس لدعم الرئيس حسن شيخ محمود في مواجهة التحالف المدعوم من روسيا القائم بين كل من إريتريا وإثيوبيا في القرن الأفريقي.
وأشارت أيضا إلى أن هذا الانتشار العسكري الأمريكي الجديد في الصومال سوف يدعم بدوره الولايات المتحدة وحلفاءها ضد روسيا.
وشددت على أن التحولات الدولية ولاسيما منذ الحرب الأوكرانية تُظهر أن القرن الأفريقي باعتباره من المناطق الجيوستراتيجية الرئيسية في العالم، أصبح مركزاً للمنافسة الجيوسياسية الشديدة من قبل القوى الدولية والإقليمية.
وأكدت على أن أن هناك أربع سمات محددة للديناميات الجيوسياسية المعاصرة في منطقة القرن الأفريقي تتمثل في: التدافع على بناء القواعد العسكرية نتيجة التنافس على القوة والنفوذ من قبل دول خارج المنطقة، والتنافس على الموانئ التجارية، والتنافس بين دول المنطقة بما يؤدي إلى تغيير التحالفات، وانتقال الصراعات إلى داخل الدول وفيما بينها بما يعزز ظاهرة الحرب بالوكالة.
واعتبرت أن عملية إعادة الاصطفاف الجيوسياسي تجرى على قدم وساق في المنطقة، حيث تدور حروب بالوكالة – بما في ذلك في إثيوبيا والصومال وإريتريا – تتنافس من خلالها القوى الطامحة في السيطرة على الموارد الطبيعية وطرق التجارة الاستراتيجية.
ولفتت إلى أن هذا التناطح بين القوى العظمى وضع العالم على بداية الطريق نحو حرب باردة جديدة، وظهرت منطقة القرن الأفريقي مرة أخرى كساحة لتنافس القوى الدولية.