افريقيا و العالمالرئيسيةكتابات راي

“أنصارو”.. لاعب إرهابي جديد في نيجيريا خلفا لبوكو حرام

سطع اسم تنظيم إرهابي جديد في نيجيريا موال لتنظيم القاعدة ليحل محل جماعة بوكو حرام التي أرقت السلطات خلال السنوات الماضية، يطلق عليه اسم “جماعة أنصارو” التي تنفذ عمليات إرهابية الهدف منها ملء خزائنها.

أثارت عمليات إرهابية وقعت مؤخرا في نيجيريا تساؤلات بشأن الجهة التي تقف خلفها مع عدم إعلان أحد مسؤوليته عن غالبيتها، فضلا عن تواتر شواهد دالة على وجود حسابات سياسية ومصالح اقتصادية يتنافس أطراف المشهد الإرهابي الحالي للفوز بها.

وقُتل نحو خمسين شخصا وأُصيب العشرات خلال تجمع مصلين للاحتفال بعيد العنصرة، في هجوم شنته مجموعة مسلحة على كنيسة القديس فرانسيس الكاثوليكية بمدينة أوو بولاية أوندو جنوب غربي البلاد.

ولم يؤشر الهجوم على تغيير كبير في تكتيكات وأهداف الجماعات المسلحة كما هو ظاهر، حيث وضح أنها جميعا تكافح من أجل البقاء بتأمين موارد للإنفاق وكسب نفوذ عبر عقد صفقات والقيام بعمليات تعزز من حظوظ السياسيين في الانتخابات.

وعمدت التنظيمات التي ركزت عملياتها على قطع طرق السكك الحديدية واختطاف المسافرين والهجوم على القرى وطلب الفديات لتحسين وضعها الاقتصادي على تنفيذ هجوم طائفي يتقاطع مع أجندات سياسيين يوظفون الشحن الديني والطائفي في خطابهم لحسابات انتخابية.

شحن طائفي:

لم يكن هجوم الكنيسة الأخير سوى انعكاس لحالة شحن طائفي متصاعدة استغلالا للخطابين الإسلامي والمسيحي المتطرف السائد داخل القواعد الانتخابية، لتعويض عجز السياسيين عن الترويج لبرامج ورؤى تنموية عملية ولتوفير مظلة سياسية لجماعات مسلحة خارجة عن القانون تمارس اللصوصية والاختطاف ونهب الممتلكات.

وظهر بقوة مكون إرهابي جديد في نيجيريا موال لتنظيم القاعدة وهو جماعة “أنصارو” التي تتوخى عدم الإعلان عن مسؤوليتها عن العديد من الهجمات إلا أن بصمتها وتكتيكاتها واضحة عليها.

, “أنصارو”.. لاعب إرهابي جديد في نيجيريا خلفا لبوكو حرام

وفي غالبية عمليات “أنصارو” ظهر التعاون مع عصابات إجرامية وقطاع طرق لتأمين نجاح عمليات خطف رهائن بعد الهجوم على قرى أو خطف مسافرين بعد إيقاف قطارات بالقوة ليتسنى للجماعة طلب الفديات مقابل إطلاق السراح وبعدها تقسم الغنائم بين عصابات الجريمة المنظمة والجماعة.

وتكرر هذا التكتيك الفترة الماضية في قرى بشمال غرب نيجيريا، فالقرية التي لا يذعن سكانها لدفع إتاوة للجماعة تُعاقَب بالهجوم الذي يتخلله خطف رهائن لا يُطلق سراحهم إلا بعد دفع الفدية المطلوبة.

ورغم الحرص على إبداء بعض الاختلاف عن أساليب بوكو حرام الوحشية القديمة لم تخلُ عمليات “أنصارو” من القتل لإثارة الذعر والفزع؛ حيث عمدت لقتل ثمانية أشخاص وتفجير محطة السكة الحديدفي أثناء هجومها على القطار المتجه من أبوجا إلى كادونا بغرض خطف مسافرين لطلب الفديات مقابل إطلاقهم.

ولم تغفل “أنصارو” الأهداف العسكرية لإظهار تحديها للقوات الأمنية واستعدادها لخوض مواجهات موسعة في حال تهديد وجودها ومصالحها، وكان آخر هجوم لها في هذا السياق في أبريل الماضي عندما استهدفت إحدى القواعد العسكرية بولاية كادونا مخلفة قرابة العشرين قتيلا بين عسكري ومدني فضلا عن العشرات من الجرحى.

وتغيرت خارطة الإرهاب في نيجيريا بشكل ملحوظ حيث تصاعد نفوذ فصائل على حساب أخرى، وبعد أن واجهت بوكو حرام شبح الزوال يحل محلها حاليا تنظيم “أنصارو” في ميزان القوة في مواجهة تنظيم ولاية غرب أفريقيا الموالي لداعش الذي شهد صعودا لفترة ثم تراجع نشاطه نتيجة نقص التمويل والدعم.

ونافست ولاية غرب أفريقيا التابعة لداعش بوكو حرام للاستحواذ على العوائد الأكبر جراء عمليات الاختطاف للحصول على فديات.

وأدى تزايد نفوذ داعش إلى تراجع حظوظ بوكو حرام التي ظلت لفترة الرقم الأول في المعادلة محرزة معدلا مخيفا على مستوى الوحشية لتحصيل الأموال وتجنيد الأفراد والفتيات وفرض رؤاها المتشددة على الدولة والمجتمع.

ولم تكن انتكاسة بوكو حرام بسبب منافسة داعش الشرسة فحسب، إنما أيضا نتيجة جهود قوات مكافحة الإرهاب النيجيرية التي نجحت في طرد الجماعة من عدد كبير من معاقلها التقليدية، علاوة على الحدث الأهم وهو مقتل زعيم الجماعة أبوبكر شيكاو على يد مجموعة من داعش مُفضلا الانتحار بحزامه الناسف على تسليم نفسه في مايو 2021.

مسوغات الانفصال والعودة:

أسهم تصاعد نشاط نفوذ جماعة “أنصارو” الموالية للقاعدة خلال العامين الماضيين في إنقاذ ما تبقى من بوكو حرام إما بالتعاون والتنسيق بين أنصارو وأجنحة لا تزال نشطة لبوكو حرام أو باحتواء “أنصارو” لأعضاء بوكو حرام المتسربين من التنظيم واستيعابهم داخلها منعا لانضمامهم لداعش أو سقوطهم في يد أجهزة الأمن.

وساعد جماعة “أنصارو” في احتواء العديد من أعضاء بوكو حرام أنهما كانا في الأصل جماعة واحدة وانفصل من أسسوا لاحقا “أنصارو” عن بوكو حرام عام 2012 على خلفية رفضهم أساليب أبوبكر شيكاو الوحشية وعدم تورعه عن قتل المدنيين المسلمين.

, “أنصارو”.. لاعب إرهابي جديد في نيجيريا خلفا لبوكو حرام

في المقابل كان شيكاو غير مهتم بمساعي تنظيم القاعدة لضم بوكو حرام لتوسيع نشاطاته على جبهة الساحل الأفريقي القريب لجعل الإرهاب دوليا وليس محليا، ما أعطى الطرفين مسوغات الانفصال الذي أسفر عن تأسيس “أنصارو” فرع القاعدة في نيجيريا.

وصار من يكتسب الوزن الأكبر في المشهد بعد مرور قرابة العقد هو تنظيم “أنصارو” الذي يلعب دور الممثل للقاعدة في مواجهة داعش الذي يمثله فرع ولاية غرب أفريقيا بقيادة حبيب يوسف (أبومصعب البرناوي).

ولم يهنأ فرع داعش بما طرأ من ضعف وتراجع على بوكو حرام الذي لجأ لتعويض استسلام الآلاف من مقاتليه للسلطات النيجيرية لتجنيد الأطفال.

وحرم صعود نجم تنظيم “أنصارو” الذي ينشط بقوة في الشمال الغربي وشمال ووسط البلاد داعش من الانقضاض بشكل كامل على تركة بوكو حرام والسيطرة على مناطقها خاصة تلك التي تقع بالقرب من مواقع تعدين الذهب في شمال غرب نيجيريا.

وحلت جماعة أنصارو التي تعتز بالانتساب لتنظيم القاعدة داعية لمنهجه محل بوكو حرام كرقم أول في معادلة النفوذ في مواجهة ولاية غرب أفريقيا، وتمتد هجماتها إلى ست ولايات في شمال غرب نيجيريا، وتسعى بعض أجنحة بوكو حرام المتبقية للتعاون معها كلما دعت الضرورة.

ويبني قادة “أنصارو” سرديتهم الدعائية على كونهم يحملون منهج القاعدة الذي يزعمون أنه الأكثر اعتدالا والداعي لممارسات أقل وحشية بالمقارنة ببوكو حرام وداعش.

ورغم ذلك فإن الممارسات لم تختلف كثيرا وإن خفت حدتها بالمقارنة بأساليب أبوبكر شيكاو الموغلة في الوحشية والعنف، حيث قتل تنظيم أنصارو المئات من المدنيين العزل أثناء تنفيذه لعمليات الإغارة على القرى وإيقاف القطارات بغرض اختطاف الرهائن.

منافع متبادلة:

شكلت هذه التطورات تحديا للسلطات النيجيرية التي ما إن اطمأنت بإحراز بعض النجاحات في مكافحة بوكو حرام والحد من نشاطاته التي نشرت الخوف والرعب في ربوع البلاد، حتى تصاعد نفوذ تنظيم آخر لا تختلف تكتيكاته كثيرا وإن روج بأنه ليس كبوكو حرام، حيث يعتمد بشكل رئيسي على عمليات الإغارة والخطف للحصول على الأموال من الفديات.

ويوطد تنظيم “أنصارو” علاقاته بالمجرمين الجنائيين وقطاع الطرق لضمان نجاح عملياته دون حدوث خسائر في صفوفه ما يزيد من نفوذ عصابات الجريمة المنظمة بجانب تصاعد نفوذ التنظيمات الإرهابية، وهو ما يهدد استقرار وأمن البلاد.

ولا تكتفي جماعة “أنصارو” بعلاقاتها الداخلية بأجنحة بوكو حرام وفلولها المتبقية وبعصابات الجريمة المنظمة، حيث تربطها علاقات مع أطراف خارجية تؤمن لها الأسلحة وبعض الخدمات اللوجستية من خارج نيجيريا.

وبات لهذه الجماعة الصاعدة حضور متزايد في أروقة الجامعات، وينشط عناصرها في تجنيد طلابها، علاوة على ما حققته من انتشار في العديد من القرى البعيدة التي تكاد السلطات المركزية تفقد سيطرتها عليها، ما يحقق خطط الجماعة الانفصالية حتى في ما هو أبعد من المناطق الشمالية.

ويُضاف تمرد جماعة “أنصارو” الانفصالي إلى تمرد داعش وبوكو حرام التي صارعت حكومة الرئيس محمد بخاري لإخماده، ما كرس من الأزمات الأمنية وأفقد الحكومة المركزية بسط هيمنتها على مناطق كثيرة وحول البلاد التي تمتلك أقوى اقتصاد أفريقي إلى ما يشبه الدولة الفاشلة.

وبجانب التمرد الانفصالي الجهادي هناك محاولات تمرد قبلي وإثني كما جرى في يوروبلاند وفي المناطق التي شكلت من قبل بيافرا التي خاضت حرب انفصال فاشلة ضد الحكومة المركزية بين 1967 و1970، فضلا عن عمليات القرصنة في خليج غينيا والصراعات الأهلية على المياه والأرض التي اتخذت أبعادا عرقية أو دينية، ما يشكل تحديا فائقا ومعقدا أمام السلطات النيجيرية.

ومن المرجح في ظل هذه التحديات المتداخلة أن تتوسع جماعة “أنصارو” الصاعدة ليس فقط بمناطق جديدة داخل نيجيريا إنما إلى مناطق في الساحل الأفريقي القريب على غرار ما فعلته من قبل بوكو حرام، غير مكتفية فقط بكونها مجرد تنظيم خارج عن القانون يكافح لتأمين موارده عبر عمليات الاختطاف وطلب الفديات.

*كاتب مصري

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق