مراجعة للتصورات الأميركية لمكافحة الإرهاب في الصومال
- بعثت الإدارة الأميركية برسالة دعم للرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود، حيث قررت إعادة إرسال قوات لمكافحة الإرهاب لمساعدة شيخ محمود على فرض الاستقرار في البلاد التي تشهد بشكل متواتر هجمات إرهابية تنفذها حركات الشباب.
أحرجت العمليات الإرهابية التي نفذتها حركة الشباب في الصومال الولايات المتحدة وأكدت أن قرار انسحاب قواتها من هذا البلد، والذي اتخذه الرئيس السابق دونالد ترامب ونُفذ في بداية عهد خلفه جو بايدن، كان خطأ أمنيا بالغا ومنح قوات الحركة التابعة لتنظيم القاعدة مساحة جيدة للنيل من خصومها وتهديد مصالح واشنطن.
وأصدر الرئيس بايدن قرارا بإعادة نشر المئات من قوات العمليات الخاصة في الصومال، وهو ما ربطه متابعون بفوز الرئيس الصومالي شيخ محمود برئاسة البلاد في تصويت أجراه نواب البرلمان الأحد، واعتبروا عودة القوات خطوة لدعم الرئيس وتثبيت أقدامه في السلطة ومساعدته على تجاوز المصاعب التي تواجهه.
ويقول المتابعون إن مهمة شيخ محمود محفوفة بمخاطر جمة ما لم يكن مدعوما من المجتمع الدولي، وسيواجه أزمات مركبة من حركة الشباب التي أدت تهديداتها لعقد جلسة انتخابه في مطار مقديشو لتسهيل مهمة تأمين عملية اقتراع نواب البرلمان.
وقال نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية السفير صلاح حليمة إن الولايات المتحدة حرصت على تقديم رسالة دعم للرئيس الجديد الذي كانت فترة رئاسته السابقة أفضل حالا من حيث التعامل مع حركة الشباب والتنظيمات الإرهابية، وتعول على قدرته في تحقيق اختراق يوقف زحف حركة الشباب التي توسعت أخيرا.
وأضاف لـ”العرب” أن الموقف الأميركي ينبع من الحفاظ على الحد الأدنى لتماسك هذا البلد، مشيرا إلى أن بايدن يدرك أن الرئيس الصومالي الجديد بحاجة لدعم يمكنه من مواجهة التحديات الأمنية وحل الخلاف بين الحكومة والمعارضة وتبني خطة مصالحة شاملة.
وتركز توجهات الولايات المتحدة على استهداف قادة متطرفين يمثلون خطرا حقيقيا على مصالحها في الصومال، وتسعى لتوفير دعم واضح للرئيس الجديد قبل أن تفتك به وبقواته المحدودة حركة الشباب وتتحكم في مفاصل العاصمة مقديشو، ما يمكنها من إعادة ترتيب الأوضاع بصورة قد تعيدها إلى سنوات سابقة تضخم فيها نفوذها وازداد شراسة، واحتاجت عملية محاصرتها وطردها إلى جنوب البلاد وقتا طويلا.
ووافق بايدن في أوائل مايو الجاري على طلب البنتاغون منحه صلاحيات لاستهداف نحو عشرة من القادة المشتبه بهم في حركة الشباب بعد أن ركزت الضربات الجوية على الدفاع عن القوات الشريكة التي تواجه تهديدا مباشرا.
وشنت القوات الأميركية أول غارة جوية على إرهابيين من حركة الشباب في عهد بايدن في شهر يوليو من العام الماضي عقب اتهامات لإدارته بالتراخي والتقاعس عن مساعدة الصومال جراء عدم التصدي بقوة لعناصر حركة الشباب.
وكان يتواجد في الصومال نحو 700 جندي يعملون على تدريب وحدة كوماندوز محلية لمحاربة حركة الشباب وتنفيذ عمليات نوعية وقرر ترامب سحبهم وتم نقلهم إلى جيبوتي وكينيا.
وتعيد موافقة بايدن على عودة القوات إحياء الدور الأميركي الحيوي في مجال مكافحة الإرهاب في الصومال بعد تراجعه الفترة الماضية بسبب انسحاب القوات الأميركية من هذا البلد واقتصارها على طلعات جوية انتقائية تستهدف متشددين.
وأبدت دوائر أمنية انزعاجها من انسحاب القوات الأميركية قبيل نهاية عهد ترامب وتوقعت زيادة نفوذ المتطرفين، حيث فُهم الانسحاب على أنه تخلّ عن هذا البلد المنكوب، وتركه نهبا لقوى محلية وإقليمية تتصارع للسيطرة على مقاليده.
وتعني خطوة بايدن مراجعة السياسة السابقة، وأن قادة حركة الشباب باتوا في مرمى واشنطن أكثر من أي وقت مضى، ويجب تقويض قدراتهم على تنفيذ عمليات تؤثر على فرص نجاح الرئيس الصومالي الذي تعول عليه واشنطن لإحداث تحول في بلد يعاني من اختلالات أمنية هيكلية منذ حوالي ثلاثة عقود.
ولم ترشح معلومات رسمية حول عدد القوات التي سيتم نشرها بالضبط في الصومال، لكن مصادر إعلامية أميركية قالت إن هذا الرقم سيتم تحديده عند حوالي 450 جنديا.
وتقوم القوات الأميركية بتدريب وتقديم المشورة والمساعدة للقوات الصومالية وقوات الاتحاد الأفريقي دون وجود ملموس على الأرض منذ قرار الانسحاب في عهد ترامب.
وحذر خبراء أمنيون من تهديدات حركة الشباب كأكبر فرع للقاعدة في المنطقة وأكثرها دموية في الإقليم، وهي مسؤولة عن مقتل العديد من دول مختلفة، بينهم أميركيون، وتتطلب فرملتها دعما مستمرا من المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة.
وصوّت مجلس الأمن الدولي في أبريل الماضي على تشكيل قوة جديدة تابعة للاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال مهمتها مكافحة إرهاب حركة الشباب حتى نهاية 2024، وحلّت القوة الجديدة التي أطلق عليها اسم “أتميس” محل “أميصوم” ويبلغ عدد أفراد القوة الجديدة 20 ألف عسكري وشرطي ومدني، وسوف يتم خفض عددها بشكل تدريجي إلى الصفر مع انتهاء المهمة.
وشهد الصومال مجزرة مروعة في التاسع من مايو الجاري عندما شنت حركة الشباب هجوما على قاعدة عسكرية كبيرة للقوات البوروندية في منطقة الباراف، وهي قاعدة تابعة للاتحاد الأفريقي وتقع على بعد 160 كيلومترا شمال مقديشو.
وكشف الجيش البوروندي عن مقتل عشرة جنود وإصابة 25 بجروح وفقدان خمسة آخرين ومقتل 20 مهاجما، بينما نشرت حركة الشباب بيانا قال إن عناصرها قتلوا 59 جنديا في أثناء سيطرتهم على القاعدة.
ويرجع تنامي عمليات حركة الشباب إلى انسحاب القوات الأميركية وقيام الاتحاد الأوروبي بتخفيض دعمه للاتحاد الأفريقي، وسعي الحركة للاستفادة من الفراغ العام وفرض أمر واقع يحول دون تكريس نفوذ أي سلطة مركزية.
علاوة على خلافات عصفت بالسلطة الحاكمة في مقديشو وحكام بعض المحافظات والتجاذبات بين الرئيس الصومالي السابق محمد عبدالله فرماجو ورئيس الحكومة محمد حسين روبري، واتساع نطاق الجدل حول الانتخابات، واتهام الأول بالتواطؤ مع حركة الشباب، وكلها عوامل جعلت الفرصة أمامها مواتية للتحكم في العاصمة.