تعيين مبعوث صيني خاص للقرن الأفريقي.. الأهمية والتأثيرات المحتملة
في ضوء مصالحها المتنامية في منطقة القرن الأفريقي، تسعى الصين إلى القيام بدور أكثر نشاطًا في قضايا الأمن في المنطقة، حيث أعلن وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” في مطلع عام 2022، أثناء جولته الأفريقية التي شملت كينيا وإريتريا وجزر القمر عن تعيين مبعوث خاص لمنطقة القرن الأفريقي المضطرب، ما أثار تساؤلات حول دلالات هذه الخطوة، ومدى فاعلية الدور الصيني في حل النزاعات الإقليمية، وعلى رأسها الصراع في تيجراي، والاضطرابات السياسية في السودان، وأزمة سد النهضة.
لماذا تعين الصين مبعوثها الخاص للقرن الأفريقي؟
ترجع خطوة تعيين مبعوث صيني للقرن الأفريقي إلى أسباب عدة منها:
متابعة تنفيذ مبادرة السلام والتنمية في القرن الأفريقي
استنادًا إلى الوضع الإقليمي المضطرب في القرن الأفريقي ورغبات دول المنطقة، طرح وزير الخارجية الصيني “وانغ يي،” خلال زيارته لأفريقيا، في بداية العام، مبادرة للسلام والتنمية في القرن الأفريقي. تزامن ذلك مع إعلان “وانغ يي” نية الصين تعيين مبعوث خاص للقرن الأفريقي، وأعلن أن الهدف من وجوده هو متابعة تنفيذ المبادرة الصينية الجديدة، وستكون مسؤوليته الرئيسة هي التشاور مع دول المنطقة، والعمل على تعزيز تنفيذ المبادرة، ومساعدة دول المنطقة في التعامل مع الشؤون الإقليمية بشكل مستقل، ودعمها في مواجهة تحديات الأمن والتنمية والحوكمة، وتحقيق السلام والازدهار الإقليمي والاستقرار طويل الأمد في منطقة القرن الأفريقي والقارة الأفريقية بأكملها.
بالإضافة إلى ذلك، أوضح “شيويه بينغ” المبعوث الصيني الخاص للقرن الأفريقي، بعد تعيينه، أن مهمته تشمل التواصل مع دول المنطقة حول كيفية تعميق التعاون في مختلف المجالات، وتعزيز تنفيذ نتائج المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي، وربطه باستراتيجيات التنمية لدول المنطقة، ودعم البلدان الإقليمية في التعامل مع التحديات الثلاثة التي نصت عليها مبادرة السلام والتنمية في القرن الأفريقي، وذلك من خلال نهج متعددة الجوانب، يشمل: تعزيز الحوار داخل المنطقة للتغلب على التحديات الأمنية، وتسريع عملية التنشيط الإقليمي للتغلب على تحديات التنمية، فضلًا عن استكشاف الأساليب الفعالة للتغلب على تحديات الحوكمة.
وتجدر الاشارة هنا إلى أن أولى خطوات المبادرة الصينية ستشمل عقد “مؤتمر حول السلام في القرن الأفريقي،” في يوليو 2022؛ بهدف توفير منصة لدول المنطقة لتسوية خلافاتها من خلال المفاوضات، في محاولة لحل النزاعات الإقليمية.
الحفاظ على المصالح الاقتصادية والأمنية في المنطقة
تتمتع منطقة القرن الأفريقي بمكانة جيو استراتيجية مهمة؛ فهي مصدر نهر النيل والمدخل الرئيس لكل من البحر الأحمر وخليج عدن، وذلك مع عدد كبير من السكان وإمكانات تنموية هائلة. ونظرًا لأهمية هذه المنطقة على المستوى العالمي، حددت الصين القرن الأفريقي أيضًا كنقطة محورية لفرص النمو الاقتصادي والسياسي والعسكري لها، حيث تحتفظ بعلاقات فريدة مع دول القرن الأفريقي، وتعد أكبر شريك تجاري لمعظم دول المنطقة.
وتعد إثيوبيا من بين أكبر خمسة متلقين للاستثمارات الصينية في القارة الأفريقية، حيث استثمرت الصين منذ عام 2000 حوالي 2 مليار دولار في إثيوبيا، بالاضافة إلى حوالي 14 مليار دولار في شكل قروض. وكذلك تمتلك الصين استثمارات نفطية كبيرة في جنوب السودان وتستورد منه كمية كبيرة من النفط، فضلًا عن أن أول وجود عسكري للصين في الخارج متمركز في منطقة القرن الأفريقي مع قاعدة بحرية في جيبوتي المطلة على طريق شحن عالمي رئيس، بكتيبة تصل إلى 10 آلاف جندي.
وتمثل الصراعات المنتشرة في المنطقة تهديدًا مباشرًا للتجارة والاستثمارات الصينية، وهو ما يستدعي تعيين مبعوث خاص للحفاظ على هذه المصالح الاقتصادية والأمنية، ومنع الانزلاق إلى أي صراعات إقليمية، وردع أي تهديد جديد للأمن الإقليمي.
في هذا السياق، فإن المبعوث الصيني الخاص الذي يعمل في القرن الأفريقي ليس بالأمر الجديد، حيث اتخذت الصين سلوكا مشابها في عام 2007، والذي شهد تعيين أول مبعوث صيني خاص للشؤون الأفريقية، لحل الصراع في السودان (دارفور) بين عامي 2007 و2008، حيث شعرت الصين حينها بأن أزمة دارفور ستؤثر على امدادات النفط من السودان، ونتج عن جهود المبعوث الصيني نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في دارفور. ومع التوسع في العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول القرن الأفريقي، في الوقت الذي تزداد فيه الصراعات في المنطقة، وهو ما يهدد مشاريعها وتجارتها ويعرقل استثماراتها، جاء سعي الصين إلى تعيين مبعوثها الخاص؛ حفاظًا على مصالحها من جهة، ولطمأنة المستثمرين الصينيين العاملين في دول القرن من جهة أخرى.
الموازنة الدبلوماسية مع القوى الكبرى
على مدار السنوات القليلة الماضية، اجتذبت منطقة القرن الأفريقي اهتمام العديد من القوى الكبرى التي سعت إلى تعيين مبعوثها الخاص للقرن الأفريقي؛ نظرًا للأهمية المتزايدة للمنطقة، والأزمات المتفاقمة بها. وعلى رأس هذه القوى تأتي الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، وكذلك الولايات المتحدة. ومن ثم كان إعلان الصين تعيين مبعوثها الخاص للقرن الأفريقي أمرًا لا مفر منه لموازنة الوجود الدبلوماسي للصين مع القوى الأخرى في المنطقة. حيث سيوفر المبعوث الجديد لبكين مستوى إضافيًا من التنسيق والتواصل مع مختلف اللاعبين في القرن الأفريقي، ويرسل إشارات قوية مفادها أن الصين ملتزمة بتعزيز الحوار والسلام والاستقرار من خلال تكريس دبلوماسي خاص للمنطقة.
وفي هذا الإطار، تقدم الصين نفسها لدول القرن الأفريقي كنموذج مختلف في إدارة الأزمات عن الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى التي تعثرت جهودها الدبلوماسية لإنهاء الصراعات القائمة في المنطقة، فعلى العكس من سياسة فرض العقوبات التي تتبعها واشنطن لتحجيم الصراعات، تفضل الصين بناء السلام من خلال التنمية الاقتصادية، وتطمح في أن تحقق لها هذه الاستراتيجية تفوّقًا على منافسيها، وترسيخًا لوجودها في المنطقة.
الحزام والطريق “فبل كل شيء”
على الرغم من تمسك الصين بسياسة “عدم التدخل في شؤون الآخرين”، وتفضيل بكين للبقاء بعيدًا عن المعركة والدعوة إلى حل سلمي من بعيد، فإن المصالح الفريدة للصين في المنطقة دعت إلى اتباع تكتيك مختلف، فمع انطلاق مبادرة الحزام والطريق أولت بكين مزيدًا من الاهتمام لجهود الوساطة الدولية خاصة في المناطق ذات الأهمية الاسترتيجية للمبادرة، وعلى رأسهم منطقة القرن الأفريقي التي تمزقها الصراعات، إذ تدرك بكين أنه بدون قدر من الاستقرار في البلدان الرئيسة على طول المبادرة من المرجح أن تفشل المبادرة، وهو ما لن ترغب فيه بكين، وبالتالي كان تعيين المبعوث الخاص أمرًا حيويًا لتجنب فشل مبادرة الحزام والطريق.
ومن هنا، يمكن النظر إلى منصب المبعوث الخاص الجديد على أنه خروج تكتيكي مؤقت عن سياسة “عدم التدخل،” ومقدمة للجهود الصينية للعب دور الوساطة في بعض الصراعات القائمة في المنطقة، وهو سلوك اتبعته الصين من قبل في عدة نزاعات داخل القارة الأفريقية وخارجها، حيث شهدت السنوات الأخيرة تغييرات كبيرة في أنشطة الوساطة الدولية للصين، ففي عام 2017، كانت بكين تتوسط في تسعة صراعات حول العالم، وهي زيادة ملحوظة مقارنة بثلاثة صراعات فقط في عام 2012.
جهود حل النزاعات
في سياق متصل، بالنسبة للقارة الأفريقية خاصة، تدخلت الصين بجهود الوساطة في عدة صراعات بدءًا من السودان بين عامي 2007 و2008، ثم تبع ذلك وساطات أخرى شملت: (زيمبابوي عام 2008، والكونغو الديمقراطية- رواندا عام 2008، والسودان- جنوب السودان 2008 حتى عام 2011، وجنوب السودان منذ عام 2013، وجيبوتي عام 2017).
وفي ظل الإجراء الأخير، من المنتظر أن يلعب المبعوث الصيني دور وساطة في الصراعات القائمة التي تهدد استقرار المنطقة، ومن ثم مبادرة الحزام والطريق. يتماشى ذلك مع “مبادرة السلام والتنمية” التي يتولى المبعوث الصيني الخاص متابعة تنفيذها في المنطقة، و”مؤتمر السلام” المزمع عقده في يوليو المقبل، بوصفهما أدوات إضافية للصين لحفظ استقرار المنطقة.
التأثيرات المتحملة
وحول مدى فعالية تعيين مبعوث صيني إلى القرن الأفريقي وأثر هذه الخطوة على الأزمات المتفاقمة في المنطقة، يمكن فهم ذلك من خلال عدة نقاط:
أولًا: الوساطة الصينية ودورها في حل الصراعات، تشير تجارب الصين في عمليات الوساطة إلى أن جهود الصين في الوساطة الدولية تميل إلى التركيز على إدارة الصراع والحفاظ على الاستقرار بدلًا من حل النزاعات على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك تعتمد الصين على أدوات الوساطة رفيعة المستوى التي تستهدف المستويات العليا من الحكومات، وهذا النهج أثبت حتى الآن عدم فعاليته، وبالتالي لن تشهد الصراعات الدائرة في المنطقة، سواء داخلية أو بينية، حلولًا جذرية.
ذلك فضلًا عن كون الصين جزءًا من الصراع في حالة أزمة تيجراي على سبيل المثال، فهي موالية لآبي أحمد، ودعمته بالطائرات بدون طيار التي استخدمت ضد سكان تيجراي. وعارضت الصين العقوبات الأمريكية على إثيوبيا وإريتريا، ومن ثم لن تقدم الصين حلولًا للأزمة، وعلى افتراض تقديم حلول فلن تقبلها تيجراي. ومع ذلك، قد يوفر التعاون مع الصين فرصة لتحسين الأوضاع الإنسانية في البلاد.
على الرغم من ذلك، قد يكون الوضع في السودان أكثر استعدادًا لتقبل وساطة صينية، في ظل أوضاع داخلية متردية، وضغوط خارجية تزيد الأمر صعوبة، ولكن مدى فعالية هذه الوساطة ستتوقف على ما إذا كانت الصين مستعدة لذلك أم لا.
ثانيًا: بالنسبة لأزمة سد النهضة، فمن غير المرجح أن يلعب المبعوث الصيني دورًا كبيرًا في هذه القضية، على الأقل في الأجل القصير، وذلك لعدة أسباب: الأول يتعلق بعلاقات الصين الوطيدة بالدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) وتفضيلها المعلن لعدم الانحياز لطرف من الأطراف على حساب الآخرين، والثاني يتعلق بانخراط الصين ذاتها في تمويل السد والإنشاءات المحيطة به، أما الثالث فيرجع إلى صعود أزمات حرجة أخرى لتتصدر الاهتمامات العالمية في المنطقة ومنها أزمة تيجراي والاضطرابات السياسية في السودان. ومع ذلك، تظل هناك احتمالية لقيام المبعوث الصيني بدور أكثر نشاطًا في أزمة سد النهضة لحلحلة الأزمة، والعبور من حالة الجمود التي أصابت المفاوضات، إذا شعرت الصين بتهديد حقيقي لمصالحها بفعل هذه الأزمة.
ختاما، يحمل تعيين الصين لمبعوثها الخاص للقرن الأفريقي في هذا التوقيت، أكثر من دلالة، تدور حول حفظ مصلحة الصين في المنطقة، وتأمين مشروعها الأكبر “الحزام والطريق”، أما عن الفوائد المحققة لدول المنطقة، فستتكشف تباعًا في الأيام القادمة. وعلى الرغم من أن مبادرة السلام والتنمية التي تطرحها الصين ويتولى تنفيذها المبعوث الخاص قد تكون لها مردودات إيجابية على اقتصادات دول المنطقة، وهو ما يسهم في تحقيق التنمية على المدى المتوسط، والتي تعد أساسًا لحل المشاكل الأمنية على المدى الطويل، لكن التركيز على الجوانب الاقتصادية وحدها قد يتجاهل الأسباب الفعلية للصراعات في القرن الأفريقي.