الانتخابات الرئاسيةالرئيسيةالصومال اليومكتابات راي

انعقاد برلماني وترقب لمآلات الانتخابات الرئاسية في الصومال

مع عقد أولى جلسات البرلمان الصومالي بغرفتيه، وتحديد يومي 26 و27 أبريل الجاري موعدًا لإجراء انتخابات رئاسة مجلسي الشعب والشيوخ وفقًا للجنة تنظيم انتخابات رئاسة البرلمان الصومالي، تزايدت العمليات الإرهابية في البلاد؛ فقد أطلقت حركة الشباب قذائف الهاون على مقر البرلمان الصومالي المؤقت بالعاصمة مقديشو أثناء اجتماعه يوم الاثنين 18 أبريل 2022، مما أسفر عن إصابة 8 أفراد؛ في محاولة لعرقلة الوصول إلى الحل الديمقراطي واستقرار البلاد واستكمال العملية الانتخابية، للوصول برئيس منتخب إلى مقعد الحكم في الصومال، في ظل استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي يعاني منها الصومال، فما هي فرص الوصول لانتخابات رئاسية، وهل هذه الخطوات كافية لتحقيق استقرار الصومال؟

تباطؤ الوصول للمقاعد البرلمانية

استطاع الصومال أن ينتهي من الانتخابات البرلمانية في خطوة تأجلت نتيجة الخلافات السياسية والاختلاف حول الخطوات الإجرائية للانتخابات وخاصةً تشكيل اللجان الخاصة بها، والتي استغلتها حركة الشباب الإرهابية في تعميق سيطرتها واستمرار حالة عدم الاستقرار، منذ انتهاء ولاية البرلمان في 27 ديسمبر 2020، ومدة ولاية الرئيس محمد عبد الله محمد الملقب فرماجو في فبراير 2021، عقب تمديد ولايته بعد تأجيل انتخابات 2020، حيث ينص الدستور الصومالي المؤقت على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية كل 4 سنوات.
وبدأ التصويت في انتخابات مجلس الشعب في نوفمبر الماضي، فأجريت انتخابات مجلس الشيوخ بنجاح منتصف نوفمبر، فيما تأجلت انتخابات مجلس الشعب عدة مرات، حيث كان مقررًا لها 25 ديسمبر الماضي، مما أدى إلى قلق دولي من حالة الانسداد السياسي في البلاد، ففُرضت العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، وكان آخرها فرض وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عقوبات جديدة تتضمن تقييد إصدار التأشيرات على عدد من المسؤولين الصوماليين في 9 فبراير الماضي.
وكان المؤتمر التشاوري الذي قاده رئيس الوزراء محمد حسين روبلي في 6 يناير الماضي قد حدد الانتهاء من الانتخابات في 25 فبراير الماضي؛ فيما أدى التباطؤ في التنفيذ إلى تأجيله مرة أخرى إلى 15 مارس 2022، نتيجة مشاكل في التمويل إلى جانب الخلافات السياسية، مما أثار القلق الدولي حول إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية في ظل المواءمات القبلية والقانون الانتخابي المعقد للبلاد.
وأدى 305 من نواب البرلمان الجدد حتى الآن اليمين الدستورية وبحضور رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، وأمام رئيس مجلس الشعب الفيدرالي الصومالي المؤقت، عبد السلام أحمد ليبان، على أن ينتخب الأعضاء الـ 25 الأخرين في الفترة المقبلة من محافظة غيدو ومدينة بلدويني منهم 16 مقعدًا بولاية جوبالاند، وعين ليبان أعضاء لجنة تنظيم انتخابات رئاسة المجلس، وتم انتخاب النائب عبد الرزاق عمر محمد رئيسًا للجنة، وتم تحديد يومي 26 و27 من أبريل الجاري موعدًا لإجراء انتخابات رئاسة مجلسي الشعب والشيوخ وفقًا للجنة تنظيم انتخابات رئاسة البرلمان الصومالي، على أن يتبعها انتخاب رئيس البلاد.

أسباب التباطؤ في العملية الانتخابية

نظام انتخابي معقد:

تتم عملية الانتخاب بطريقة الاقتراع غير المباشر، وهي ما تعرف بالنيابية العشائرية، حيث يجري انتخاب 54 عضوًا لمجلس الشيوخ من قبل برلمانات الولايات الخمس بالبلاد، و275 عضوًا لمجلس الشعب من قبل نحو 30 ألف ناخب يمثلون مختلف قبائل البلاد.
عقب تسع سنوات من الفوضى الأمنية والسياسية في البلاد بعد تعاون المعارضة والمحاكم الإسلامية لإنهاء حكم محمد سياد بري عام 1991، سرعان ما تحول التعاون إلى فوضى، حتى تتابع المسار التداولي للسلطة في الصومال منذ مؤتمر “عرته” في جيبوتي عام 2000، وتتابع تداول السلطة بين الرؤساء المنتخبين من البرلمان المشكل وفق “قاعدة 4.5” التي تقسم الحصص الأربع من مقاعد مجلس النواب والشيوخ على العشائر الأربع الكبرى في البلاد بالتساوي، مع منح بقية العشائر الصغيرة نصف حصة.
واستمر هذا النظام بالرغم من اختيار حكومتين رسميتين عامي 2012 و2016، للتحول من نظام الانتخابات غير المباشرة إلى الاقتراع المباشر، وحاول فرماجو التأسيس لهذا النظام في فبراير 2020 بتدشين قانون الانتخابات الجديد للاقتراع العام، ولكنه واجه معارضة شديدة حالت دون تنفيذه بوصفه وسيلة لتمديد فترة حكمه نتيجة الصعوبات اللوجيستية والفنية للانتخابات بهذا الشكل في ظل نقص التمويل والأمن وانتشار أزمات كورونا والجفاف، مما سيسهم في تأجيل الانتخابات وبالتالي مد مدة حكمه.
فتمت العودة وفقًا لاتفاق سبتمبر إلى نظام “التصويت غير المباشر” والتي أجريت عليه الانتخابات الحالية، حيث تم اختيار أعضاء مجلس النواب من المندوبين المعينين من شيوخ العشائر وفق قاعدة 4.5، مع مضاعفة أعداد المندوبين إلى 101 لكل عضو في مجلس النواب، وستختار المجالس البرلمانية للولايات أعضاء مجلس الشيوخ، على أن يُنتخب رئيس الجمهورية من مجلسَي البرلمان مجتمعَين. ونصّت الاتفاقية كذلك على تشكيل لجنة انتخابية فيدرالية جديدة، ولجان انتخابية منفصلة لكل ولاية من الولايات الأعضاء.
وأدت حالة الاستقطاب السياسي والمحاصصة العشائرية إلى استمرار الخلاف حول عدد من المقاعد، فما زال الخلاف حول عدد من المرشحين مثل فهد ياسين رئيس الاستخبارات السابق وولاية جوبالاند ومسؤولي محافظة غيدُو المدعومين من قبل الرئيس فرماجو، إلى جانب بعض التجاوزات الانتخابية التي أثارت قلق الداخل الصومالي، مما يهدد استقرار البلد في مرحلة ما بعد الانتخابات، وبالتالي من المتوقع أن يؤثر التنافس الرئاسي على العلاقات بين مرشح الرئاسة وحكام الولايات الفيدرالية الخمسة، وممثلي المناطق الشمالية الخاضعة لإدارة صوماليلاند، والتي أعلنت انفصالها من جانب واحد عام 1991.

خلافات سياسية:

مع تأخر العملية الانتخابية، تم منح رئيس الوزراء محمد حسين روبلي تفويضًا للإشراف على العملية الانتخابية وفقًا لاتفاق المؤتمر الاستشاري الوطني الاول في 17 سبتمبر 2020، وتلاه اتفاق بيدوا في 16 فبراير 2021، وتولى إدارة الترتيبات الأمنية لإتمام العملية الانتخابية التي تقدمت ببطء؛ نتيجة النزاع بين أذرع السلطة التنفيذية إلى جانب التحيزات القبلية بين بعض ولايات الدولة، هذا إلى جانب توجيه الاتهامات للرئيس فرماجو باستخدام الجيش لتنفيذ أجندته الخاصة، وهو ما نفاه قادة الجيش الوطني بعدم التحيز للرئاسة على حساب الحكومة الفيدرالية، والخلاف مع المعارضة بشأن حق التظاهر والتجمع للمرشحين، وهي أحد الخلافات بين رئيس الوزراء روبلي والرئيس فرماجو الذي رفض هذا الامر.
وقامت قوات أمن حكومية بتأييد من مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني فهد ياسين بمهاجمة مقر فندق اجتمع فيه الرئيسان السابقان شريف شيخ أحمد وحسن شيخ محمود ورئيس الوزراء السابق حسن علي خيري للإعلان عن موعد ومكان التظاهر. ولعل الموقف السياسي المختلف بين روبلي ورئيس المخابرات فهد ياسين الذي أعفاه الأول من منصبه هو أحد الخلافات حول تفجر إصرار لجنة الانتخابات الوطنية على قرارها بإعادة انتخابات أربعة مقاعد نيابية، من بينها مقعد مستشار الأمن القومي فهد ياسين لكون روبلي يراه أحد داعمي الرئيس الحالي المنتهي صلاحيته، هذا إلى جانب إقالة العديد من أعضاء لجنة حل الخلافات ضمن اللجنة الوطنية للانتخابات من قبل روبلي لاتهامه لهم بالتحيز للمكتب الرئاسي، وفي المقابل تم إتهام روبلي بالإستيلاء على أملاك الدولة، وتم الشحن المجتمعي بين الطرفين.
وأدت الخلافات السياسية بين رأسي السلطة التنفيذية إلى تعميق التحديات الامنية الموجودة في البلاد، والتي ظهرت في طرد روبلي رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي السفير فرانسيسكو ماديرا في 9 أبريل الحالي، والذي يقوم بمهام الممثل الخاص لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي في الصومال منذ عاك 2015، واعتباره شخصًا غير مرغوب في تواجده، متأثرًا بالخلافات بين القيادات الصومالية، فيما اعتبر الرئيس فرماجو القرار بأنه غير قانوني ووصف القرار بالمتهور، وأن الرئاسة لم تتلق أي شكوى حول تدخله في شؤون البلاد.
وأدت الخلافات السياسية إلى التأثير سلبيًا على تماسك الجيش الصومالي، وبدورها توقفت الحملات العسكرية المشتركة بين الجيش الصومالي وقوات “أميصوم” التابعة للاتحاد الافريقي التي شهدت نزاعًا آخر حتى تم التجديد لها.
وكذا، توجد حالة من الانقسامات بين رؤساء الولايات الفيدرالية إزاء الخلافات بين رأسي السلطة التنفيذية، وهو سبب آخر يمكن أن يعرقل مسار الانتخابات. ولكن أفضى المؤتمر التشاوري الذي عقده روبلي باعتباره رأس الحكومة الفيدرالية مع حكام الولايات إلى التوصل إلى اتفاق باستكمال العملية الانتخابية البرلمانية والتي تمت بالرغم من بطء التنفيذ، للوصول بالصومال إلى دولة مؤسسية في ظل حالة الشرذمة التي عانت منها على مدار 30 عامًا منذ انتهاء حكم بري الاشتراكي والتحول إلى الفيدرالية الصومالية القائمة على القبلية العشائرية والتي أثرت في عملية اختيار رؤساء البلاد من خلال التسوية القبلية والتناوب بين قبيلتي “هويه” و”دارود”، وهي ما أوصل الرئيس عبد الله يوسف أحمد “دارود”، ثم كل من شريف شيخ أحمد، وحسن شيخ محمود “هويه”، تلاهم الرئيس فرماجو “دارود”، لمقاليد الحكم، لكن الخلافات المتعمقة التي حدثت مع المعارضة مع اتهام فرماجو بمحاولة الاستئثار بالحكم قد حالت دون استكمال هذه التفاهمات القبلية، خاصة وأن العديد من المرشحين الحاليين ينتمون إلى قبيلة وعشيرة “هوية” والتي ينتمي إليها رئيس الوزراء أيضًا.

مشكلات التمويل:

تبرز مشكلات التمويل لإتمام العملية الانتخابية في ظل تعديل نواب مجلسي الشعب والشيوخ للبرلمان الفيدرالي الحالي في جلسة مشتركة رسوم المرشحين لشغل المناصب العليا في البلاد، فوفقًا للتعديلات الجديدة فإن على المرشحين لرئاسة مجلسي البرلمان دفع 20 ألف دولار مقابل 15 ألف دولار لمنصب نائب رئيس كل من المجلسين، على أن يدفع مرشحو رئاسة الجمهورية رسوم تسجيل قدرها 40 ألف دولار. ويزيد الأمر تعقيدًا أن إدارة حملات انتخابية ناجحة يتطلب من المرشحين ما لا يقل عن 20 مليون دولار بحسب تقديرات الخبراء.
وكشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 4.3 مليون نسمة في الصومال متضررون من الجفاف، ونزح 271 ألفا منهم لهذا السبب. وحذرت عدة وكالات أممية أن 40% من الصوماليين أي ما يقرب من 6 ملايين صومالي معرضون لخطر الانجراف نحو المجاعة وانعدام الأمن الغذائي في ظل اشتداد الجفاف واحتجاب المطر للموسم الرابع على التوالي في الفترة من أبريل حتى يونيو 2022، وارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص التمويل نتيجة فجوة المانحين؛ فقد وصلت الوكالات الإنسانية مجتمعة إلى ما يقرب من مليوني شخص فقط بالمساعدات الإنسانية اعتبارًا من فبراير 2022، مما يثير التخوف من تكرار مجاعة 2011 والتي أودت بحياة ربع مليون مواطن صومالي. ويعاني حوالي 1.4 مليون طفل من مشاكل سوء تغذية حاد حتى نهاية هذا العام، ويعاني منهم نحو 330 ألف طفل من سوء التغذية الحاد الوخيم.

الوضع الأمني المتردي:

أدت الخلافات السياسية إلى تعميق حضور الجماعات المتطرفة وعلى رأسها حركة الشباب والتي تجد في الوضع المضطرب بيئة نشطة لها، فتعمل جديًا على عرقلة العملية الانتخابية من خلال استهداف المناطق الاستراتيجية والحكومة والقادة والسياسيين الصوماليين والناخبين لتعطيل العملية الانتخابية: ففي منتصف فبراير الماضي استهدف مهاجم انتحاري حافلة صغيرة تحمل مندوبي انتخابات في مقديشو، واقتحم مسلحون من حركة الشباب معسكر “حلني” الذي يضم مقر الانتخابات الرئاسية بالقرب من محيط مطار “آدم عدي” في مقديشو في مارس الماضي في محاولة لعرقلة العملية الانتخابية، تلاها ضبط سيارة يشتبه في حملها موادًا متفجرة بالقرب من مقر الحكومة الصومالية بداية الشهر الحالي، ونفذ انتحاريان تفجيرات بأحزمة ناسفة في مدينة بلدوين (وسط البلاد)، بعد أن تجاوزا نقاط التفتيش الأمنية، وتمكنا من الدخول إلى قاعدة تابعة لحكومة ولاية هرشبيلي، وأسفرت عن مصرع نائبين في البرلمان.
وكما كان متوقعًا بأن يتزايد العنف مع الوصول لخطوات إتمام العملية الانتخابية، واستهدافهم للشخصيات العامة والسياسية؛ فقد أشارت التقارير الإعلامية إلى إعلان جهاز الاستخبارات الصومالي استهداف “حركة الشباب” رئيس البلاد محمد عبد الله فرماجو ورئيس وزرائه محمد حسين روبلي، وأضاف أن “محمد ماهر أحد القيادات العليا لحركة الشباب هو من يدير تنفيذ العملية”، مشيرا إلى أن “المخابرات تتعقب كل من له علاقة بها”.
ونفذت حركة الشباب عدة تفجيرات في الأسابيع الماضية، كان آخرها التفجير الانتحاري الذي استهدف النائبة السابقة آمنة محمد عبدي، إلى جانب نحو 50 آخرين بينهم جنود ومدنيون. وكذلك أشارت تقارير من عاصمة ولاية هيرشبيلي إلى نجاة عضو اللجنة الفيدرالية للانتخابات، مهدي عمر عبد يوم الأحد 17 أبريل الحالي من انفجار لغم أرضي استهدف سيارته في الطريق الرابط بين مدينة جوهر ومطار محمد طيري، وهو الثالث من نوعه خلال العام.
تلى ذلك إطلاق قاذفة هاون على مقر البرلمان الصومالي أثناء اجتماع البرلمانيين، وهو ما أدانته بعثة الأمم المتحدة في الصومال “يونصوم”. وكذلك استطاعت حركة الشباب السيطرة على مناطق استراتيجية في البلاد، فأشارت التقارير إلى سيطرة مقاتلي الحركة على بلدة “متبان” في إقليم هيران بوسط الصومال التي تربط بين وسط وجنوب الصومال دون مواجهة، وسيطروا على مركز الشرطة والمكتب الإداري في المدينة، وآخرها استهداف الأديب والناشط الصومالي بدل جامع حرسي، أحد الشعراء المشهورين، برصاص مسلحين في مقديشو، اتهم فيها الرئيس فرماجو حركة الشباب؛ وهو ما يبرز إمكانية تسلل الحركة إلى مناطق حساسة واستراتيجية في البلاد؛ مما يضاعف التحديات أمام تأمين الانتخابات الرئاسية.

أزمات دولية وإقليمية:

يتزامن الوضع الداخلي في الصومال مع انشغال المجتمع الدولي بالعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي بدأت منذ 24 فبراير الماضي. وبجانب تأثيرها على فاعلية تطبيق سبل الضغوط الدولية، أدت الأزمة الأوكرانية الروسية كذلك إلى تعميق الازمات المادية والغذائية بالتزامن مع موسم الجفاف في البلاد، حيث تأتي 53% من المساعدات الغذائية في الصومال من أوكرانيا.
وأثرت الأزمة على خطة الاستجابة الإنسانية من المنظمات الدولية لتوزيع الساعدات على الأزمات الجديدة، فلم يصل إلى الصومال الذي يعيش على مساعدات المنظمات الدولية سوى 3,2% من قيمة المساعدات المتزايدة والتي قٌدرت بنحو 1,5 مليار دولار، والتي تتزايد في ظل أزمات الجفاف والصراعات الداخلية والإرهاب إلى جانب تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، مما قد يكلف البلاد خسائر بشرية ومادية تفوق تكلفة الحروب المباشرة في بعض الأحيان، وهو ما يتطلب تكاتفًا دوليًا لاستكمال العملية السياسية، والحفاظ على استقرار البلاد وتقديم المساعدات الإنسانية والغذائية، في ظل تأثير الجفاف على الزراعة في البلاد.
وتعاني منطقة القرن الأفريقي من أزمات متراكمة متمثلة في الوضع الداخلي الإثيوبي، وتهديد المرحلة الانتقالية في السودان ومخاوف استكمال اتفاق السلام في جنوب السودان. هذا إلى جانب الأجندات الدولية والإقليمية التي تحاول الوصول بحكومة تتناسب ومصالحها، وفي محاولة لعدم تكرار النموذج الأفغاني من خلال فرض سيطرة الجماعات المتطرفة وخاصة “حركة الشباب” التابعة للقاعدة والمنتشرة في وسط وجنوب البلاد المقسمة بالفعل، ولكن عدم امتلاكها للأدوات السياسية قد يحول دون ذلك ولكنها ستظل مصدر تهديد للحكومات الصومالية المتعاقبة؛ في ظل سيطرتها على الموارد وعدم القضاء على جذور التمويل.

سبل الوصول للانتخابات الرئاسية

تشكيل القوات الأفريقية:

أسهمت قوات السلام التابعة للاتحاد الأفريقي والمعروفة بـ “أميصوم” والمشكلة منذ عام 2007 في طرد حركة الشباب الإرهابية من العديد من المدن الرئيسة في الصومال، فاستطاعت المؤسسات الحكومية أن تعود إلى مهام أعمالها نوعًا ما، وتم إجراء دورتين انتخابيتين في 2012 و 2017، وجدد لها مجلس الأمن فترة وجودها حتى نهاية مارس الماضي، مع استمرار المباحثات مع الحكومة الصومالية حول شكل وجودها في البلادـ ورفض الحكومة الصومالية توسيع مهام البعثة بتحويلها إلى قوات مشتركة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ لرفض الحكومة وجود قوات دولية داخل البلاد، فأوصى الأمين العام أنطونيو جوتيريش بالتجديد لها حتى 31 ديسمبر بعددها الحالي.
وصوت مجلس الأمن الدولي في نهاية مارس -بالرغم من الأزمة الدبلوماسية في الأمم المتحدة مع روسيا على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية- بالإجماع على تمديد مهمتها حتى نهاية ديسمبر 2024 مع إعادة تشكيلها وتسميتها بالبعثة الانتقالية في الصومال”أتميس” بقوة جديدة تصل إلى 20 ألف عسكري وشرطي ومدني، على أن تنخفض بشكل تدريجي على أربع مراحل حتى تغادر كاملةً مع انتهاء مدة وجودها، مما يضعنا أمام خطوة دولية تقودها أفريقيا لتقويض النزاع المسلح المهدد للدولة الصومالية والقرن الأفريقي ككل، باعتبار حركة الشباب أحد أكبر أفرع القاعدة العابرة للحدود والأكثر تمويلًا بحسب دبلوماسي أمريكي وقامت بعمليات في الدول المجاورة وخاصةً كينيا وأوغندا.
بالتالي فهناك أمل نحو الاتجاه إلى التعاون السياسي والأمني لاستكمال العملية الديمقراطية والوصول بالانتخابات إلى اختيار الرئيس حتى ولو بشكل بطيء، من خلال التعاون بين القوات المسلحة الوطنية وقوات حفظ السلام الأفريقية والأجهزة الأمنية المتعددة كالشرطة والمخابرات التي استطاعت أن تصل بالانتخابات إلى عقد أولى الجلسات البرلمانية وتحديد موعد لانتخابات رئيسي غرفتي البرلمان تمهيدًا لاختيار رئيس للبلاد.
فقد بدأت البعثة بعد هجوم حركة الشباب على معسكر “حلني” باتخاذ إجراءات أمنية جديدة داخل المعسكر، لضمان أمن مقر اللجنة الوطنية للانتخابات وتأمين عملية أداء اليمين الدستورية، استعدادًا لإجراء انتخابات رئاسية في غضون شهرين. هذا إلى جانب قوات “دنب” وهي قوت صومالية تتلقى التدريبات من الولايات المتحدة والتي أعلنت في وقت سابق من هذا الشهر إلقاءها القبض على عناصر من حركة الشباب في عملية نفذها الجيش في مناطق بإقليم شبيلي السفلي بولاية جنوب الغرب في الإقليم المجاور للعاصمة مقديشو، حيث تسيطر الجماعات المسلحة على المناطق الريفية في وسط وجنوب الصومال.

الضغوط الدولية:

تستخدم القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة ورقة التعاون مع أرض الصومال الذي أعلن انفصاله من جهة واحدة عام 1991 كورقة ضغط بجانب العقوبات الدولية للضغط على الحكومة الصومالية في استكمال العملية الانتخابية، وهو ما ظهر في زيارة رئيس أرض الصومال موسى بيهي إلى واشنطن مارس الماضي بحسب دراسة الباحثة “أسماء عادل” على موقع المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.
وأسفرت التهديدات الأمريكية منذ أبر يل 2021 عن فرض عقوبات على كل من يعرقل العملية الانتخابية من السياسيين إلى عودة الانتخابات إلى مسارها الصحيح، عقب محاولة البرلمان تمديد ولاية فرماجو لعامين آخرين، وتفاعل حكومة روبلي الذي عينه فرماجو لتنظيم العملية الانتخابية مع تلك التهديدات حتى لا يصور بأنه أحد معرقلي العملية الانتخابية؛ إلا أن المشكلات الفنية والقبلية قد أسهمت في تباطؤ التنفيذ، ولكنها أدت في النهاية إلى استكمال العملية التشريعية، وهو ما يبشر بإمكانية الوصول بالبلاد لاستكمال العملية الانتخابية في حال إعادة الاهتمام بالمنطقة.
وشهدت خطوة الانتخابات البرلمانية والتي تمهد لاختيار رئيس للبلاد ترحيبًا دوليًا من الأمم المتحدة وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال والاتحاد الأوروبي وعدد من من الحكومات، في بيان مشترك، ودعوا إلى ضرورة استكمال المراحل المتبقية من العملية الانتخابية بما في ذلك انتخاب قيادة لمجلس النواب ثم رئيس للبلاد. وأسهمت الجهود العربية في تقديم المساعدات الغذائية والاستجابة لاحتياجات الشعب الصومال أثر أزمات الغذاء والجفاف وغلاء الأسعار.
يضعنا الطرح السابق أمام فرصة كبيرة للوصول بالصومال إلى رئيس منتخب على الرغم من التباطؤ في التنفيذ، لكن هذا الأمر لن ينقل البلاد إلى حالة الاستقرار؛ في ظل حالة الاستقطاب القبلي التي تقوم عليها عملية الاختيار القائمة على المواءمات القبلية، والتي نجح فيها فرماجو مع تنصيب حلفاء له في رئاسة ثلاث ولايات من خمس ولايات فيدرالية هي “جنوب غرب الصومال، وجالمودوج، هيرشابيلي”، إضافة إلى عزمه على تنظيم الانتخابات الخاصة بصوماليلاند في مقديشو بإشراف لجنة مشكلة من حكومته، مقابل ترشح عدد من الرؤساء السابقين والمحسوبين على تيار الإخوان المسلمين، هذا إلى جانب اعتماد النظام الحزبي بالصومال على القبلية العشائرية.
وبالتالي تبرز حظوظ المشاركين بين أحزاب الاتحاد من أجل السلام ومرشحه الرئيس السابق حسن الشيخ محمود، وحزب “هميلو قرن” ويتزعمه الرئيس الأسبق شريف الشيخ أحمد، وحزب “وذجر” ويرأسه عبد الرحمن عبد الشكور. هذا إلى جانب الضغوط الدولية والإقليمية للوصول بمرشح يخدم مصالح القوى الكبرى بغض الطرف عن حل المشكلات الفعلية التي تعاني منها البلاد من أزمات اقتصادية وخلافات سياسية وأمنية تقودها حركة الشباب المستفيد الأول من حالة عدم الاستقرار، ومدى نجاح القوات الأفريقية التعاون مع الحكومة المشكلة لتشكيل جيش صومالي قوي والقضاء على الحركة الإرهابية المتأصلة، أو تطبيق النموذج السوداني من خلال ضم الفصائل المسلحة في الجيش الوطني، وهو أمر مستبعد في ظل سيطرة الحركة على موارد الأقاليم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق