الانسداد السياسي في الصومال يعرقل دوران عجلة الاقتصاد
يعيش الصومال حالة من التدهور الاقتصادي منذ نحو عام جراء الانسداد السياسي الذي أخّر إتمام الانتخابات، بالتوازي مع تعليق المجتمع الدولي المساعدات المالية للحكومة.
وما فاقم من الأوضاع المعيشية أيضاً ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات، إلى جانب الجفاف الذي يضرب البلاد للعام الثاني على التوالي، وهو ما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي المحلي، الأمر الذي تسبب في تفشي التضخم والبطالة.
ونتيجة تراكم تلك العوامل إلى جانب أعباء الديون الخارجية، تأثرت عجلة الاقتصاد في البلاد سلباً؛ إذ تشير التقديرات الأممية إلى أن نحو 71 بالمئة من الصوماليين البالغ عددهم نحو 14 مليونا يعيشون تحت خط الفقر.
وشهدت العملية الانتخابية في الصومال الكثير من الخلافات السياسية التي أدت إلى تأجيل موعدها أكثر من 5 مرات، إلى أن بدأت الانتخابات البرلمانية بشكل رسمي في الـ29 من سبتمبر/أيلول الماضي لتستمر حتى إبريل/نيسان الجاري.
وحتى اليوم، انتخب 307 أعضاء من أصل 329 يتكون منهم البرلمان بمجلسيه الشعب والشيوخ، ومن المتوقع استكمال انتخاب بقية الأعضاء الـ22 في الأيام المقبلة، فيما لم يحدد بعد موعد إجراء الانتخابات الرئاسية.
أزمات سياسية
واعتبر الخبير وأستاذ الاقتصاد في جامعة الصومال محمد يوسف أن أزمة عدم الاستقرار السياسي في البلاد هي أساس انهيار مؤشر النمو الاقتصادي، وهو ما يشير إلى تراجع معدلات النمو لحصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال يوسف إن الخلافات السياسية وعدم الاستقرار الأمني التي باتت صفة متلازمة للحكومات الصومالية تبعث مؤشرات غير إيجابية على نمو اقتصاد البلاد، حيث تتوقف كل الاستثمارات وعمليات الشراء في جميع مناحي الحياة خوفا على المستقبل.
وأوضح أن الأزمة السياسية في البلاد التي امتدت نحو عام ونيف أدخلت البلاد في مرحلة من عدم اليقين سياسيا واقتصاديا، وهو ما يعيق المحركات الأساسية للنمو.
وأشار يوسف إلى انخفاض نسبة الضرائب للحكومة من الميناء والمطار؛ بفعل تراجع عمليات الاستيراد، وهو ما يرفع سقف التضخم ومعدل البطالة الذي يتراوح أصلا ما بين 70 و75 بالمئة.
ولفت إلى أن تداعيات الانسداد السياسي نالت أيضا من برامج المجتمع الدولي الداعمة الصومال سياسيا واقتصاديا، حيث توقفت المشاريع التي تقدمها تلك الدول خاصة للمؤسسات الحكومية من حيث التدريب والتأهيل، إلى جانب دعم صرف رواتب المستشارين.
وتوقع المختص أن يستمر نزيف الاقتصاد المحلي لحين انتهاء الانتخابات، “وهي توقعات بددت آمال البنك الدولي الذي توقع زيادة معدل النمو الإجمالي للناتج المحلي بالبلاد، بعد أن حقق عام 2019 معدل نمو يقدر بـ2.9 بالمئة”.
توقف دعم الميزانية
وأوقف المجتمع الدولي دعمه ميزانية الصومال منذ مطلع عام 2021، وهو ما من شأنه أن يعرقل عمل المؤسسات الحكومية ويؤثر سلبا على تسديد رواتب الموظفين، وفق تصريحات لوزير المالية الصومالي عبد الرحمن دعالي بيلى في يونيو/ حزيران الماضي،
وأضاف آنذاك أن “البنك الدولي والدول التي كانت تدعم ميزانيتنا أوقفت مدفوعاتها المالية قبل ستة أشهر من الانتخابات”.
وأشار الوزير إلى أن “هذا الأمر لا ينطبق فقط على الصومال وإنما على جميع الدول التي تدعم ميزانياتهم خلال فترات الانتخابات، حتى لا تُستخدم تلك الأموال لأغراض انتخابية”.
وأوضح بيلى أن “هذا القرار يأتي ضمن مخاوف الداعمين من ألا تصل تلك الأموال إلى الناس أو تؤدي إلى مشاكل أخرى، لأن البلاد في مرحلة انتخابات رئاسية وبرلمانية”، متوقعا عودة الدعم بعد تشكيل حكومة جديدة.
وأشار إلى أن عدم الاستقرار السياسي والتهديدات الأمنية المستمرة إلى جانب تعثر عملية الانتخابات عوامل قد تساهم في استمرار تعليق الدعم المالي للصومال.
آثار سلبية
وفي السياق، يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة مقديشو عبد الله معلم أن وقف المجتمع الدولي دعم ميزانية الحكومة الصومالية قد يحيل آلاف الموظفين الحكوميين إلى قائمة البطالة، وهو ما يؤجج تفشي الفساد داخل المؤسسات الحكومية وتلقي الرشاوى لدى الموظفين الحكوميين.
وأضاف عبد الله أن الحكومة الصومالية توفر فقط 35 بالمئة من الميزانية السنوية في حين يساهم الدعم الخارجي بـ65 بالمئة منها، وهذا رقم كبير لا يمكن للحكومة الاستغناء عنه، بل ستزيد معدلات الفقر في البلاد في حال استمرار وقف هذا الدعم.
وأشار إلى أن غياب هذا الدعم قد يؤدي أيضا إلى انخفاض نسبة القدرة الشرائية لدى المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار الذي تشهده البلاد نتيجة عوامل داخلية وخارجية.
وفي فبراير/ شباط الماضي، حذر صندوق النقد الدولي من تعليق الدعم المالي الذي يقدمه للصومال وجهود إعفائه من الديون الخارجية البالغة 5.3 مليارات دولار، في حال حصل أي تأخر في العملية الانتخابية قبل مايو/ أيار المقبل، وهو يمثل مؤشرا غير إيجابي بالنسبة لاقتصاد البلاد.
وترتبط سياسة إعفاء هذه الديون الخارجية بالحكومة الصومالية المقبلة ومدى تعزيز الأطر المالية من خلال مكافحة الفساد داخل المؤسسات الحكومية، إلى جانب تنويع مصادر دخلها التي تزيد من نمو إنتاجها المحلي.
الجفاف وارتفاع الأسعار
ويرجع الخبير الاقتصادي محمد يوسف الارتفاع الجنوني لأسعار السلع الغذائية والوقود في الصومال إلى عاملين أساسيين، أحدهما خارجي والآخر داخلي.
ويتمثل العامل الخارجي، حسب يوسف، في تقلبات أسعار المنتجات بالأسواق العالمية كالسلع والوقود، حيث يتأثر الصومال كغيره من الدول نتيجة هذه التأثيرات التي سببتها أزمة الحرب الروسية والأوكرانية وقبلها أزمة وباء كورونا.
وأضاف أن الصومال يعتمد بشكل شبه كلي على استيراد بضائعه من الخارج، ما يعني تأثره بشكل حاد بأزمات العالم التي قد تترك تداعيات وخيمة على حركة الأسواق العالمية.
ولفت يوسف إلى أن الصومال لا يصدر إلى الخارج سوى الماشية والسمسم والليمون والصمغ واللبان منذ انهيار الحكومة المركزية عام 1991، وهو ما لا يساهم في دعم عجلة النمو الاقتصادي، في وقت يقدر فيه حجم التضخم بالبلاد بنحو 70 في المئة.
وحققت أسعار الوقود والقمح والدقيق والأرز والزيت ارتفاعا ملحوظا في الأسواق المحلية، كونها من السلع التي تُستورد من الخارج.
أما العامل الثاني (الداخلي) فقد أشار المختص الاقتصادي إلى أنه يتمثل في الجفاف الذي ضرب البلاد نتيجة غياب هطول الأمطار في الموسمين الماضيين، وهو ما أثر سلبا على قطاعي الزراعة والماشية اللذين يساهمان بـ50 بالمئة من اقتصاد البلاد.
وبحسب تقديرات أممية، فإن الجفاف تسبب في نفوق 650 ألف رأس ماشية، إلى جانب حدوث تراجع كبير في الإنتاج الزراعي المحلي الذي يعتمد جله على الري والأمطار.
كما تسبب الجفاف بنزوح آلاف السكان ممن يمتهنون حرفتي الرعي والزراعة، ما قد يرفع عدد المحتاجين للمساعدات إلى أكثر من 6 ملايين شخص، أي نحو 40 بالمئة من السكان، وسط مخاوف من ازدياد فرص حدوث انعدام الأمن الغذائي إذا لم تهطل الأمطار الموسمية في الشهرين المقبلين.
وتأثرت الأسواق المحلية بالجفاف، حيث تراجعت بعض المحاصيل الزراعية، لا سيما الخضراوات والذرة الشامية والرفيعة، وسط الطلب المتزايد بالنسبة للمواطنين الذين يعانون من ضعف القدرة الشرائية بسبب تداعيات الأزمة السياسية التي أثرت سلبا على الاقتصاد المحلي.
وبحسب تقديرات محلية، فإن السلع الغذائية والخضراوات، إلى جانب اللحوم، سجلت ارتفاعا بنسبة 0.5 بالمئة من قيمتها الأصلية، ما يشكل عبئا على الوضع المعيشي والاقتصادي بالنسبة للكثير من المواطنين، حيث يقدر دخل الفرد في الصومال بنحو 1.5 دولار أميركي.
ويتوقع الخبراء نمواً “طفيفاً” في اقتصاد البلاد في حال إجراء الانتخابات الرئاسية وانتخاب برلمان جديد في البلاد.