السباق الرئاسي في الصومال.. العوامل المؤثرة وحظوظ أبرز المرشحين
تمهيد:
يعد الموسم الانتخابي الحالي الأطول من نوعه في التاريخ السياسي الصومالي والذي تزامن مع أسوأ موجة جفاف يشهدها البلاد منذ أزمة الجفاف الشديدة في عام 2011م؛ حيث تم استنزاف الطاقات وجهود الكثير من المرشحين المحتملين لشغل منصب رئيس الجمهورية؛ وذلك بهدف إنهاكهم وإخراجهم من السباق الرئاسي مبكرا، وهو ما حدث فعلا؛حيث انسحبت مجموعة من المرشحين لطول أمد الحملة الانتخابية، ولنفاذ الميزانية المرصودة للحملة وتراكم الديون عليهم.
وفي هذا التقرير نسلِّط الضوء على العوامل المؤثرة على السباق الرئاسي مع استعراض حظوظ أبرز مرشحي الرئاسة في الموسم الانتخابي الحالي، والذي من المقرر الانتهاء منه بنجاح قبل منتصف عام 2022م، وذلك طبقا لجدول استكمال الانتخابات الصادر مؤخرا من قبل اللجنة الفيدرالية لتنفيذ الانتخابات.
المسار الوعر للانتخابات
إن مسيرة الاستحقاق الانتخابي مرت بمسارات وعرة ومليئة بالألغام والمطبات السياسية والأمنية وسلسلة مؤتمرات “طوسمريب” الأربعة وتفاهمات بيدوا، وأخيرا اتفاقية 17سبتمبر 2020 التي تعد الوثيقة الرئيسية والمرجعية للانتخابات غير المباشرة في البلاد.
ومع كل هذه العقبات فقد نجحت البلاد في تنظيم انتخابات غير مباشرة يؤمل أن تقود البلاد إلى التداول السلمي للسلطة للمرة الخامسة منذ ميلاد الجمهورية الثالثة في مدينة عرتا الجيبوتية عام 2000م بانتخاب الرئيس العاشر من قبل البرلمان الفيدرالي (329 عضوا) بغرفتيه مجلس الشعب (275 عضوا) ومجلس الشيوخ ( 54 عضوا ).
ولا زالت هناك عقبات تتمثل في الخلاف القائم حول عدة مقاعد برلمانية لم يتم مصادقتها من قبل اللجنة الانتخابية الفيدرالية، وأبرزها مقعد النائب فهد حاجي طاهر ، رئيس الاستخبارات السابق والمقرب من الرئيس فرماجو ، وكذلك ملف الدائرة الانتخابية الثانية لمحافظة غيدو في ولاية جوبالاند؛ حيث كان المقرر إجراء انتخاب 16 مقعدا من أصل 43 من المقاعد المخصصة لولاية جوبالاند في مدينة غرباهاري عاصمة إقليم غيدو، وهناك اتجاه لإجرائها في مدينة “عيل واق” في محافظة غيدو بدلا من غربهاري المنصوص عليها في إتفاقية 17 سبتمبر لتعذر وصول اللجنة المعنية بالانتخابات لمدينة غربهاري على خلفية خلافات حادة حول طريقة إدارة انتخابات تلك المقاعد بين ولاية جوبالاند ومسؤولي محافظة غيدُو المدعومين من قبل الرئيس المنتهية ولايته.
تجدر الإشارة أيضا إلى أن حالة من الخروقات والتجاوزات قد شابت الانتخابات في مختلف الولايات؛ مما أثار قلق الشعب الصومالي والمجتمع الدولي على نزاهة الانتخابات واستقرار البلد في مرحلة ما بعد الانتخابات.
العوامل المؤثرة على السباق الرئاسي:
قوة الفريق الانتخابي
إن تنظيم الفريق الانتخابي وتماسكه وخبرته وعلاقته مع اللاعبين السياسيين في المشهد السياسي من أهم عوامل الفوز بالسباق الرئاسي في الصومال .
العامل القبلي
إذ أن منصب الرئاسة محتكر في العرف السياسي من قبل عشيرتين فقط، وهما: عشيرة “دارود” التي ينحدر منها الرئيس المنتهية ولايته، وعشيرة “هوية” التي ينتمي إليها رئيس الوزراء ومعظم مرشحي الرئاسة، وأي مرشح خارج هاتين العشيرتين محكوم عليه بالفشل، ويكون كمن يبحث عن مستحيل.
توفر السيولة النقدية
إن إدارة حملة انتخابية ناجحة تتطلب سيولة مالية ضخمة، والتي لا تقل عن 20 مليون دولار بحسب تقديرات الخبراء، وتعد عاملا ضروريا لضمان فوز المرشح بالرئاسة.
العلاقات والتحالفات السياسية
علاقة المرشح مع حكام الولايات الفيدرالية الخمسة، وممثلي المناطق الشمالية الخاضعة لإدارة صوماليلاند، والتي أعلنت انفصالها من جانب واحد عام 1991. ومعروف أن لدى الشماليين نوابا يتم انتخابهم في العاصمة الصومالية مقديشو، ويشكلون كتلة برلمانية يحسب لها ألف حساب.
ويذكر في هذا السياق أن الصومال عبارة عن دولة هشة يتصارع عليها نخب ذوو مصالح متعددة، وأن عقد تفاهمات مع هذه النخب هو أيضا عامل مهم للفوز بالرئاسة.
التأثير الأجنبي
لا شك أن العامل الأجنبي مهم جدا في تقرير من يفوز بالرئاسة في الصومال؛ وذلك نظرا لتحكم عدد من الدول عملية حفظ الأمن، إلى جانب اعتماد الدولة الصومالية على المعونات الدولية، وهذه الدول سبق أن دعمت رؤساء سابقين وأوصلتهم لسدة الحكم من خلال ضخ أموال وحشد التأييد من الدول الكبرى لصالح مرشحها.
حظوظ أبرز مرشحي الرئاسة
نستعرض هنا بعض مَن يتم تصنيفهم “إعلاميا” على أنهم أبرز المرشحين، ويُعتقد أن فرصهم كبيرهم، وأن منصب الرئيس سينحصر فيهم لما لهم من حاضنة اجتماعية، وخبرة سياسية، وفريق انتخابي نشط، ودعم من بعض الدول المؤثرة في المشهد السياسي؛وهم كالتالي :
الرئيس المنتهية ولايته محمد عبدالله فرماجو
يُعتقد أنه من أبز المرشحين، ومن أوفرهم حظا للفوز بفترة رئاسية ثانية، وذلك بسبب تحكُّمه على مقاليد الأمور في ثلاث ولايات يأتي منهاعدد كبير من أعضاء مجلس النواب. ورغم تقاسم المعارضة معه في ولايتين إلا أنه نجح في دعم عشرات من أنصاره للحصول على العضوية في البرلمان ما يعطيه فرصة كبرى للحصول على أصوات كافية لإعادة انتخابه. الفرصة الاخرى التي قد يستغلها هي توفر المال؛ حيث يتمتع بدعم قطري وتركي ، وهذا يسهل له شراء الأصوات وسط حالة التشتت والانقسام في صفوف مرشحي المعارضة. ولكن رغم تلك الفرص فإن الرئيس الحالي يواجه عدة تحديات أهمها:
فشله في إنجاز مراجعة الدستور الانتقالي، وعقد انتخابات مباشرة في عام 2020، كما انتهت فترة ولايته دون أن تتضح ملامح مستقبل انعقاد انتخابات برلمانية ورئاسية في البلاد، فضلًا عن الخلافات السياسية التي باتت بمنزلة دوامة سياسية لا أفق لها منذ عام 2017 مع فشله في تنفيذ وعوده الانتخابية السابقة بأنه سيكون رجل سياسة تصالحية وجامعة، كما أن تعطيله لمسار العملية السياسية واستمرار الصومال في مستنقع الأزمات ما أتاح الفرصة لحركة الشباب لمواصلة هجماتها ولا سيما في العاصمة، كما أنها لم تتلق ضربات كبيرة منذ انتخاب فرماجو عام 2017.
إمكانية مواجهة أبرز مرشحي المعارضة في الجولة الأخيرة، وهو المرشح الذي يُفترض أن يتم التنازل لصالحه من قبل مرشحي المعارضة؛ كما حدث في كل الانتخابات السابقة في البلد.
طبيعة الشعب الصومالي الميالة لتغيير الرؤساء وعدم إعادة انتخابهم بعد انتهاء فترتهم الرئاسية الأولى، وهذا قد يُعزِّز احتمالية فشل الرئيس الحالي في مساعي إعادة انتخابه، إضافة إلى اختراق بعض المرشحين في صفوف النواب المحسوبين على الرئيس من خلال تقديم وعود مغرية لهم.
حالة الانسداد السياسي والصراع الذي ساد فترة الرئيس الحالي، والتي أدت إلى نشوب اشتباكات في العاصمة قبل عام إثر محاولة الرئيس الحالي تمديد فترته الرئاسية بشكل غير توافقي من طرف واحد،إلى جانب ذلك هناك هواجس حدوث انفلات أمني في العاصمة إذا تمت إعادة انتخابه؛ وذلك بسبب معارضة عشيرة “هوية” التي تعتقد أن لها الحق في تولي الرئاسة في المرحلة المقبلة؛ لأن العرف السائد هو أن يتم التناوب على منصب الرئاسة بين عشيرتي هوية و دارود التي ينتمي إليها فرماجو.
خلافه مع رئيس وزرائه محمد حسين روبلي يُعد أيضا التحدي الأكبر الذي يواجهه؛ لأنه يشرف على ملف الانتخابات، وبالتالي قد يُحرق رئيس الوزراء أوراق استراتيجية للرئيس، ويمكن أن يغير قواعد اللعبة لصالح التغيير، ويكشف ظهره في وقت قاتل، ويحشره في خندق الدفاع عن النفس، الأمر الذي يؤدى إلى خلق رأي عام سلبي ضد فرماجو وفريقه كما صرح بذلك الكاتب والمحلل السياسي عبد الرحمن عبد الله.
حاكم ولاية بونتلاند، سعيد عبد الله دني:
وهو أيضا من أبرز المرشحين للرئاسة، وعُرف بمعارضته الشديدة للرئيس الحالي، وسعيه لإفشال كل محاولات فرماجو للتمديد أو التحكم على مسار العملية الانتخابية. ويُعتقد أنه الوكيل المعتمد للإمارات في الصومال، وقد قام بعدة زيارات إليها منذ انتخابه حاكما لولاية بونتلاند عام 2019 . كما أن المراقبين يرونه المرشح الأقدر على منافسة الرئيس المنتهية ولايته كونه يتحكم بكتلة برلمانية يزيد عددها عن 70 نائبا .
ولكن هناك عدة تحديات قد تُفشل مساعي هذا المرشح، ومنها :
كون المرشح ينتمي إلى نفس قبيلة الرئيس فرماجو ما يضعف تسويقه كبديل مناسب حسب عرف التناوب على منصب الرئاسة بين قبيلتي دارود وهويه ، وهذا ما يرجح فرضية فوز مرشح من قبيلة هوية أو عودة فرماجو الرئيس الحالي؛ لأن أبرز مرشحي هوية يفضلون فرماجو على”دني” وذلك عملا بقاعدة قبول أهون الهزيمتين في حال فشلهم بتحقيق الفوز لأحد مرشحيهم.
تجربته السياسية خلال السنوات الأخيرة في ولاية بونتلاند، والتي اتسمت بالكثير من الرغبة في السيطرة، وتغيير الأعراف السياسية السائدة الأمر الذي أدى لاتهامه بنزعة تسلطية واللجوء لحسم الخلافات بالقوة العسكرية.
معارضة سياسيين ونخب مؤثرة من ولاية بونتلاند لمساعي سعيد عبد الله دنى وتطلعه لتولي الرئاسة، مما قد يُحدث انقساما حادا في صفوف الكتلة البرلمانية الموالية له، ويعزز ذلك ما تم تداوله من أن مجموعة الضغط المعروفة محليا ب ” آرنجان” تدعم المرشح حسن علي خيري رئيس الوزراء الصومالي السابق لانزعاجها من تخلي “دني” عن بعض أفرادها الذين فشلوا في الفوز ببعض المقاعد البرلمانية، وهذا مما يُضعف فرص فوزه هو الآخر بالمنصب، وهناك في ولايته معارضة شديدة ضده وهو رفض صريح يأتي من قبل سياسيين ذوي وزن ثقيل مثل الرئيس الوزراء الأسبق عمر عبد الرشيد الذي أعلن ترشحه للرئاسة بهدف انتقامي لإضعاف سعيد عبد الله دنى الذي قام بنفس الخطوة ضده في عام 2017؛ حيث خاض منافسة مع عمر عبد الرشيد أدت لخسارته في السباق الرئاسي.
علاقته السيئة مع اتحاد مرشحي الجنوب، ما عدا علاقة قيل إنها طيبة مع الرئيس السابق والمرشح الرئاسي مع حسن شيخ محمود، وبحسب تصريحات أحمد محمود كاتب وأكاديمي مختص في شؤون الإعلام والعلاقات الدولية – فإن سعيد عبد الله “دنى” يفتقر إلى تحالفات سياسية مهمة تخوله العبور للأدوار النهائية والفوز في السباق الرئاسي.
عندما أعلن ترشحه للرئاسة في الـ 19 من شهر مارس الجاري، أثار أول تصريح له ضجة إعلامية كبيرة؛ حيث قال إن هدف الأساسي هو إزاحة الرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو، وقد اعتبر ذلك معارضوه أنه رجل انتقامي تنحصر همومه في الانتقام لنفسه، وبالفعل فإن تصريحا من هذه القبيل قد يكون له تأثير سلبي على المدى الطويل.
شيخ شريف شيخ أحمد، الرئيس الصومالي الأسبق (2009-2012)
وهو من أقوى المرشحين كونه رجلا تصالحيا وصاحب سياسة “صفر مشاكل” مع مختلف المكونات السياسية والعشائرية ، وكان رئيس المحاكم الإسلامية التي تأسست عام 2005 ، وصار رئيسا للصومال في عام 2009 بعد مفاوضات حاسمة مع الرئيس الصومالي الراحل عبد الله يوسف أحمد، وتحققت إنجازات مهمة في فترة حكمه، ومنها: إعداد الدستور الانتقالي الحالي ، وتحرير العاصمة ومعظم المدن الرئيسية من قبضة حركة الشباب، ويرى كثيرون يأنه مرشح قوي في ظل الظروف السياسية التي تمر بها الصومال من حالة الانسداد السياسي، وتصاعد هجمات حركة الشباب، وازدياد قوتها في السنوات الأخيرة على حساب الحكومة الصومالية، وهناك عدد من نقاط الضعف التي تتمثل فيما يلي :
على الرغم من تمتعه بعلاقات طيبة مع أغلب الدول المؤثرة في السياسة الصومالية مثل كينيا وأوغندا وحتى الإمارات ولكنه يعاني من نقص التمويل في حملته الانتخابية، وهذا أهم تحدٍ لحملته في هذا الاستحقاق الانتخابي الطويل.
وهناك تحدي آخر يتمثل في أنه لا يملك فريقا متمرسا لحملته الانتخابية ، ويرى البعض أنه خسر ثقة المعارضة ولا سيما بعض الولايات المعارضة للرئيس فرماجو وبعض وجهاء عشيرته بعد تسريب معلومات تفيد بأنه قرر التحالف مع فرماجو.
وفي هذا السياق يرى مؤيدوه أن تحالفه مع فرماجو فرصة لمرشحهم إذ يقدم نفسه كمرشح يمسك العصا من الوسط ويستطيع الحصول على أصوات من صف المعارضة والموالاة .
مما يحرم شيخ شريف من ورقة مهمة تحالف مجموعة من جزب دلجر مع الرئيس السابق حسن شيخ محمود، وهي مجموعة منشقة عن جماعة آل الشيخ، وتتمتع بتأثير كبير رغم فشل بعض عناصرها في العودة إلى البرلمان الجديد.
التحدي الآخر هو أنه مجرَّب كغيره من الرؤساء السابقين، ويزيد عليهم بخوضه ثلاث انتخابات سابقة كسب أولها وخسر آخر استحقاقين، وسيخوض حاليا الاستحقاق الانتخابي الرابع، وهو وجه مألوف، وهذا قد لا يشجع النواب الذين يشكلون نحو 70% من النواب الجدد لإعطائه الفرصة على حساب غيره من المرشحين الأقل مشاركة في السباق الرئاسي.
حسن علي خيري، رئيس الوزراء السابق:
وهو حاليا عضو مهم في المعارضة، وقد ساهم بشكل كبير في إفشال خطط الرئيس المنتهية ولايته تجاه التمديد؛ مما أدى إلى سحب الثقة منه عبر مجلس الشعب بعد ثلاث سنوات متواصلة من العمل مع الرئيس المنتهية ولايته.
ولا يزال يحتفظ بقنوات تواصل قوية مع قطر وتركيا وشركات تنقيب البترول الغربية ، ولاسيما النرويج وبريطانيا ، كما له علاقات مع رجال أعمال روس في مجال الطاقة النفطية ، أضف إلى علاقته القوية مع كينيا المجاورة، وله أيضا صلات جيدة مع حكام الولايات الخمس.
يُعتقد أن الرجل يتمتع بفريق انتخابي قوي، وهناك أيضا اعتقاد بأن حملته هي الأقدر على اختراق الرئيس الحالي عن طريق استمالة كثير من النواب الموالين للرئيس بحكم أنه أسس علاقات متينة مع كثير من مقربي الرئيس قبل خلافه مع الرئيس.
ويعتقد أن لديه سيولة مالية قد تسمح له الفوز مقارنة بنظرائه من المعارضة الذين يعانون من نقص في السيولة . ورغم هذه الفرص يواجه تحديات عدة، من بينها:
متهم بأنه إداري أكثر من كونه سياسي، وأنه ارتكب حماقات وانتهاكات خلال فترة رئاسته للحكومة منها:
تخطيط هجمات ضد بعض رموز المعارضة مثل محاولة الاغتيال لزعيم حزب ودجر والنائب والمرشح الرئاسي عبد الرحمن عبد الشكور، وهو متهم أيضا بفساد ومحسوبية والضلوع في تمرير اتفاقيات سرية مع شركات أجنبية تعمل في تنقيب البترول.
كونه الرجل الثاني لقطر بعد فرماجو ما يعني أنه إذا كان هناك فرضية لفوز مرشح قطري فهو فرماجو، وبالتالي فليس هناك حظ كبير لخيري؛ لأن المصوتين من النواب سينقسمون إلى معارضين يدلون أصواتهم لمرشح معارض ومحافظين يعطون أصواتهم لفرماجو ، ولا فرصة لخيري، باعتباره متذبذبا بين المعارضة والمولاة حسب رؤية بعض المحللين.
العامل القبلي نفسه يشكل تحديا له إذ لا ينتمي إلى قبيلة هِراب والتي تتكون من قبيلتي هبرغدر وأبغال اللتين تحتكران القيادة السياسية لعشيرة “هوية” الأمر الذي يعكس سلبا على خطط هذا المرشح في تأمين الدعم الكبير من المكونات المهمة الأخرى.
حسن شيخ محمود، الرئيس السابق:
وهو رئيس حزب العدالة والسلام، ومن أبرز المعارضين للرئيس الحالي ، وما زال يتمتع بدعم من بعض النخب السياسية والمالية والتعليمية في الصومال، ويُنظر إليه كرجل سياسة بامتياز، ويتمتع بالحنكة السياسية التي تؤهله للحكم من جديد، نظرًا لخطاباته الهادئة، والتي ربما تجعله رجل المرحلة لدفع الصومال نحو الأمام، وقد حقق عددا من الإنجازات في فترة حكمه (2012- 2016) منها:
تشكيل الولايات، وتكريس النظام الفيدرالي في الصومال؛ حيث أسهمت جهوده في فترة حكمه في تأسيس أربع ولايات فيدرالية في البلاد.
وقد استطاع بعض أبرز مؤيديه على تأمين كراسيهم في البرلمان الجديد؛ مما يعزز فرص فوزه لمنصب الرئاسة، مع تمتعه بعلاقات قوية مع بعض زعماء الولايات، وخاصة حكام ولايات هرشبيلي وبونتلاند وجوبالاند، وبعض المرشحين مثل عبد القادر عُسبلى ، عبد الكريم حسين جوليد وعبد الرحمن عبد الشكور وسعيد عبد الله دنى ، وقد يكون أيضا مرشحا توافقيا للقوى الإقليمية المهتمة بالصومال لعلاقته المتينة مع تركيا ومصر وقطر والإمارات والسعودية وجيبوتي، وقد ساءت علاقة بعض هذه الدول ولا سيما جيبوتي والإمارات ومصر مع الرئيس الحالي ما يعني أنه الأقدر على إدارة ملف الخارجية بطريقة بعيدة عن سياسة المحاور، ويُذكر أنه طوَّر سابقا علاقة الصومال مع العالم في فترة رئاسته؛ حيث لم تشهد علاقة الصومال أية توترات أو تشنجات مع الخارج . ولكن رغم تلك الفرص فإن حسن الشيخ يواجه بعض العراقيل:
اتهامه بالارتباط بمجموعات مصالح من رجال جماعة “الدم الجديد” وتجار محليين الامر الذي يثير قلق البعض، وذلك على اعتبار أن انتخابه يعني إعطاء فرصة لتلك المجموعات التي تنفرد بمقاليد الحكم والامتيازات في بلد يعاني من الفقر والفساد.
كونه مجربا، وخاض سباقين كسب أحدهما وخسر الآخر، ويقضي العرف السياسي الصومالي بعدم انتخاب رئيس سابق، ولم يسجل في التاريخ السياسي عودة رئيس سابق وفوزه بفترة ثانية سواء كانت بشكل متصل أو منفصل، بالإضافة إلى وجود حملات دعائية تأتيه من قبل حملة الرئيس الحالي الذي يستميت في إضعاف حسن شيخ بحكم اعتقاده أنه الرجل الأول في المعارضة القادر على إزاحته، وقد كان الرئيس الحالي خصما لدودا لحسن شيخ محمود في الانتخابات السابقة،ولاقت انتقاداته بعض الرواج في تلك الفترة.
ضعف السيولة المالية إذ لم يحصل حتى الآن جهة خارجية داعمة له بالسيولة ما عدا تكهنات ترجح فرص حصوله على دعم إماراتي نظرا لعلاقته المتينة مع مصر التي تسعى لدعم حملته عبر الإمارات لإفشال الخطة القطرية التي تسعى إلى تقديم السيولة لأكثر من مرشح بهدف ضمان الفوز لمرشحهم المفضل كما حدث عامي 2012 و 2017.
عبد الرحمن عبد الشكور وارسامي، زعيم حزب ودجر المعارض
وهو سياسي من طراز رفيع ووزير التخطيط والتعاون الدولي الأسبق، فصيح ومفوه ولديه خطط واستراتيجية واضحة، ويعتقد المراقبون أن لديه شعبية كبيرة في مقديشو وغيرها من الولايات، وظهر ذلك جلياً عند استجابة جماهيره لدعوات المشاركة في المسيرات الرافضة لتمديد فترة فرماجو، ومما يعطيه دفعة وحافزا قويا حصوله على مقعد برلماني من ولاية غالمودوغ رغم الجهود المبذولة لمنعه من هذا الفوز التاريخي، ويُعتقد أنه لو لم يؤمّن لنفسه المقعد البرلماني لقلَّت حظوظه في الفوز بالرئاسة.
ومع ذلك لديه الكثير من المنغصات التي تحول دون فوزه على الأقل في هذه الدورة :
لا يتمتع بالروح التوافقية المطلوبة لمنصب الرئيس في هذا الوقت العصيب من تاريخ البلاد، ويخشي المراقبون إذا فاز بالرئاسة أن تنتهي فترة رئاسته في تصفية حسابات.
يعتقد المحللون أن عبد الرحمن يحتاج إلى كسب مزيد من الخبرة والنضوج حتى يكون مؤهلا لمنصب الرئاسة رغم الصفات القيادية التي يتمتع بها والتي يشهد له خصومه قبل أتباعه.
العامل القبلي له تأثير كبير إذ تخشى بعض الشرائح في المجتمع الصومالي من بطش عشيرة هَبَرْغِدِرْ التي ينحدر منها في حال فوزه بالرئاسة رغم أنه لا يوجد دليل على ذلك، ولكنها هواجس يمكن تلمُّسها في الشارع.
عبد الكريم حسين غوليد، الحاكم السابق لولاية غالمودوغ:
يعتبر هذا المرشح – الذي شغل منصب وزير الداخلية في عهد الرئيس السابق حسن شيخ محمود – على أنه سياسي معتدل لديه صلات وخيوط بالنخب السياسية، وأنه خبير في إدارة الحملات الانتخابية، ومع ذلك يعتقد المراقبون بأن فرصه ليست كبيره للاعتبارات التالية :
1- عبد الكريم محسوب على معسكر الرئيس السابق حسن شيخ محمود مما يعني أنه سيتقاسم الأصوات معه مما سيضعف فرصتهما إن لم ينسحب أحدهما للآخر، وهذا غير وارد حتى الآن.
2- استقالة عبد الكريم من منصبي حاكم ولاية غالمودوغ ووزير الداخلية تعد مؤشراعلى افتقاده للصفات القيادية الحازمة المطلوبة في الثقافة الصومالية.
3- العامل القبلي له تأثير كبير، ويتشارك مع المرشح عبد الرحمن عبد الشكور في هذا؛ حيث لم يتقلد رئاسة الجمهورية سياسي ينحدر من قبيلة هبرغدر منذ عهد الرئيس الأسبق عبد القاسم صلاد حسن في عام 2000م .
الخاتمة
بالنظر إلى أن معظم المرشحين إما رؤساء سابقين أو وزراء ما يعني أنهم وجوه معروفة ذووا خبرة سياسية؛ فإن النائب في البرلمان الجديد لديه خيارات محدودة بانتخاب أحد من هؤلاء الوجوه على علاتها، وهناك جملة عوامل داخلية وخارجية، ومنها كما ذكرنا العامل القبلي والمالي والفريق الانتخابي، ويعتقد المتابعون أن السباق الرئاسي في هذه الدورة سيحدد اتجاه السياسة الخارجية للصومال التي ستكون انعكاسا للسياسة الداخلية للنظام القادم؛ وخاصة في ملفات مراجعة الدستور والمصالحة، واستكمال بناء القوات المسلحة، وخروج قوات حفظ السلام الأفريقية، وتولي الجيش الصومالي مسؤولية الأمن، وإعفاء الديون، وتحقيق التنمية في بلد يواجه هجمات إرهابية، ويعاني من موجات الجفاف والبطالة المتفشية في أوساط المجتمع وخاصة الشباب.
وأخيرا؛ تجدر الإشارة هنا إلي أن وقوفنا على استشراف حظوظ بعض المرشحين لا يعني انحصار فرص الفوز في واحد منهم دون المرشحين الآخرين من خارج هذه القائمة المصغرة، فهناك مرشحون جدد في الساحة وفي نفس الوقت أقوياء في جوانب عدة، ومن هؤلاء مَن هدفهم الأول والأخير تسجيل أسمائهم في القائمة ونيل لقب المترشح للرئاسة، ومنهم مَن يسعى لتأمين مقعد وزاري، ومع ذلك قد يحالف الحظ أحدهم؛ ولكن يتفق الجميع على أنه من الصعب التنبؤ بمن سيفوز الرئاسة في الموسم الانتخابي الحالي؛ وذلك لتداخل العوامل المؤثرة، وتسارع الأحداث السياسية، وتباين أصحاب المصالح، وتميز الانتخابات الصومالية بعنصر المفاجأة، وعدم وجود استطلاعات رأي يمكن التعويل عليها والبناء عليها نظرا لديناميكية البيئة الصومالية وتغير المزاج الانتخابي بين لحظة وأخرى، إلى جانب كون الانتخابات غير مباشرة ينحصر قرار حسمها في عدد من النواب المتأرجحين بين ولاءاتهم العشائرية والحزبية وبين طموحاتهم الشخصية لتحقيق الثراء المالي العاجل من خلال التصويت لمن يدفع لهم أكثر على حساب المصلحة الوطنية. ومن النواب مَن هم بين خيارين لا ثلاث لهما: رد الجميل للوطن أو لمن ساندوهم في نيل عضويتهم البرلمانية، ويحلم الكثيرون بوجه جديد يتولى على زمام الأمر في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الصومال الحديث.
ومن جهة ثانية فإن نتائح انتخابات رئاسة البرلمان بمجلسيه وخاصة مجلس الشعب تعد مؤشرا واستطلاعا مبكرا لمعرفة هوية الرئيس العاشر للجمهورية الصومالية، وقد تقطع الطريق على طموحات بعض المرشحين إذا فاز أحد أفراد عشيرتهم بمنصب رئيس مجلس الشعب وفق مقتضى نظام المحاصصة القبلية.