افريقيا و العالمالرئيسية

الفشل في مكافحة الإسلاميين المتشددين يُشجع الانقلابات في غرب أفريقيا

لم تنجح الضغوط التي تمارسها قوى إقليمية ودولية في ثني الجيوش في منطقة الساحل بغرب أفريقيا عن القيام بانقلابات، حيث باتت تلك الجيوش تستفيد من حالة السخط الشعبي إزاء فشل القادة المدنيين في مكافحة المتمردين الإسلاميين وفساد هؤلاء القادة للانقلاب على الحكومات المدنية.
بالرغم من الضغوط التي تكرسها قوى إقليمية على غرار فرنسا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، إلا أن وتيرة الانقلابات العسكرية في المنطقة تتصاعد ما يُحيل إلى تساؤلات بشأن دلالات وأسباب ذلك خاصة في ظل عدم اكتراث العسكريين الذين استولوا على السلطة في تلك الدول بالضغوط الأجنبية.
ويبدو أن الفشل في مكافحة الإسلاميين المتشددين وتفشي الفساد في منطقة الساحل بغرب أفريقيا جعلا الانقلابات مطلوبة شعبيا أصلا.
ففي المرة السابقة التي حاول فيها جنود متمردون قلب نظام الحكم في بوركينا فاسو عام 2015 خرج مارسيل تنكاونو مع الآلاف من المحتجين إلى الشوارع للإطاحة بالمجلس العسكري. وخلال أيام أعادت القوات الموالية الرئيس إلى السلطة.
وفي الأسبوع الماضي خرج تنكاونو إلى الشوارع مرة أخرى، لكن خروجه هذه المرة كان للترحيب بالانقلاب العسكري الذي أطاح برئيس البلاد المنتخب روش كابوري.
وقال تنكاونو وهو من القيادات المدنية في بيته خارج العاصمة واغادوغو “منذ التسعينات حدثت موجة من الديمقراطية عبر غرب أفريقيا، لكن الديمقراطية خذلت الناس، لا بد أن نكون واضحين.. نحن نحتاج نظاما عسكريا”.
ويعكس هذا التحول في موقفه خيبة الظن في منطقة الساحل حيث أخفقت الحكومات المنتخبة في احتواء عنف المتشددين المتنامي والذي أسفر خلال العقد الأخير عن سقوط الآلاف من القتلى وتشريد الملايين.
فقد شجع الغضب الشعبي الجيوش في مالي وغينيا وبوركينا فاسو على أن تتولى دفة الأمور بنفسها فوقعت أربعة انقلابات خلال 18 شهرا لتبدد ما تحقق من مكاسب ديمقراطية كانت سببا في تخلص المنطقة من وصمة “حزام الانقلابات” الأفريقي التي لازمتها.
كما أضعف الفقر والفساد الثقة بالحكام المدنيين وأثار مخاوف الشركاء الدوليين ومنهم فرنسا والولايات المتحدة اللتان لهما قوات في المنطقة تحارب المتمردين الإسلاميين وتخشيان تزايد القلاقل.

والاثنين أمرت السلطات في مالي التي شهدت انقلابين منذ أغسطس 2020 السفير الفرنسي بمغادرة البلاد مع تصاعد الخلافات مع المجلس العسكري الحاكم.
وقالت ماجي دواير المحاضرة بجامعة إدنبره التي درست الانقلابات العسكرية في غرب أفريقيا “الناس ليسوا معارضين للديمقراطية من حيث المبدأ لكن ظنهم خاب جدا في القادة المنتخبين”.

إخفاق الحكومات المدنية

كان التحول الذي طرأ على موقف تنكاونو تدريجيا ما يعطي لمحة عن بداية تغير المزاج الشعبي والسياسي من الانقلابات التي عادة ما تحدث في دول تعرف تمردا إسلاميا وتفشيا للفساد.
ويعود ظهور خطر المتشددين في غرب أفريقيا في البداية إلى عام 2012 في مالي عندما اختطف مقاتلون إسلاميون بعضهم على صلة بتنظيم القاعدة انتفاضة الطوارق.
وفي البداية ردت القوات الفرنسية المتشددين لكنهم أعادوا تنظيم صفوفهم وشنوا في 2015 موجة من الهجمات الفتاكة امتدت في ما بعد إلى بوركينا فاسو والنيجر.
وكانت أوائل علامات الاضطراب في بوركينا فاسو في يناير 2016 فأعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن هجوم على مطعم ومقهى في واغادوغو سقط فيه 30 قتيلا.

الغضب الشعبي شجع الجيوش في مالي وغينيا وبوركينا فاسو على أن تتولى دفة الأمور بنفسها فوقعت أربعة انقلابات خلال 18 شهرا لتبدد ما تحقق من مكاسب ديمقراطية كانت سببا في تخلص المنطقة من وصمة “حزام الانقلابات” الأفريقي التي لازمتها
ومنذ ذلك الحين تنامت حركة التمرد خاصة في المناطق الريفية التي تحملت العبء الأكبر من العنف في منطقة الساحل وهي عبارة عن حزام شاسع من الأراضي القاحلة في الغالب جنوبي الصحراء الغربية.
وكافحت جيوش لا تملك إمكانيات كافية للتصدي للإسلاميين ووقع اللوم إلى حد كبير على الإدارات المدنية التي اقترنت صورتها في أذهان الناس أيضا بالفساد.
وخرج الآلاف للاحتجاج في بوركينا فاسو في نوفمبر بعد مقتل 49 من رجال الشرطة والجيش وأربعة مدنيين على أيدي المتشددين بالقرب من منجم ذهب في المنطقة الشمالية النائية وذلك في أسوأ هجوم تعيه الذاكرة على قوات الأمن.

وكانت مؤونة أفراد القوات الأمنية في الموقع من الطعام قد نفدت واضطروا لذبح الماشية في المنطقة المجاورة، وفقا لمذكرة أرسلها قائد الموقع إلى رؤسائه واطلعت عليها رويترز.
وخلال المظاهرات التي أعقبت ذلك تم القبض على تنكاونو وأمضى 25 يوما محبوسا. وخرج من السجن مقتنعا بضرورة رحيل كابوري.

وبعد أيام نظم جنود أحبطهم تزايد عدد القتلى في صفوفهم وضعف الأجور وسوء الأحوال المعيشية انقلابا.
وقال تنكاونو “لا يمكن أن تتناول وجبة واحدة يوميا وتتحدث عن الديمقراطية”.
ولم يتضح ما الذي يمكن أن ينجزه المجلس العسكري ولم تفعله الحكومة التي أطاح بها في ضوء الموارد المحدودة المتاحة له. ولم تستطع رويترز الاتصال بالجيش للتعليق على خططه منذ استيلائه على السلطة.

الأمل الوحيد

على الجانب الآخر من الحدود في مالي لم يتحسن الوضع الأمني بدرجة ملحوظة في ظل الحكومة العسكرية التي قالت الشهر الماضي إنها ليست مستعدة لإجراء انتخابات وإنها باقية في السلطة.
وفرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) عقوبات صارمة لم تثن الآلاف عن الخروج إلى الشوارع لتأييد المجلس العسكري ردا على تلك العقوبات.
وقال موسى ديالو الذي يعمل كهربائيا في باماكو عاصمة مالي إنه أدلى بصوته لصالح الرئيس السابق إبراهيم أبوبكر كيتا عندما تولى السلطة في 2013.

ثم حدثت وقائع العنف. واستمرت الاعتداءات على المدنيين والعسكريين منذ 2015 ليصبح كثيرون من المعوزين وتحت سيطرة جماعات على صلة بشبكات الإسلاميين العالمية ومنها تنظيم الدولة الإسلامية.
واشترى كيتا طائرة رئاسية بمبلغ 40 مليون دولار مما أثار ضجة في البلاد. وتعرض ابنه كريم لانتقادات في الصحافة المحلية بسبب عربدته في جزيرة إيبيزا الإسبانية.
وثار سخط ديالو وشارك في احتجاجات جماهيرية في 2020 تدعو للإطاحة بكيتا. وحدث ذلك فرحل كيتا بحلول أغسطس.

غياب القانون

عبر منطقة الساحل سقط الآلاف من القتلى في عنف الإسلاميين الذي أدى إلى أزمة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو رغم أنه لم يسفر عن قيام دولة موازية مثلما حدث في بعض أجزاء سوريا والعراق.
واضطر الملايين للرحيل عن قراهم مما خلق عبئا على المراكز الحضرية والأسر التي تعيش فيها.
وفي بعض المناطق الريفية اختفت إدارات الحكم المحلي.
وفي بلدة دوري الصغيرة في شمال شرق بوركينا فاسو قضى العنف على تجارة الماشية التي كانت في وقت من الأوقات قوة دافعة للاقتصاد المحلي. وازداد عدد السكان لثلاثة أمثاله ليصل إلى 80 ألف نسمة مع هروب الناس من القرى القريبة، على حد قول رئيس البلدية أحمد عزيز ديالو.
وامتلأت المدارس بالتلاميذ الصغار إذ يصل العدد إلى 150 تلميذا في الفصل الواحد. ويتعين على السكان قطع مسافة تمتد كيلومترات عديدة للحصول على المياه.
وبسبب تهديدات القتل وعدم الأمن يقضي ديالو معظم الوقت في واغادوغو على بعد 260 كيلومترا إلى الجنوب. وعندما يسافر إلى بلدته لا يقطع الطريق المليء بالحفر بالسيارة بل يسافر بالطائرة.
وقال إن السكان يشعرون بأن الدولة تخلت عنهم، مضيفا أن تأييد الانقلابات العسكرية يبدو أمرا معقولا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق