اعتذار الصومال للإمارات.. “صفحة جديدة” ترمم خراب فرماجو
صفحة جديدة يتطلع الصومال لفتحها مع دولة الإمارات في مسار تصحيحي ينشد ترميم ارتدادات سياسة خارجية قاتلة للرئيس المنتهية ولايته.
اعتذار رسمي قدمه الصومال عن مصادرة مساعدات إماراتية العام 2018، في خطوة يقطعها البلد الأفريقي نحو دولة كانت على الدوام سباقة لنجدة الشعب الصومالي مع التزام مسافة واحدة من جميع الأطراف.
تعود العلاقات الصومالية الإماراتية إلى واجهة المشهد الصومالي مجددا عبر بوابة المساعدات الإنسانية التي تقدمها دولة الإمارات، وسط أزمة جفاف حادة تضرب البلد الواقع في القرن الأفريقي بقيادة رئيس الوزراء محمد حسين روبلي.
بوصلة تحاول ترميم أزمة جاءت في أعقاب مصادرة قوات أمن صومالية بمطار مقديشو الدولي، في أبريل/ نيسان 2018، مساعدات مالية ذكرت الشرطة حينها أن قيمتها تصل إلى 9 ملايين و600 ألف دولار.
وآنذاك، احتجت الخارجية الإماراتية على الحادثة، وأصدرت بيانا جاء فيه أن “دولة الإمارات تعرب عن استهجانها وشجبها واستنكارها لقيام السلطات الأمنية الصومالية باحتجاز طائرة مدنية خاصة مسجلة في دولة الإمارات بمطار مقديشو الدولي”.
وأضاف البيان أن على متن الطائرة 47 شخصا من قوات الواجب الإماراتية، موضحا أنه جرى “الاستيلاء على المبالغ المالية المخصصة لدعم الجيش الصومالي والمتدربين تحت تهديد السلاح، وتطاولت بعض عناصر الأمن الصومالي على أفراد من قوات الواجب الإماراتية”.
وبالشهر نفسه، صعدت مقديشو أزمتها مع دولة الإمارات ورفضت اتفاق شركة موانئ دبي العالمية مع أرض الصومال لتطوير واستثمار ميناء بربرة، لكن الاستثمارات استمرت بالميناء الاستراتيجي الواقع في أرض الصومال التي أعلنت انفصالها من جانب واحد عام 1991.
وتزامنت الأحداث آنذاك مع أزمة كان يشهدها الصومال بين فرماجو ورئيس البرلمان حينها محمد شيخ عثمان جواري، في خلاف أدى إلى استقالة الأخير، ليحل محله محمد مرسل شيخ عبدالرحمن، الموالي للرئيس حينها.
صفحة جديدة
رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي، قدم الجمعة، اعتذارا رسميا لدولة الإمارات عن الواقعة، وعبر عن استيائه لما حدث، مؤكدا أن البلدين يتمتعان بعلاقات استراتيجية تاريخية.
وفي تصريحات إعلامية، قال روبلي: “أود أن أبدي استيائي لما حدث لدولة الإمارات من واقعة استيلاء المساعدات المالية التي قدمتها في أبريل/نيسان 2018”.
وأضاف: “أعتذر رسميا باسمي وباسم الصومال حكومة وشعبا عن تلك الواقعة المؤسفة، وعلينا أن نمضي قدما” .
وتابع روبلي أن المساعدات التي تم الاستيلاء عليها موجودة لدى الحكومة الصومالية، وأنها مستعدة لإعادتها في أي وقت، مشددا: “نحن مستعدون لإعادتها، ونرحب بكم في الصومال على أمل أن نبدأ صفحة جديدة”.
وعبر رئيس الوزراء عن استعداد الصومال لفتح صفحة جديدة نحو تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات، بناء على أواصر الأخوة والصداقة، على أن تخطو مقديشو نحو نهج بناء في تطوير علاقات البلدين.
وبخصوص الأسباب الكامنة وراء اعتذار روبلي، يرى المحلل السياسي الصومالي محمد نور، أن الخطوة “جاءت لتصحيح مسار العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتشكل إقرارا بالإساءة التي تعرضت لها دولة الإمارات تحت إدارة (الرئيس المنتهية ولايته محمد عبدالله) فرماجو”.
وقال نور، إن الاعتذار الرسمي العلني يعتبر إحدى الخطوات الضرورية التي يتطلبها نزع فتيل الأزمة في العلاقات، وخطوة جريئة أرعبت المتلاعبين بسمعة الصومال خارجيا.
ويعتقد نور أن روبلي بعث رسائل حاسمة مفادها بأن فرماجو لم يعد قادرا على فعل أي شيء، وأنه (رئيس الوزراء) عازم على تصحيح الأخطاء الجسيمة للرئيس المنتهية ولايته في العلاقات مع الدول العربية.
“إنسانية” الإمارات
في سبتمبر/ أيلول الماضي، ناشدت الحكومة الصومالية دول العالم ومنظمات الإغاثة الدولية مساعدة الصومال في الأزمات الطبيعية من الجفاف وانعدام الأمن الغذائي ونجدة المحتاجين.
ووفق رئيس الوزراء الصومالي، فقد كانت دولة الإمارات سباقة في نجدة الشعب، حيث كانت أول دولة استجابت لنداء الحكومة في إغاثة المتضررين من الجفاف.
وبحسب تدوينة نشرتها، الجمعة، عبر حسابها بموقع فيسبوك، قالت وزيرة الإغاثة الصومالية خذيجة محمد ديريه: “استلمنا 55 من المساعدات الإنسانية المخصصة للمتضررين من الجفاف”، مؤكدة أن “الإمارات أول دولة استجابت رسميا للنداء الذي وجهناه إلى العالم”.
ولا تقتصر المساعدات على ظرف أو مكان محددين في الصومال، بل تمتد أياد عن الإمارات وهيئاتها الخيرية في عموم الصومال لبناء الإنسان عبر الولايات الإقليمية وأرض الصومال وأيضا في العاصمة مقديشو، وتقدم مساعدات متنوعة للقابعين في مخيمات النزوح.
على مسافة واحدة
خبراء يجمعون على أن سياسة دولة الإمارات في الصومال تتسم بالحياد بين الأطراف السياسية المتصارعة، حيث تقف على نفس المسافة من جميع الأطراف، كما تركز على المجالات الإنسانية والإنسانية والتعامل عبر القنوات الرسمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد.
المحلل السياسي الصومالي عمر محمد، يعتبر أن عودة الحياة إلى العلاقات الدبلوماسية بين الصومال ودولة الإمارات يضفي طابعا هادئا على علاقات مقديشو مع العرب، لأن أبوظبي أصبحت دولة محورية ومؤثرة بالعالم العربي.
ويقول عمر، إن “نماء وتطوير هذه العلاقات يخدم تعزيز الثقل الدبلوماسي للصومال، وهي خطوة جريئة نحو سياسة تصفير الأزمات مع الدول التي أساء إليها فرماجو من أجل حسابات ومصالح سياسية شخصية وضيقة كان يطاردها لكنها باءت بالفشل”.
ولفت إلى أن “نهج السياسة الإماراتية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والنأي بنفسها والوقوف على نفس المسافة من جميع الأطراف، عامل إضافي يضفي الهدوء على المشهد الصومالي”.