تقرير: الحرب في إثيوبيا تهدد الاستقرار الهش بشرق أفريقيا
مع سقوط آلاف القتلى ونزوح مليوني شخص، تهدد الحرب بإثيوبيا بزعزعة الاستقرار على نطاق واسع في منطقة شرق أفريقيا.
ويثير الوضع في إثيوبيا قلق الدول المجاورة والأسرة الدولية التي تعمل على وضع حد للنزاع الدائر منذ عام بين القوات الحكومية وحركة تحرير تيجراي التي يصنفها البرلمان الإثيوبي “إرهابية” في شمال البلاد، وفق وكالة الصحافة الفرنسية “أ ف ب”.
وحذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الجمعة الماضي، من “انفجار إثيوبيا من الداخل” إذا لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق، مشيرا إلى أنه “ستكون لهذا الأمر تداعيات على دول أخرى في المنطقة”.
ويصل بلينكن الثلاثاء إلى كينيا، الدولة المجاورة لإثيوبيا والتي تخشى تدفق موجة لاجئين هربا من الحرب.
وفي تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية أشارت إلى فرار عشرات آلاف الأشخاص حتى الآن غربا إلى السودان، ما زاد من تأزم العلاقات المتدهورة أصلا بين الدولتين بسبب مشروع سد النهضة الضخم الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل، وفق الوكالة الفرنسية.
وهذا الشهر، أعلنت كينيا المحاذية لإثيوبيا جنوبا تعزيز الأمن على طول حدودها، وطلبت الشرطة من المواطنين الإبلاغ عن أي هجرة غير قانونية.
ويؤوي شمال كينيا منذ عقود مخيمات للاجئين معظمهم صوماليون، تعتبر ضمن الأكثر اكتظاظا في العالم إذ يقيم فيها أكثر من 400 ألف شخص.
مخاوف في جيبوتي
وكان رئيس كينيا أوهورو كينياتا الذي يقود جهود وساطة إقليمية وزار إثيوبيا الأحد، حض طرفي النزاع في مطلع نوفمبر/تشرين ثاني الجاري على نبذ العمليات العسكرية.
لكنه اعتبر أنه “لا يمكن لأي كان القيام بذلك نيابة عنهم. لن يجدي أي تدخل أو أي جهود إقناع إذا لم يكن لديهم هم أنفسهم الإرادة السياسية لوضع حد لهذه الأزمة”.
وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وافق البرلمان الإثيوبي على فرض حالة الطوارئ في البلاد لمدة 6 أشهر، والتي أعلنها مجلس الوزراء عقب التطورات التي تشهدها إثيوبيا في الحرب الدائرة ضد جبهة تحرير تجراي في إقليمي أمهرة وعفار.
شهد إقليم تجراي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، مواجهات عسكرية استمرت لنحو 3 أسابيع أطاحت بجبهة تحرير تجراي المصنفة “إرهابية”، بعد أن فرت قياداتها إلى الجبال عقب دخول قوات الجيش الإثيوبي.
غير أن الحكومة الإثيوبية أعلنت، نهاية يونيو/حزيران الماضي، قرارا مفاجئا بوقف إطلاق النار ضد الجبهة وسحب قوات الجيش كاملا من تجراي، لتعود الجبهة مجددا للإقليم وتسيطر عليه.
ثم سرعان ما بدأت جبهة تحرير تجراي تنفذ اعتداءات على إقليمي أمهرة وعفار بعد أن دخلت عدة مناطق ومدن أسفرت عن مقتل المئات من المدنيين ونزوح أكثر من نصف مليون شخص بالإقليمين.
وعلى خلفية هذه التطورات، أعلنت الحكومة الإثيوبية إلغاء وقف إطلاق النار أحادي الجانب في الـ10 من أغسطس/آب الماضي وإعلان حالة الاستنفار في كامل البلاد.
وبدأ الجيش الإثيوبي الفيدرالي والقوات الخاصة لإقليمي أمهرة وعفار عمليات عسكرية مشتركة ضد جبهة تحرير تجراي، لإجبارها على الانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها بالإقليمين.
ولا تزال المواجهات العسكرية جارية على عدة جبهات بإقليمي أمهرة وعفار بين الجيش الإثيوبي والقوات الخاصة لإقليمي أمهرة وعفار، ضد جبهة تحرير تجراي.
وتراقب جيبوتي المحاذية لإثيوبيا من الشرق، عن كثب تطور النزاع، ولا سيما المواجهات الدامية التي وقعت في أغسطس/آب، إذ تثير مخاوف في البلد الذي يعد معظم سكانه من قبائل العيسى والعفر. وتمتد أراضي قبائل العفر بين جيبوتي وإثيوبيا وإريتريا، وفق الوكالة الفرنسية.
وزار رئيس وزراء جيبوتي عبد القادر محمد كميل في مطلع نوفمبر/تشرين ثاني منطقة العفر في بلاده والتقى سكانها سعيا لتهدئة أي مشاعر استياء قد تثير مجددا أعمال عنف.
“تأثير الدومينو”
وضاعف الاتحاد الأفريقي الذي يتخذ أديس أبابا مقرا له، الجهود لوضع حد للمعارك عبر وساطة مبعوثه إلى منطقة القرن الأفريقي الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو.
وأوضح حسن خانندجي، مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في منطقة القرن الإفريقي، وهو مركز أبحاث مقرّه نيروبي، أن النزاع يهدد المنطقة بأسرها لأنه “يؤثر على قدرة المنظمات الإقليمية على تركيز جهودها على مجالات هامة أخرى، كالأمن”.
وقال “الاهتمام قليل جدا بالتهديد الذي تشكّله المنظّمات الإرهابية على غرار حركة الشباب (الإسلامية المتشددة الصومالية)، وقد أتاح هذا الأمر شكلا من أشكال تجنيد المتطرفين من الكونغو إلى كابو ديلغادو” في شمال الموزمبيق.
وأضاف خانندجي أن قرار إثيوبيا سحب بعض من وحدات حفظ السلام في الصومال للدفع بهم في النزاع الدائر في تيغراي يزيد من المخاطر الأمنية في أكثر دولة تعاني من انعدام الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي.
وفي نهاية الشهر الماضي، شهدت أوغندا المحاذية لجمهورية الكونغو الديموقراطية هجمات وتفجيرات تبنّاها تنظيم “داعش” في أفريقيا الوسطى.
ونقلت الوكالة الفرنسية عن خانندجي قوله “في حال تمكّنت جبهة تحرير تجراي من إسقاط أبيي أحمد، يمكن أن تكون تداعيات هذا الأمر على المدى الطويل أكثر خطورةً”، محذرا من “تأثير الدومينو” الذي يمكن أن يدفع مجموعات أخرى إلى محاولة إطاحة حكومات في المنطقة.