فيلمان صوماليان ينعشان الفن السابع بعد غياب 3 عقود
- الحضور الشبابي الكبير لعرض أول فيلمين في المسرح الوطني الصومالي عكس مدى رغبة الشباب في أن يعيش مثل هذه الأجواء الثقافية ليتناسوا ما مروا به من ويلات حروب وصراعات أهلكت البلاد.
في أجواء غير اعتيادية بمنطقة محصنة أمنيا بالعاصمة مقديشو، يحاول عشرات الشباب الصومالي بحذر العبور بعد عملية تفتيش دقيقة؛ تفاديا لما قد يعكر صفو هذا المشهد الاستثنائي “التاريخي” الذي لم يتكرر منذ نحو 3 عقود.
مشهد عرض أول فيلمين سينمائيين صوماليين منذ نحو 30 عاما؛ تجسدت ملامحه الأسبوع الماضي بمدرجات المسرح الوطني في العاصمة مقديشو، والذي زينته الأضواء بألوانها المختلفة، ليبث الحياة من جديد في “الفن السابع” بالبلاد.
صراع ثقافي
ويحكي الفيلم الأول -وهو بعنوان “هوس” أي “الظل”- عن صراع ثقافي بين أسرة صومالية محافظة لتقاليدها الإسلامية وفتاة تعشق الموضة الغربية وتحاكي نمط اللباس الغربي، رافضة ارتداء الحجاب ليصل الأمر إلى طرد الفتاة من المنزل.إلا أن الفيلم لا يخلو من جوانب تعرج إلى العلاقة العاطفية للأم مع أبنائها مهما اختلفوا وتمردوا على تقاليدهم الثقافية حيث سيتم إعادة الفتاة إلى المنزل.
أزمة طبقات
بينما يحكي الفيلم الثاني “دايت فروم هيل” أي “خلق علاقة مع الشخص بالخطأ”، ويعالج أزمة طبقات داخل المجتمع الصومالي لكن من منظور الحياة الاجتماعية.
واستشهد الفيلم بفتاة من أسرة ميسورة تعرضت لسرقة من قبل قطاع الطرق لتجد مساعدة وهي تائهة في الطريق من أحد المشردين الذي حاول تقديم العون لها والدفاع عنها بينما هي تستعلي عليه وعلى ظروفه المعيشية لتدرك الفتاة أخيرا لطفه وصفو قلبه بغض النظر عن الحياة البائسة التي يعيشها.
غياب 30 عاما
وكانت مقديشو تحوي قاعات سينمائية كثيرة خلال عصرها الذهبي، لكن هذه المواقع أغلقت كلها أبوابها مع اندلاع “الحرب الأهلية” عام 1991.
وأعاد الفيلمان الحياة للمسرح الوطني الصومالي بعد 3 عقود من الخراب والدمار منعته من عرض المسرحيات والأفلام الروائية القصيرة والطويلة والتي كان يشتهر بها قبل انهيار الحكومة المركزية عام 1991، ودخول البلاد في حرب أهلية.
حدث تاريخي
وشهد العرض السينمائي للفيلمين حضور وزير الإعلام عثمان أبو بكر، إلى جانب مسؤولين آخرين.
وقال الوزير أبو بكر إن “العرض السينمائي الذي شهده المسرح بمثابة حدث تاريخي يطوي آثار الدمار والخراب الذي عاشها هذا المسرح كما يوحي بعودته لتوجيه وإرشاد المجتمع الصومالي”.
وأضاف الوزير أبو بكر أن المسرح يشكل رمزا لثقافة المجتمع الصومالي، وأن عودته للعمل من شأنه تمكين الشباب من عرض مواهبهم وتجسيد ثقافتهم على غرار الأمم الأخرى.
وأوضح الوزير أن ما يضفي أهمية لهذا الحدث السينمائي هو المشاركة الشبابية بعد نحو 30 عاما من توقف أعمال المسرح، مشيرا إلى أن الحكومة ستدعم مواهب الشباب، والمسرح سيكون منبرا لصقل إبداعات الشاب الصومالي.
وجاء العرض بعد عملية ترميم شهدها المسرح عام 2019 من قبل حملة تطوعية أطلقتها الحكومة الصومالية، لإعادة رونقه من جديد، بعد أن كان شاهدا على أزمنة الصراعات المختلفة التي مرت بها البلاد والتي حولته إلى مكب للنفايات، في حين كان في السابق أكبر منصة لتوعية المواطنين وتسليتهم بالبلاد.
عبد القادر علي، مواطن صومالي قال إنه قطع تذكرة الفيلمين قبل أسبوع من موعد عرضهما. وأضاف أنه كان “متحمسا جدا” أن يكون شاهدا على هذا الحدث الثقافي وعلى مدرجات المسرح الوطني “الذي كنا نسمع عن أحداثه وأهميته من آبائنا وأجدادنا الذين عاصروه”.
الحضور الشبابي الكبير لعرض أول فيلمين في المسرح الوطني الصومالي عكس مدى رغبة الشباب في أن يعيش مثل هذه الأجواء الثقافية ليتناسوا ما مروا به من ويلات حروب وصراعات أهلكت البلاد.
فيلمان صوماليان بامتياز
أهمية الفيلمين لدى الشباب جاء من كونهما من إنتاج محلي بامتياز بدأ من المخرج وبطلة الفيلمين والسيناريو إلى جانب الممثلين.
عبد الحكيم بشير -منسق الفيلمين ورئيس شركة “سلطان للأفلام” المنتجة لهما- قال إن الفيلمين مستوحيان من واقع المجتمع الصومالي الذي يتعافى من خراب وغزو الثقافات الأجنبية.
وأشار إلى أنهم يسعون إلى ترجمة إبداعات الشباب إلى الواقع بعد عقود من اختفاء العمل السينمائي الصومالي.
وأضاف أن “الأفلام الأجنبية التي غزت البلاد استغلت غياب دور السينما المحلية وتنشر ثقافات أجنبية داخل مجتمعنا، ولهذا أدركنا الحاجة إلى الأفلام الصومالية في الساحة لنكتب قصصنا وثقافتنا كما هي دون أن ننتظرها من طرف آخر”.
تحديات جمة
“كيف جامع” بطلة وكاتبة سيناريو الفيلمين، قالت إنها وأصدقاءها واجهوا تحديات جمة لإنتاج هذين الفيلمين، وهما يعتبران الأولَين من نوعهما اللذين يعرضان على شاشات المسرح الوطني الصومالي بعد نحو 30 عاما.
وأضافت أن التحدي الأكبر هو إيجاد ممثلين صوماليين في أدوار الفيلم، حيث ينظر المجتمع فيما يتعلق بالأفلام بعين الريبة، إلى جانب اختيار موقع التسجيل وإنتاجه اللذين يتطلبان إمكانات كثيرة قد نفتقرها أحيانا.
وحول سبب اختيار مدينة القاهرة موقعا لتصوير الفيلمين بدلا من الصومال، تقول “جامع” إن القاهرة كانت مقر إقامتها وتعرفها جيدا، بينما ترى أن بلادها قد تزيد من تحدياتها لإنتاج الفيلم نظرا لظروفها الأمنية.
وفيما يتعلق بمستقبلها أشارت إلى أن استجابة الشارع الصومالي وردود أفعاله الإيجابية للفيلمين تمنحانها طاقة إيجابية قد تدفعها إلى إنتاج أفلام أخرى تجسد ثقافة البلد وواقع المجتمع، لافتة إلى أنها تأمل أن تشارك في المنافسات الدولية حول الأفلام.
وشيد المسرح الوطني الصومالي عام 1967 حيث كان مرآة للثقافة والفن بالبلاد، وكانت تعرض فيه مسرحيات وعروض سينمائية ومسابقات غنائية، حتى أصقل مواهب الكثير من الفنانين حتى وصل الفن الصومالي آنذاك إلى الدول الإفريقية والعربية.