تحليل: انتخابات مجلس الشيوخ في هيرشبيلي.. إثارة الحماس وبعث الأمل
انطلقت من مدينة جوهر حاضرة ولاية هيرشبيلي يوم الإثنين الماضي الـ 13/سبتمبر/2021م، فعاليات انتخابات المقاعد الممثلة للولاية في مجلس الشيوخ بالبرلمان الفيدرالي الحادي عشر القادم.
سجلت هذه الإجراءات الانتخابية ملحمة تاريخية أعادت الطعم الانتخابي إلى انتخابات مجلس الشيوخ التي فقدت بريقها وخسرت لمعانها، عندما أقيم في بقية الولايات الإقليمية، ما وصفه كثير من المتابعين بأنها مهزلة أو في أحسن الأحوال مسرحية انتخابية، استبعد فيها المرشحون الرسميون، وبدلا من ذلك تم ترشيح مطبلين أو مهرّجين يعلنون انسحابهم عن السباق عند دخول قاعة الانتخابات ليفوز بدون عناء المرشح المفضل لمن يملكون زمام الأمور في هذه الانتخابات!
انتهجت إدارة هيرشبيلي نهجا انتخابيا أكثر انفتاحا من مثيلاتها في الولايات الإقليمية، فلم يكن هناك استبعاد مرشحين وتقريب آخرين، بل كان باب الترشح مفتوحا لكل من توفرت له الشروط الموضحة في الأنظمة واللوائح الانتخابية، مما أدّى إلى أن يتنافس أكثر من شخصين على أكثر المقاعد الثمانية الممثلة لهيرشبيلي في مجلس الشيوخ بالبرلمان الفيدرالي الحادي عشر القادم.
ومما زاد هذه الانتخابات إثارة وحماسا هي المنافسة الشرسة على المقعد الأول من المقاعد الثمانية الممثلة لهيرشبيلي في مجلس الشيوخ بالبرلمان الفيدرالي، والّذي كان يشغله في السنوات الأربع الماضية الحاج موسى سوذي يلحو الّذي اتصف بمعارضته الصريحة وانتقاداته اللاذعة للرئيس المنتهية ولايته، ولا غرو في ذلك فالرجل عضو فعال في حزب الاتحاد من أجل السلام والتنمية المعارض الّذي يتزعمه السيد حسن شيخ محمود الرئيس الصومالي السابق.
إن تقديم اسم موسى سوذي يلحو كمرشح لانتخابات مجلس الشيوخ، كان بحدّ ذاته ميزة تميزت به هذه الانتخابات عن مثيلاتها في الولايات الإقليمية الأخرى التي اتبعت سياسة ستبعاد أي شخصية لها توجهات مغايرة لتوجهات إدارة الولاية الإقليمية، وهو ما لم يحدث في ولاية هيرشبيلي حتى الآن.
خاض موسى سوذي يلحو منافسة شرسة مع 3 آخرين من أقرانه لا يقلون منه وزنا سياسيا أو ثقلا اجتماعيا، مما جعل الحصول على المقعد بسهولة ضربا من المستحيل، فأدى ذلك إلى أن يطول التنافس على هذا المقعد ويستغرق وقتا طويلا، لاحتياجه لأكثر من جولة انتخابية واحدة، فضلا عن أن يتم التصويت عبر رفع الأيادي كما حدث في معظم الولايات الإقليمية.
كانت نتائج الجولة الأولى للتنافس على هذا المقعد دليلا دامغا على قوة المنافسة، حيث حصل فيها موسى سوذي يلحو على 51 من أصل 98 صوتا، بينما حصل منافسه الأول أحمد داعي على 28 صوتا، وحصل منافسه الثاني عبدالله شيخ حسن على 15 صوتا، في حين حصل الدكتور عداي على صوتين فقط.
ووفقا للآلية الانتخابية المتبعة، كان من المفروض أن ينتقل إلى الجولة الثانية المرشحون الثلاثة الأكثر أصواتا في هذه الانتخابات، غير أن عبدالله شيخ حسن ثالث المتنافسين انسحب عن السباق، مما أتاح الانتقال مباشرة إلى الجولة الثالثة التي كانت المنافسة فيها بين موسى سوذي يلحو وأحمد حسن عدو (أحمد داعي)، والتي انتهت بحصول موسى سوذي يلحو على 55 صوتا مقابل 43 لمنافسه أحمد داعي الّذي خسر بذلك السباق.
تلقى فوز موسى سوذي في هذه الانتخابات تفاعلا إيجابيا من الأوساط السياسية والاجتماعية، حيث عمت الاحتفالات والمهرجانات مدنا مثل جوهر، مقديشو وكسمايو احتفاء بعودة الحاج إلى قبة البرلمان مرّة أخرى ليواصل من جديد برنامجه السياسي من داخل قبة البرلمان.
يقول مراقبون إن موسى سوذي يلحو أصبح أيقونة لانتخابات مقاعد مجلس الشيوخ في البرلمان الفيدرالي الحادي عشر القادم، ذلك أن الرجل، وعلى الرغم من معارضته الشديدة لنظام فرماجو الّذي يؤثر بشكل كبير -حسب المتابعين على قرارات هيرشبيلي-، استطاع أن يخوض سباقا نحو مقعد برلماني وحقّق فيه انتصارا كاسحا، يعدّ انتصارا حقيقيا للمعارضة، بل هناك من يقول من المتابعين إن التصرفات العنجهية والممارسات الخاطئة التي اتسمت بها إدارة فرماجو طوال فترة حكمها، ومواقف موسى سوذي الصريحة إزاءها، هي ما ساهم في تحويل موسى سوذي يلحو من أمير حرب مشهور في مقديشو إلى بطل قومي يسعى للمطالبة بالحقوق السياسية والأمنية الغائبة عن من ينوب عنهم في البرلمان الصومالي.
وعلى الرغم من هذه المنافسة الشرسة والتي تبدو من الظاهر على أنها منافسة نزيهة، وهي كذلك إلى حدّ ما، غير أنها لم تنج من عمليات شراء الذمم وارتشاء النواب، حيث تشير تقارير إعلامية موثقة، إلى أن الإنفاق المالي على هذا المقعد وحده وصل إلى ما يقارب المليون دولار، مما يكشف حجم الفساد الّذي رافق هذه الانتخابات!
ومهما يكن من أمر، فإن نتائج انتخابات المقاعد الأربعة التي تم إجراؤها في هيرشبيلي حتى الآن، هي الأقرب إلى العدالة الانتخابية مقارنة لمثيلاتها من الانتخابات التي شهدتها الولايات الإقليمية الأخرى، حسبما يقوله كثير من المحللين، وهو ما يكسب سمعة سياسية طيبة لقادة هيرشبيلي، وتزرع الثقة في نفوس أبناء هيرشبيلي، وخاصة أولئك الّذين لديهم مطمع سياسي، وكانوا يتخوفون سابقا من أن يتم استبعادهم عن الانتخابات أو تزويرها، كما أنها قد تكون درسا لقادة الولايات الإقليمية ليراجعوا حساباتهم السياسية إزاء الانتخابات، ولئلا يكرّروا في الانتخابات القادمة لمجلس الشعب ما فعلوه في كثير من انتخابات ممثليهم في مجلس الشيوخ بالبرلمان الفيدرالي الحادي عشر القادم.