قضية إكرام تهليل.. ملف يحيط به الغموض ولغز يحيّر الجميع في الصومال
صرّحت السيدة قالي محمود غوهاد والدة إكرام تهليل فارح في حديث لها مع قناة يونيفيرسل الصومالية أواسط يوليو 2021م، بأن ابنتها إكرام تهليل فارح ضابطة الأمن السيبراني في وكالة الاستخبارات الصومالية، اختفت عنهم منذ الـ 26/يونيو/2021م، عشية إحياء الذكرى الـ 61 لاستقلال الأقاليم الصومالية الشمالية عن الاحتلال البريطاني.
وجهت الوالدة قالي آنذاك اتهامات إلى جهاز المخابرات الصومالي بالتورّط في اختفاء ابنتها، مطالبة في الوقت نفسه بالكشف عن مصيرها وإرجاعها إلى أهلها، لكن لم تجد دعوات الوالدة قالي آذانا صاغية.
في الـ 21/يوليو/2021م، وأثناء مقابلة لها مع فضائية يونيفيرسل الصومالية شكّكت آمنة محمد عبده – النائبة في مجلس الشعب المنتهية ولايته- في حقيقة اختفاء إكرام بهذه السهولة متسائلة عن كيفية إمكان تسلل مسلحين مجهولين إلى المنطقة المحظورة أمنيا ومن ثم اختطافهم لضابط في جهاز المخابرات والأمن الوطني من محيط المقر الرئيسي للجهاز، مختتمة قولها: “كلّ ما أراه هو إنكار للواقع وغض للطرف عن الحقائق الواقعية”!
وتزامنا مع تصريحات النائبة آمنة المنحدرة من عشيرة إكرام، نشر السيد مهد صلاد العضو في مجلس الشعب المنتهية ولايته على صفحته في الفيس بوك معلومات قال عنها أنها موثوقة بحصوله عليها من مسؤولين رفيعي المستوى في جهاز المخابرات كانوا يراقبون عن كثب تطورات قضية اختفاء إكرام تهليل فارح.
وأشار السيد صلاد في منشوره ذلك إلى فشل محاولات قيادة الجهاز في التنسيق مع حركة الشباب لتبني مسؤولية مقتل الفتاة مقابل مبلغ مالي مغر جدّا، وقال السيد صلاد متحدّثا عن ذلك: “… كان من المخطط إخفاء جريمة اغتيال إكرام تهليل فارح، غير أن دعوات أهلها وصيحاتهم، كشفت الغطاء عن القضية، مما دفع فهد ياسين حاج طاهر رئيس جهاز المخابرات إلى محاولة التنسيق مع حركة الشباب لتبني مسؤولية اغتيالها مقابل دفع مبالغ مالية، غير أن المحاولة فشلت بعد اعتراض قياديين بارزين في الحركة، تربطهم علاقات قرابة وثيقة مع أهالي إكرام تهليل فارح على المشروع، حسبما أفادت بعض المصادر”.
وفيما يتعلق بأسباب استهداف إكرام من قبل الجهاز يقول عبدالله سنبلولشي، المدير السابق لجهاز المخابرات بأن احتفاظها لسجل القوات الصومالية المتدربة في إرتيريا وما يشاع من مشاركتهم في الحرب الإثيوبية الإثيوبية أحد أهم الأسباب الرئيسية لتصفيتها، بالإضافة إلى ما في حوزتها من معلومات حول تفجير الـ 24/يوليو/2019م، الّذي استهدف مقر بلدية مقديشو وأسفر عن مقتل مسؤولين كبار في إدارة إقليم بنادر من بينهم المهندس عبدالرحمن محمد عثمان يريسو رئيس إدارة إقليم بنادر الّذي توفي في الـ 1/أغسطس/2019م بمستشفى في الدوحة القطرية متأثرا بالجروح الّذي أصابته جرّاء هذا التفجير.
في الـ 3/سبتمبر/2021م، نشرت وسائل إعلام حكومية بيانا لجهاز المخابرات يُحمِّل فيه حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة مسؤولية اختطاف إكرام وقتلها، غير أن شرائح المجتمع الصومالي بمن فيهم ذوو الضحية وأهاليها لم يقتنعوا بتصريحات الجهاز حول اختفاء إكرام تهليل فارح.
في الـ 4/سبتمر/2021م، نشرت حركة الشباب على مواقعها في الإنترنت بيانا تنفي فيه تورطها باختفاء إكرام، حيث قال البيان: “لا نعلم شيئا عن مقتل إكرام تهليل الموظفة في جهاز المخابرات والأمن الوطني، وقد صدمنا بإلصاق جهاز مخابرات حكومة الردة (الفيدرالية)، جريمة قتلها بنا كما صدم بذلك الشعب الصومالي أيضا”.
عزّز بيان حركة الشباب حول القضية الشكوك المحيطة بتورّط جهاز المخابرات في قضية اختطاف الموظفة في الأمن السيبراني بالجهاز.
بعد صدور بيان حركة الشباب حول القضية، حدثت قلاقل أمنية في مدينة بلدوين أدت إلى اختطاف فتية تربطهم صلة القرابة برئيس جهاز المخابرات والأمن الوطني، في خطوة تبدو وكأنها ثأر قبلي بين أبناء عشيرة إكرام تهليل وعشيرة رئيس جهاز المخابرات وهو ما استنكرته القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي ألمحت إلى أن هذه الخطوة قد تعدّل القضية عن مسارها الصحيح.
ازدادت الدعوات المطالبة رئيس الوزراء بالتدخل في القضية والتضامن مع ذوي الضحايا، مما دفعه في وقت متأخر من مساء الـ 4/سبتمبر/2021م، إلى أن يحدّد لرئيس جهاز المخابرات والأمن الوطني مهلة 48 ساعة يقدّم خلالها تقريرا وافيا ومقنعا حول هذه القضية.
مساء أمس الأحد الـ 5/سبتمبر/2021م، بعث السيد فهد ياسين رئيس جهاز المخابرات برقية إلى رئيس الوزراء يطالبه فيه بعقد اجتماع مجلس الأمن الوطني ليستمع إلى تقريره الحساس حول هذه القضية.
فجر الإثنين الـ 6/سبتمبر/2021م، أصدر روبلي مرسوما يوقف فيه ياسين عن عمله كرئيس لجهاز المخابرات، ويعين في الوقت نفسه الجنرال بشير محمد جامع رئيسا مؤقتا للجهاز.
كلّف روبلي في مرسومه النائب العام لمحكمة القوات المسلحة بإجراء تحقيق رسمي وشامل حول هذه القضية ورفع نتائجه إلى المحكمة الشرعية المختصة به.
رحب مجلس اتحاد المرشحين في بيان صحفي بالمرسوم الّذي أصدره روبلي، معتبرا بأنه خطوة نحو الاتجاه الصحيح وبداية جيدة لتحقيق العدالة لذوي الضحية وأهاليها.
أما الرئاسة الصومالية فقد رفضت القرار الّذي بموجبه أوقف رئيس الوزراء العمل عن رئيس جهاز المخابرات فهد ياسين، بل حثّ بيان الرئاسة الرئيس الموقوف عن العمل الأمني بمباشرة مهامه حتى ينعقد اجتماع مجلس الأمن الوطني للاستماع إلى تقريره حول هذه القضية.
حذّر مجلس اتحاد المرشحين من أن تؤدي خطوة الرئاسة إلى الإخلال بالأمن العام واستقرار البلاد، فيما دعا السيد عبدالولي غاس رئيس الوزراء الصومالي الأسبق الرئيس المنتهية ولايته إلى عدم إضرام النار بالقضية وزيادة الطين بلة، وحثه على عدم التدخل في قرار رئيس الوزراء الّذي وصفه بالقرار المناسب – في الوقت الراهن على الأقل- في التعامل مع قضية إكرام تهليل فارح المختفية.
ظلت قضية إكرام تهليل فارح على مدى الأشهر الثلاثة لغزا حيّر الجميع سواء من بداية القضية مرورا بمراحلها المختلفة ووصولا إلى مرحلتها الراهنة التي يبدو منها على أنها أصبحت أو تم تحويلها إلى منشأ للخلاف بين رئيس الوزراء والرئيس المنتهية ولايته، فهل سيكون فك طلاسم لغز اختفاء إكرام بإراقة مزيد من دماء الأبرياء، وسط ارتفاع المخاوف من حدوث انقسام في الجيش الصومالي، خاصة بعد تلويح أعضاء بارزين في المعارضة إلى استعداد قوات الإنقاذ الوطني العودة مجدّدا إلى مقديشو؟!.