ما تأثير نجاح “طالبان” على أفريقيا؟
بالتأكيد كان لافتاً أن يحظى صعود “طالبان” إلى السلطة في أفغانستان بترحيب من حركة “حماس”، هذا الترحيب أومن أنه قمة جبل الثلج، الذي سوف يصعد شيئاً فشيئاً لتظهر تفاصيل، وقوى مؤيدة في أنحاء العالم، خصوصاً في أفريقيا حيث يتم حالياً تصنيف الاجتياح الطالباني على أنه انتصار قائم على كفاح مخلص انتصاراً لعقيدة دينية، بينما هو في الواقع أحد تجليات الصراع بين أطراف النظام الدولي، حيث تمت هندسة الصعود الطالباني للسلطة في أفغانستان بتفاهمات صينية – روسية، بينما كانت الهندسة الأميركية في الدوحة تحاول طبقاً للاتفاقية المعلنة أن تنتج صيغة معدلة من نسخة “طالبان” المتشددة التي حكمت بها أفغانستان مطلع الألفية الثالثة، في محاولة لتحجيم الخسائر السياسية الأميركية الناتجة عن الانسحاب من أفغانستان.
ما يهمنا هنا هو ماذا يعني صعود حركة عقائدية متشددة إلى السلطة في أفغانستان على أوضاع الحركات المتطرفة في أفريقيا، وإلى أي مدى ستكون تجربة “طالبان” ملهمة أو داعمة لحركات مماثلة في ظروف قد تكون مقاربة لأوضاع أفغانستان، وهل يعني نجاح “طالبان” صعود الحركات الإرهابية الأفريقية إلى السلطة في عدد من الدول الهشة، وما أكثرها فيها.
في حقيقة الأمر من المتوقع أن يكون هناك صدى كبير لنجاح طالبان في القارة الأفريقية، ذلك أن مسألة إلهام الحركات المتطرفة بعضها لبعض، وإعلان الولاء للتنظيمات الكبرى مسألة سبق أن شهدناها، مع تنظيم “القاعدة” على سبيل المثال، حيث كان ملهماً لحركة الشباب في الصومال، وأيضاً في منطقة المغرب الكبير، حيث أعلنت حركة شباب المجاهدين في الصومال ولاءها لـ”القاعدة”، بينما تم تشكيل تنظيم مماثل لـ”القاعدة” وتحت نفس الاسم “القاعدة في بلاد المغرب”.
حظي أيضاً تنظيم “داعش” بنفس التأثير في أفريقيا، حيث تم تشكيل تنظيم “دامس” بها، وامتد الوجود الفعلي لـ”داعش” و”دامس” في كل من شرق ليبيا، ومناطق من نيجيريا وموزمبيق، والكونغو.
في هذا السياق كانت قد أعلنت حركة “بوكو حرام” ولاءها لـ”داعش” عام 2015، حيث قام أبو بكر شيكاو زعيم الحركة السابق، الذي تم اغتياله، أخيراً، بإعادة تسمية التنظيم ليصبح ولاية غرب أفريقيا، بالتوازي مع اهتمام جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المنتمية لتنظيم “القاعدة” إلى ترسيخ أقدامها في مجتمعات شمال ووسط دولة مالي، وفي تقديرنا سوف يكون نجاح “طالبان” ملهماً لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين لاستكمال تشكيل مؤسسات الحكم على النمط الطالباني لمحاكم الشرعية، وديوان الحسبة. خصوصاً أن هذا النمط قد نجح لفترة في الصومال، حيث حكمت المحاكم الشرعية بنجاح لفترة في الصومال.
ولعله من المهم هنا الإشارة إلى تقرير مرفوع إلى مجلس الأمن، أخيراً، في شأن حالة التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، حيث يشير تقرير لخبراء أمنيين أن “داعش” و”القاعدة” والجماعات التابعة لهما قد تضخم نفوذهما في القارة، ويتباهى التنظيمان بقدرات متزايدة في جمع التبرعات والأسلحة، بما في ذلك استخدام الطائرات من دون طيار، والتزايد في أعداد أتباعهم ومؤيديهم ومساحة الأراضي التي استولوا عليها، التي يطلقون عليها غالباً المناطق المحررة.
ولفت التقرير إلى أن أحد “الأحداث الأكثر إثارة للقلق” في أوائل عام 2021 هو اقتحام فرع تنظيم “داعش” المحلي واحتجازه لفترة وجيزة لميناء موزمبيق الاستراتيجي في “موسيمبوا دا برايا”، في مقاطعة كابو ديلجادو بالقرب من الحدود مع تنزانيا قبل الانسحاب مع الغنائم.
وطبقاً لهذه الخبرات، فربما يكون الصعود الطالباني إلى السلطة ملهماً في عدد من النماذج في تقديرنا منها حركة شباب المجاهدين الصومالية، التي تملك تراثاً وخبرة في مسألة تنظيم المجتمعات التي تعيش تحت مظلتها، كما أنها أثبتت قدرة على الاستمرار والانتشار، وكذلك إعادة التموضع أكثر من مرة سواء في الصومال أو خارجها كما الحال في كينيا مثلاً. وحالياً تمارس الحركة سلطتها انطلاقاً من مدينة جيبليب جنوب الصومال التي يمكن القول إنها عاصمتها، كما تسيطر الحركة على الأرياف الصومالية في جنوب ووسط البلاد، فضلاً عن توسعها، أخيراً، في مواقع قريبة من الحدود مع إثيوبيا، ومناطق أخرى من إقليم هيران بوسط الصومال.
ويمكن القول، إن هناك نقاط تماثل بين “طالبان” وحركة الشباب منها مثلاً أن كليهما انطلق من السيطرة على الأرياف، وأن كلتا الحكومتين في البلدين هما صناعة أميركية بامتياز حيث يتم استيراد الرؤساء ممن عاشوا أو درسوا في الولايات المتحدة، وأخيراً تتسم الحركتان بالمرونة الكبيرة سواء في الفاعلية في إنجاز العمليات الإرهابية أو إعادة التموضع والانتشار.
وربما الدولة الثانية المرشحة لانهيار السلطة فيها هي مالي لعدد من الأسباب، هي عدم الاستقرار السياسي الناتج عن انقلابات عسكرية متوالية، وكذلك جود حركات إثنية تطالب بالاستقلال وهي الأزواد، حيث تعيش دولة مالي صراعاً مسلحاً بين شمال وجنوب البلاد، وهو الصراع الذي نتج عنه تمكن الحركة الوطنية لتحرير “أزواد 2012″، من إعلان استقلال منطقة “أزواد” عن مالي، ولم يكن هذا النجاح إلا بسبب الدعم من قبل جماعات متطرفة صنفت في ما بعد ضمن قائمة الإرهاب، وأهمها تنظيم نصرة الإسلام الذي تأسس في مارس (آذار) 2017، ويضم 4 تنظيمات هي “جماعة أنصار الدين”، و”كتيبة المرابطون”، و”إمارة منطقة الصحراء الكبرى”، و”كتائب تحرير ماسينا”. ويقود التنظيم إياد آغ غالي، وهو أحد قادة الطوارق في مالي، الذين أعلنوا التمرد العسكري على الحكومة المالية في تسعينيات القرن الماضي بقيادة الحركة الشعبية “لتحرير الأزواد”.
ولعل أهم أسباب فاعلية هذه التنظيمات طبيعة الخبرة العسكرية التي تمتلكها، والناتجة عن انضمام عناصر من الجيش المالي لهذه التنظيمات، طبقاً لتقارير استخباراتية، حيث تستفيد التنظيمات الإرهابية من عدم قدرة السلطات المالية على السيطرة على جزء من أراضيها، والذي شكل عاملاً كبيراً في قدرة الإرهابيين على اختراق الحدود خصوصاً من جهة النيجر، بل امتدت أنشطتها عبر الحدود من مالي إلى بوركينا فاسو وساحل العاج والنيجر والسنغال، وكذلك التوغل من نيجيريا إلى الكاميرون وتشاد والنيجر في غرب أفريقيا.
وربما يكون من أهم أسباب الانهيار المتوقع لمؤسستي الدولة في كل من الصومال ومالي انسداد الأفق السياسي نتيجة انتهاء الشرعية السياسية للرئيس فرماجو في الصومال وضعف سلطة الانقلاب العسكري في مالي، حيث يتواتر بشكل شبه يومي أنباء عن عمليات إرهابية ضد الجيش المالي.
وبطبيعة الحال يلعب العامل الدولي دوراً مؤثراً في كلا البلدين على نحو سلبي، حيث انسحبت فرنسا من مالي، بعد أن مارست تدخلاً عسكرياً امتد لسبع سنوات تقريباً في عملية تعرف بـ”البرخان” بدأت عام 2013، كما انسحبت واشنطن أيضاً من الصومال نهائياً في نهاية فترة دونالد ترمب، بعد أن تسبب التدخل العسكري المباشر من جانب كلتا الدولتين في زيادة التعاطف مع التنظيمات الإرهابية على اعتبار أنها مقاومة ضد الغازي الأجنبي.
ويمكن القول، إن المقاربة التي اعتمدتها الأطراف الدولية، خصوصاً فرنسا، أسهمت إلى حد كبير في أن تكون سبباً في تضخم التنظيمات الإرهابية وزيادة قدراتها إذ اعتمدت هذه الأطراف الدولية على المقاربة الأمنية فقط، من دون أن تتوازى مع مقاربات تنموية، تحاول ألمانيا حالياً أن تكون الرائدة فيها.
في ضوء كل هذه المعطيات يبدو لنا أن المشهد الإجمالي للتمدد الإرهابي في أفريقيا يبدو مقلقاً إلى درجة الرعب، وأن إمكانية سقوط دول تحت مطرقة الضغوط الإرهابية واردة بقوة، وهو أمر له انعكاسات كبيرة فيما يتعلق بتزايد حجم التهديدات الأمنية لدول شمال أفريقيا، خصوصاً كل من مصر والمغرب والجزائر وتونس، بينما تبقى الحالة الليبية مقبلة على سيناريوهات ليس من بينها الاستقرار فيما يبدو لنا، وهو أمر كان له تأثير كبير في زيادة الهشاشة الأمنية لكثير من دول الساحل والصحراء بعد سقوط القذافي عام 2011.
ولعل كل هذه المعطيات تجعل صعود بعض التنظيمات المتطرفة في أفريقيا على النمط الطالباني غير مستبعد، خصوصاً في ضوء المقاربة الأميركية التي أنتجت صيغة الدوحة؛ أي نمط معدل من تنظيم متطرف يصل للسلطة، يوفر على واشنطن تمويل محاربة الإرهاب الذي أعلنته بعد سبتمبر (أيلول) 2001، وكان الانسحاب الأميركي من أفغانستان نقطة نهايته في آسيا، ونقطة معاناة مرتقبة في أفريقيا.