الانتخابات القبلية تقيّد التعددية الحزبية في الصومال
لم يتمكن الصوماليون منذ عام 2018 حتى الآن من خوض تجربة التعددية الحزبية التي يعقدون عليها آمالا كبيرة في أن تطوي عهد تقاسم المناصب السيادية وفق نظام المحاصصة القبلية الذي ساد البلاد طيلة عقود، ومضوا قدما في إجراء انتخابات جزئية غير مباشرة لمجلس الشيوخ لا تقطع مع هذا النظام.
وانطلقت في ولاية جنوب غرب الصومال منذ الإثنين انتخابات جزئية غير مباشرة لمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، بينما أتمتها جوبالاند (جنوب) الخميس، ومن المنتظر أن تجري الولايات الثلاث المتبقية -وهي هيرشبيلى وغلمدغ وبونتلاند- انتخاباتها في الأيام المقبلة، بحسب لجنة الانتخابات الفيدرالية التي لم توضح التواريخ.
ويتكون المجلس من 54 عضوا ويمثل الولايات الفيدرالية، حيث ينتخب أعضاؤه من قبل برلمانات الولايات الخمس، بينما يمثل مجلس الشعب الغرفة الأولى للبرلمان، ويبلغ عدد أعضائه 275 عضوا، وينتخبه حوالي 30 ألف ناخب، وفق نظام قبلي يحوز توافقا سياسيا لا يرتبط بعدد السكان.
وحالت خلافات سياسية بين الحكومة المركزية من جهة والولايات والمعارضة من جهة ثانية حول كيفية إدارة مجريات الانتخابات دون عقد هذه الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تأجلت أكثر من مرة؛ إلى أن توصل الفرقاء الصوماليون إلى اتفاق لإنهاء الأزمة في مايو الماضي.
ويقول محللون إن ذلك يعود بالأساس إلى النموذج الفيدرالي الذي تراهن عليه القوى السياسية خوفا من أن تسفر تجربة التعددية الحزبية عن تغيير في المعادلة السياسية في بلد ما زال يتعافى من تداعيات حرب أهلية.
وسبق أن وافق رؤساء الولايات الفيدرالية والحكومة المركزية في 2018 على تطبيق نموذج الاقتراع الحزبي في انتخابات 2021، لكن رؤساء الولايات تراجعوا عنه بذريعة ضيق الوقت وعدم إمكانية إجراء انتخابات حزبية في ظل غياب أرضية مناسبة.
ويعتبر المحللون أن مصادقة البرلمان على قانون الأحزاب السياسية كانت بمثابة تحول قد يمهد الطريق لإنهاء حقبة المحاصصة القبلية، أي قاعدة 4.5 التي تم استحداثها في مؤتمر المصالحة الصومالية بجيبوتي عام 2000 كمعيار لتقاسم السلطة، وتعطي لأربع قبائل صومالية رئيسية حصة كاملة في حين تتقاسم القبائل الباقية مجتمعة نصف حصة.
ويرى حسين عبدي، عضو مفوضية الانتخابات، أن نظام التعددية الحزبية الذي أقره البرلمان كان يستهدف إعادة الصومال إلى مسار الأحزاب السياسية بعد نحو 50 عاما، ومن أجل تجاوز قاعدة 4.5 التي تتقاسم على أساسها المناصب طيلة السنوات الماضية.
ويعتبر عبدي أن تشكيل الأحزاب السياسية أظهر حاجة البلاد الماسة إلى تجاوز المحاصصة القبلية التي تهمش بعض شرائح المجتمع، حيث بادرت معظم القوى السياسية إلى تشكيل أحزاب سياسية استعدادا لخوض الانتخابات المقبلة، بالرغم من ضعف تأثيرها في العملية السياسية. لكنه يشدد على أن عملية انتقال البلاد إلى نظام التعددية الحزبية تحتاج إلى توافق بين القوى السياسية، غير أن الأطراف المعنية لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق شامل حول آلية تطبيق نظام تعدد الأحزاب في الانتخابات الحالية.
وأرجع ذلك إلى سببين، أحدهما سياسي والآخر اجتماعي؛ السبب السياسي هو اعتقاد معظم رؤساء الولايات الفيدرالية أن تبني نظام تعدد الأحزاب أمر سابق لأوانه نظرا للواقع الذي تمر به البلاد، وأنه قد يصب في صالح النظام الحاكم.
أما السبب الاجتماعي، وفق عبدي، فهو مخاوف بعض القبائل من أن يكون نظام التعددية الحزبية واجهة لفئة معينة تهدد مصالح هذه القبائل وليس أحزابا ذات توجهات سياسية ورؤى وطنية.
وتبنى الصومال نظام التعددية الحزبية في ستينات القرن الماضي لأول مرة، ورغم أن التجربة لم تعمر سوى تسع سنوات بسبب انقلاب عسكري عام 1969 إلا أن كثيرين يعتبرون تلك المدة فترة ذهبية للبلاد، حيث كان الشعب حرّا في اختيار من يحكمه.
وبموجب نظام الانتخابات غير المباشرة المعمول به حاليا، وفي ظل عدم تطبيق نظام التعددية الحزبية انتخابيا، يختار شيوخ القبائل نواب البرلمان، على أن يختار النواب الجدد رئيسا جديدا للبلاد في العاشر من أكتوبر المقبل.
واستُبعدت الأحزاب السياسية من المشاركة في الانتخابات المقبلة في 2021، رغم أن البرلمان أقر قانون الأحزاب السياسية في أبريل 2016، بسبب غياب التوافق بين القوى السياسية -بمن فيها رؤساء الولايات الفيدرالية- حول تبني نظام التعددية الحزبية في الانتخابات الحالية.
ويرى رئيس حزب “هلدور” عبدالقادر محمد أن الأحزاب السياسية في الصومال ما زالت تخطو خطواتها الأولى لتصبح أحزابا رسمية قد تساهم في رسم خارطة سياسية ديمقراطية -على غرار دول العالم- بدلا من نظام المحاصصة القبلية، لكنها تواجه تحديات جمة قد تحول دون تحقيق أهدافها في الوقت الحالي.
وأضاف محمد أن الانتقال نحو نظام التعددية الحزبية فكرة واردة لا يختلف فيها اثنان في البلاد، لكن التساؤل الذي يظل يراود الكثيرين هو هل حانت لحظة تجسيد تلك الفكرة أم أنها تجربة سياسية لم يحن أوانها بعد؟ وهو ما يحول دون مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات الحالية. كما أن تطبيق نظام الأحزاب السياسية يتطلب إجراءات مدروسة وأرضية مناسبة وهو ما لم يتوفر حتى الآن.
ورأى أن الأحزاب السياسية الموجودة حاليا لا تزال في المرحلة الأولية وتمهد الطريق لمرحلة أخرى قد تكون ذات تأثير بالغ في العملية السياسية. لكنه يؤكد أن الأحزاب قد تواجه أربعة تحديات كبرى، أولها التأثير القبلي السائد لدى شرائح المجتمع، حيث ترى القبيلة أنها صمام الأمان الذي يحول دون المساس بمصالح أفرادها، وهو ما يجعل من الصعب على المرء الخروج من حاضنة قبيلته وانضمامه إلى أحزاب سياسية.
أما التحدي الثاني فهو غياب المعايير الحزبية لدى الأحزاب السياسية التي تشكلت في البلاد نتيجة قلة الوعي السياسي لدى المجتمع بسبب تفشي الأمية بنسبة تقارب الـ80 في المئة. وثالث التحديات هو التحدي الأمني، إذ لا يزال البلد يخوض معركة ضد حركة الشباب الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة التي سيطرت على العاصمة حتى العام 2011، بينما تستولي الحركة على مناطق ريفية وتشن هجمات ضد أهداف حكومية وعسكرية ومدنية في مقديشو وبلدات محيطة.
ويقول محمد إن التحدي الجيوسياسي يمثل رابع التحديات التي تواجهها الأحزاب، فإدارة صوماليلاند ترى نفسها مستقلة عن باقي الصومال، وتمثل تحديا كبيرا أمام نشر نظام التعددية الحزبية في البلاد.
وحسب المحلل السياسي أحمد عينب فإن المجتمع الصومالي بمختلف شرائحه مستعد لخوض تجربة نظام الأحزاب السياسية.
وأرجع عينب ذلك إلى أن التطورات السريعة في البلاد سياسيا واقتصاديا وأمنيا لا تتناغم مع استمرار نظام المحاصصة القبلية الذي يعدّ بالنسبة إلى الصوماليين جزءا من الديمقراطية، لأنه كان السبيل الوحيد لإعادة نظام الدولة بعد انهيار الحكومة المركزية عام 1991.
ويرى عينب أن تجربة الأحزاب السياسية قد تبدو جديدة نوعا ما في الصومال، وقد تتطلب المزيد من الوقت لتطبيقها، لكن اللافت للانتباه هو وجود تحمس شديد لنظام الأحزاب السياسية داخل المجتمع.
ويعتبر أن التوجه الجديد الذي يندفع نحوه المشهد السياسي، وهو نظام الأحزاب السياسية، سيكون بديلا مناسبا عن النظام القبلي الذي يهيمن على مجريات السياسة الصومالية، وبمرور الوقت سيتعزز الوعي السياسي بنظام الأحزاب في المجتمع، ما يؤدي إلى تجاوز قاعدة 4.5 وعودة الكلمة الأخيرة إلى الشعب ليختار من يدير البلاد.
ولم يحظ الصومال بحكومة مركزية فعلية منذ انهيار نظام سياد بري العسكري عام 1991، ما أدى إلى عقود من الحروب الأهلية والفوضى التي غذّتها نزاعات عشائرية. ولا تزال الدولة تدار بموجب دستور مؤقت بينما تعد مؤسساتها -على غرار الجيش- بدائية وتعتمد إلى حد ما على الدعم الدولي.