افريقيا و العالمالرئيسية

الانسحاب الفرنسي يضع الجزائر في ورطة الساحل الأفريقي

أعاد القرار الفرنسي بتخفيض الوجود العسكري في مالي ومنطقة الساحل عموما الكرة من جديد إلى ملعب الدول المجاورة وخاصة الجزائر، التي ستجد نفسها أمام اختبار حقيقي: إما التدخل العسكري لوقف أي خطر على أمنها وإما تفعيل دبلوماسيتها الغائبة ولو نسبيا عن المنطقة. 

شكل قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الانسحاب من منطقة الساحل الأفريقي وتخفيض عديد قوات بلاده في شمال مالي عبئا إضافيا على دول الجوار وخاصة الجزائر، التي تعتبر المنطقة بالنسبة إليها مقلقة ورخوة لأمنها القومي. 

وعلى شاكلة الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتداعياته المؤثرة على البلد بصفة عامة، يفتح الانسحاب الفرنسي من منطقة الساحل باب المخاوف من التداعيات الأمنية، خاصة أن تهديدات الجهاديين باقية في المنطقة ومتنامية بشكل غير مسبوق. 

ويقول ماكرون إن بلاده ستبدأ إغلاق قواعد لها في شمال مالي في النصف الثاني من هذا العام، في إطار التخفيض المعلن لوجودها العسكري في منطقة الساحل. 

, الانسحاب الفرنسي يضع الجزائر في ورطة الساحل الأفريقي

وتعوّل فرنسا على المشاركة في وحدة من القوات الخاصة مع دول غربية أخرى لمكافحة الجهاديين، حيث أوحت اتفاقية تعاون أمني بين باريس وواشنطن بأنهما ستركزان على شن عمليات خاطفة تعتمد أساسا على القوات الخاصة في مهمة مكافحة الإرهاب بدلا من إقامة قواعد عسكرية دائمة. 

وترى قراءات سياسية حول أهداف الانسحاب الفرنسي من منطقة الساحل، وخاصة من شمال مالي أنها تهدف بالأساس إلى معاقبة زعيم الانقلاب الأخير أسيمي غويتا، الذي أطاح بالرئيس المؤقت باه نداو المقرب من باريس. 

كما يضع إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية في أكثر البؤر سخونة من الناحية الأمنية الجيش المالي أمام امتحان صعب، مما قد يدفعه للعودة مرغما إلى أحضان باريس للحصول على دعمها المالي والعسكري من جديد. 

سعت الجزائر طوال السنوات القليلة الماضية ولو نسبيا إلى لعب دور فعال في الأزمة المتنامية في مالي، وعملت على تهدئة الأوضاع عبر المفاوضات، التي كان آخرها الاتفاق الموقع في العام 2015 برعاية جزائرية بين المجموعات المسلحة للطوارق وحكومة باماكو، والذي لم تلتزم به الأخيرة إلى حدّ الآن ما يهدد بانهياره. 

وكانت الجزائر تهدف من تدخلها الدبلوماسي إلى تقويض نفوذ القوى الإقليمية المؤثرة في باماكو على غرار فرنسا ومنظمة الإيكواس (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، والذهاب نحو تجسيد مخرجات اتفاق الجزائر. 

وتسود مخاوف من أن يؤدي الانسحاب الفرنسي من الشمال إلى تمرد الطوارق والأزواد مجددا وانهيار اتفاق الجزائر للسلام، في ظل ضعف الجيش المالي الذي وجد صعوبة في وأد تمرّد الطوارق نظرا لإمكانياته المحدودة، وشساعة المنطقة مع قلة السكان، ودراية المتمردين الجيدة بدروبها الوعرة. 

كما يضع الانسحاب الفرنسي الجزائر في ورطة بمنطقة الساحل، التي تعد الأكثر اضطرابا في ظل تنامي الخطر الإرهابي من الجماعات المسلحة. 

, الانسحاب الفرنسي يضع الجزائر في ورطة الساحل الأفريقي

ويخشى أن تستغل الجماعات المسلحة والإرهابية المتحالفة تحت لواء “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” بقيادة إياد آغ غالي، الانسحاب الفرنسي وضعف الجيش المالي بالإضافة إلى عودة تمرد الطوارق، للسيطرة مجددا على الشمال المالي مثلما فعلت في 2012. 

ويشكل هذا الوضع بالنسبة إلى الجزائر التي تملك أقوى جيش في الساحل قلقا أمنيا متزايدا قد يدفعها إلى التدخل عسكريا لمنع قيام إمارة إرهابية على حدودها الجنوبية، وفق السيناريو الذي تفضله باريس، والتي لا ترغب في الاستمرار في حرب مفتوحة ضد الإرهاب، والقتال نيابة عن دول المنطقة، مثلما كانت الولايات المتحدة تقاتل في أفغانستان نيابة عن روسيا وإيران والصين. 

الحل المنتظر 

لا تزال مالي هدفا لهجمات جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وعنف بين الجماعات المحلية وعمليات تهريب متنوعة، وتوسعت رقعة العنف لتطال دولتي بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين. 

وتقول الجزائر إن الحل في مالي “لن يكون إلا جزائريا”، حسبما جاء على لسان الرئيس عبدالمجيد تبون، الذي اختارت حكومته الجديدة رمطان لعمامرة لتولي وزارة الخارجية، وهو السياسي المخضرم في الدبلوماسية المتعددة الأطراف والمنخرط بشدة في أفريقيا، كما يشير هذا التعيين إلى رغبة جزائرية في استعادة السيطرة بعد غيابها في السنوات الأخيرة عن المنطقة. 

ويسمح الدستور الجزائري بعد تعديله في الأول من نوفمبر الماضي بتدخل الجيش خارج الحدود. لكن تبون قال في مقابلة مع صحيفة “لوبوان” الأسبوعية إن “الدستور الجزائري يجيز الآن هذا النوع من التدخل، لكن الحل لا يكمن في ذلك. غير موجود”. وأعاد التأكيد على أن حل المشكلة عبر “إعادة نشر الدولة عبر اتفاقات الجزائر.. نحن هنا لمساعدة باماكو”. 

وتحدثت صحيفة “جون أفريك” الفرنسية عن أن قائد الأركان الجزائري سعيد شنقريحة زار باريس سرا، لبحث أزمة الساحل الأفريقي، وهو ما نفته وزارة الدفاع الجزائرية ووصفته بـ”الافتراءات”. وعدّ هذا الأمر بمثابة بالون اختبار لرد الفعل الجزائري حول التدخل في مالي. 

وخاض الجيش الجزائري حربا دموية ضد الجماعات الإرهابية طيلة تسعينات القرن الماضي، ولم يتمكن من الانتصار فيها إلا عبر المصالحة الوطنية، لذلك فهو يدرك جيدا أن الحرب على الإرهاب في الساحل لا يمكن الفوز فيها بالقوة العسكرية وحدها. 

حذر عسكري 

حتى بعد اختطاف دبلوماسييها في مدينة غاو شمالي مالي في 2012، واستهداف مصنع للغاز في تيغنتورين، جنوب شرقي الجزائر انطلاقا من شمالي مالي في 2013، إلا أن الجزائر لم ترسل قواتها إلى المنطقة، متحججة بمنع دستورها للجيش من القتال خارج الحدود، إلا أن هذا العذر لم يعد مطروحا الآن بعد التعديل الدستوري الأخير. 

يبقى الجيش الجزائري حذرا من التورط في أي حرب قد تستنزف قدراته في ظل توتر الأوضاع على حدوده الشرقية والغربية أيضا. 

ويقول المحلل السياسي مبروك كاهي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة بجنوب الجزائر، إن التدخّل عسكريا في مالي “مستبعد” لأن “الدولة الجزائرية حذرة جدا في تبني مواقفها، فما بالك بإرسال قوات عسكرية خارج الحدود”. 

ويضيف كاهي أن “نشاط الدبلوماسية الجزائرية إلى غاية اللحظة مجمّد”، موضحا أن “الدبلوماسية الجزائرية وضعت ثقتها الكاملة في النظام السابق، نظام باه نداو الذي زار الجزائر واستقبله الرئيس تبون وأعطاه وعودا بالمساعدة. لكن الانقلاب الأخير خلط الأمور”. 

وينقل موقع “فرانس 24” عن مصدر عسكري فرنسي قوله إنه “تجب مناقشة مستقبل تحركاتنا في شمال مالي مع بعثة الأمم المتحدة في مالي، ومع الجزائريين المعنيين مباشرة باعتبارهم دولة جارة”. 

ولا زالت مالي المجاورة للجزائر وتجمعهما حدود برية تفوق الـ700 كلم، رهينة اضطرابات سياسية وأمنية متراكمة منذ نحو 10 سنوات، جعلتها جبهة مفتوحة على كل الأجندات الفاعلة، وحولتها إلى بؤرة توتر مقلقة للأمن الجزائري وخاصرة رخوة في جبهته الجنوبية، ولذلك توليها الجزائر أهمية قصوى في استراتيجيتها الدبلوماسية والأمنية على اعتبار أنها جزء مهم في عمقها الاستراتيجي. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق