“في طريق الأذى” بين الصومال وقطر
تحدث الإعلامي المصري يسري فودة في كتابه “في طريق الاذى” عن الاهتمام القطري في المجموعات القتالية وأشار دهشته عندما لاحظ حرص أعلى هرم السلطة في قطر لمعرفة لقاءاته مع بعض المتهمين في أحداث سبتمبر، وهذا يوضح لنا بعض ملامح الاهتمام القطري في الحالة الصومالية والذي بدأ بعد سيطرة المحاكم الإسلامية في العاصمة الصومالية مقديشو عام ٢٠٠٦، وكلنا يتذكر الزخم الإعلامي القطري وكيف كانت قناة الجزيرة تسلط الأضواء على كل أزقة مقديشو حتى بات الشأن الصومالي ولاسيما أماكن سيطرة المحاكم من اهتمامات القناة القطرية المثيرة للجدل!
ملف الارهاب
ولاشك أن ذلك الاهتمام لم يكن حبا لسواد عيون الصوماليين كما يظن به بعض البسطاء، ولكنها السياسية وألاعيبها؛ لأن المحاكم الاسلامية كانت حركة غامضة وفجأة استطاعت بسط سيطرتها في العاصمة وفتحت المطار والميناء، وأسدلت الستار في أسوأ مرحلة من مراحل الصراع الصومالي “مرحلة أمراء الحرب” الذين تحولوا نمرا من ورق خلا أقل من اسبوع، ولكن دول الجوار ومعهم الكتلة الغربية لم تكن مرتاحة لهذا التغيير والغياب المفاجئ لأمراء الحرب؛ لذلك كانت الحاجة تقتضي بوجود وكيل جديد يملأ الفراغ، ولاسيما في عصر “الحرب على الارهاب”، وأصبحت قطر الوكيل المناسب ولَم تتأخر حيث استخدمت ذراعها الاعلامي ثم تغلغلت في الشأن الصومالي حتى أصبح الصومال كله يدار من قبل المخابرات القطرية.
ومع أن الدور الذي كانت تمثله كان يتعلق بمعرفة الحركات القتالية “الجهادية” حتى تتمكن من فتح علاقة خاصة معهم اختلفت مع شريف شيخ أحمد بعد موافقته التصالح مع الحكومة الصومالية وأصبحت تدعم الفريق الذي بقي في أسمرا بقيادة الشيخ حسن طاهر أويس، وكان الدعم يمر من خلال بعض الشخصيات الاسلامية التي أصبحت تدعم فيما بعد الحزب الاسلامي بقيادة الدكتور عمر ايمان والشيخ حسن طاهر، وكان هذا الحزب يمثل المرحلة التمهيدية لحركة الشباب التي ماتزال تقاتل الحكومة الصومالية، ولكن مستشار وزير الخارجية القطري لشؤون الارهاب يحمل في جعبته الكثير مما يتعلق بحركة الشباب ومستقبلها.
ومع ذلك بدء زيارته من صوماليلاند رغم عدم وجود علاقات بينهم لتغطية أهداف الزيارة الحقيقية المتعلقة بحل الخلافات السياسية والأمنية بين المعارضة والرئيس، وبين الحكومة وكينيا، ومع ذلك تجنبوا زيارة بونتلاند وجوبالاند رغم اهميتهم للحل السياسي وقد يكون التأجيل مقصودا ولأسباب تتعلق بالحليف ومواقفه الغامضة.
المبعوث القطري
وعندما ندرك تسلسل الأحداث نستطيع أن نفهم لماذ تم اختيار الدكتور مطلق القحطاني مستشار وزير الخارجية القطري لشؤون الارهاب لهذه المهمة؛ لأن وظيفة قطر في الصومال هي متابعة الارهاب العابر للقارات وفتح الحوار معه عندما يحين موعده، وعليه يمكن أن نفهم لماذا كانت تقبل لجوء بعض قيادات حركة الشباب إلى أراضيها؟، ولماذا أصبح المذيع السابق لقناة الجزيرة مدير المخابرات الصومالية رغم عدم تمتعه بخبرات أمنية سابقة؟!، ولماذا تم اسكات صوت الحزيرة في الأعوام الأخيرة رغم وجود أحداث تستحق التغطية؟
كل هذا وغيره يؤكد لنا أن التعامل القطري مع الشأن الصومالي في السنوات الأربع الأخيرة يجب ألا يمر بسهولة وبلا حساب، نعم قطر دولة شقيقة ولكنها دولة وظيفية تؤدي وظيفة محدودة للنظام الغربي وهذا معروف ولا نتدخل في سياساتها، ولكنه يجب علينا أن نوضح لها أن الصومال أكبر من أن يتحول ملفا من ملفات المخابرات القطرية وحديقة خلفية للمفاوضات الأمريكية مع حركة الشباب وغيرها من حركات العنف!، ينبغي على الساسة أن يُسمعوا المبعوث القطري رسالة واضحة مفادها: أن كلما حصل من انحراف عن خط المصالحة الوطنية والاستهانة بالدستور وبكرامة الرؤساء السابقين والسياسيين كانت دولة قطر شريكا فيها، وأن محاولتها الحالية لتجميل صورتها لن تجدي نفعا إلا إذا تبرأت من خطيئة الأعوام المنصرمة لتبدأ فتح صفة جديدة مبنية على احترام السيادة والتعاون الرسمي البعيد عن المخابرات والرشوة.