لماذا تتصاعد حدة الأزمة السياسية في الصومال؟
الصومال اليوم – أحمد عسكر
أضفى قرار البرلمان الصومالي في 12 أبريل الجاري لصالح تمديد فترة ولاية الرئيس محمد عبد الله فرماجو والمؤسسات الدستورية بالبلاد لمدة عامين المزيد من الجمود على المشهد السياسي الصومالي بعد رفض المعارضة السياسية لهذا القرار باعتباره غير دستوري، وعكس مساعي النظام الحاكم للاستمرار في الحكم وكسب المزيد من الوقت بتأجيل الانتخابات العامة التي كان مقررًا لها في نوفمبر 2020 وفبراير 2021، الأمر الذي يهدد مستقبل الدولة الصومالية بشكل مباشر.
السياق الحاكم
يتسم المشهد السياسي الصومالي خلال الفترة الأخيرة بعدد من الخصائص الحاكمة التي تكشف حجم الأزمة الراهنة التي تشهدها البلاد، يتمثل أبرزها في غياب الثقة المتبادلة بين مختلف القوى السياسية في البلاد، والذي برز بشكل جلي في المواقف المتباعدة بين النظام الحاكم وقوى المعارضة السياسية، بحيث أفضى إلى فشل الجولات الماراثونية خلال الأشهر الماضية من المفاوضات والاجتماعات الدورية التي انعقدت بهدف التوصل لحل نهائي لأزمة الانتخابات الصومالية التي كان مقررًا لها، وفقًا لاتفاق 17 سبتمبر 2020، خلال شهري نوفمبر 2020 وفبراير 2021، بما يعكس تمسك كل جانب بموقفه فيما يشبه المباراة الصفرية التي قد تكون تداعياتها كارثية على مستقبل البلاد تعيد للأذهان مجددًا ويلات الحرب الأهلية، وهو ما دفع الحكومة المركزية والمعارضة إلى تبادل الاتهامات بينهما بشأن عرقلة إجراء الانتخابات، وسط رفض من النظام الحاكم لشروط المعارضة التي اعتبرها مجحفة وتُقلّص من نفوذه وسلطات الحكومة المركزية السياسية والأمنية وتعطي الفرصة للتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي الصومالي([1])، في مقابل إصرار من جانب المعارضة على عدم أهلية الرئيس فرماجو المنتهية ولايته منذ 8 فبراير الماضي، وكذلك البرلمان الفيدرالي، وتأكيدها أن محاولاته تعكس نية واضحة للبقاء في السلطة لفترة زمنية طويلة، الأمر الذي يكشف أن الصراع السياسي في البلاد يظل بعيدًا عن الحسم، مما يزيد من المخاوف بتصعيد التوتر والدخول في مرحلة جديدة من الفوضى التي عانت منها البلاد على مدار عقود ماضية.
ويعتمد نظام فرماجو، الذي تزداد ثقته في تجاوز الأزمة السياسية في البلاد وعرقلة محاولات المعارضة لتغييبه عن المشهد السياسي، على بعض العناصر الحاسمة التي استطاع استمالتها لتقوية جبهته الداخلية وهي البرلمان الفيدرالي وتحديدًا مجلس الشعب -الغرفة السفلى بالبرلمان- باعتباره يمتلك الحق الدستوري في التدخل في الأزمة، وهو ما حدث بالفعل بعد قرار التمديد، كما يراهن فرماجو على تأييد حكومته الفيدرالية وتماسكها خاصة بعد الإطاحة برئيس الوزراء السابق حسن علي خيري، في سبتمبر 2020 واختيار آخر جديد، محمد حسين روبلي، ليس لديه طموح سياسي وموالٍ له ولسياساته الداخلية، فضلاً عن ولاء رؤساء بعض الولايات الإقليمية له مثل جنوب غرب الصومال وهيرشبيلي وجلمدغ، بالإضافة إلى المؤسسة العسكرية، وقطاع لا بأس به من المواطنين خاصة في العاصمة مقديشو، من الذين يبدون مخاوف من تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد. كما يعتمد فرماجو على علاقاته القوية مع بعض الدول مثل إثيوبيا وقطر وتركيا بهدف تخفيف الضغوط الدولية عليه. فضلًا عن محاولته زعزعة استقرار ولايتي بونت لاند وجوبالاند المعارضتين له بعد فشله في احتوائهما، خاصة بعد نجاحه في إقناع وزير الأمن في الأخيرة بالتمرد والانشقاق والانضمام للحكومة الاتحادية.
بينما أضحت المعارضة السياسية في البلاد أكثر تنظيمًا وإصرارًا على إسقاط فرماجو في الانتخابات المقبلة برغم محدودية الخيارات لديها، إلا أنها تعوّل بشكل كبير على التصعيد في الشارع الصومالي ضد النظام الحاكم خاصة أنها تضم العديد من الشخصيات السياسية التي تمتلك رصيدًا مقبولًا لدى المواطنين، وتتبنى المعارضة سياسة النفس الطويل وتسعى إلى مواصلة الضغط على فرماجو لإعلانه التخلي عن رئاسة البلاد وتسليم السلطة لرئيس الوزراء، كما أنها تدرك مدى أهمية الضغوط الدولية على فرماجو لإيجاد مخرج للأزمة السياسية في البلاد من خلال دفعه للعودة للمسار الطبيعي للعملية السياسية في البلاد وإجراء الانتخابات العامة.
وفي ضوء تزايد المخاوف من أن تؤدي الأزمة السياسية في البلاد إلى أزمة أمنية وحدوث انقسامات بين صفوف المؤسسات الأمنية، خاصة بعدما رفضت بعض القيادات الأمنية قرار التمديد، وهو ما أدى، على سبيل المثال، إلى اندلاع مواجهات عسكرية بين القوات الحكومية وبعض المسلحين في العاصمة مقديشو، وقبلها إقالة الجنرال صادق جون قائد شرطة إقليم بنادر بمقديشو، وما ترتب عليها من مواجهات بين مسلحين موالين له وبين القوات الحكومية في مقديشو([2])، فإن ذلك يزيد من تعقيد السياق الأمني الداخلي المضطرب بطبيعة الحال في ظل نشاط عناصر حركة شباب المجاهدين في وسط وجنوب البلاد. لذلك تم طرح بعض المبادرات بهدف إيجاد تسوية لتلك الأزمة، إلا أنها باءت جميعها بالفشل، مما يجعل فرص النجاح في تجاوز حالة الجمود السياسي في البلاد ضئيلة ما لم تتضافر الجهود الدولية والإقليمية في الضغط لتعديل مسار العملية السياسية في الصومال.
دوافع فرماجو
ساقت العديد من الدوافع الرئيس فرماجو إلى اتخاذ قرار التمديد لعامين مقبلين وسط موجة من المعارضة المحلية والدولية التي جعلته يطالب الاتحاد الإفريقي، خلال زيارته إلى الكونغو الديمقراطية في 19 أبريل الجاري، برعاية المفاوضات بين الأطراف السياسية الصومالية حول أزمة الانتخابات، دون أي توضيح أو ذكر للتراجع عن قرار البرلمان الأخير([3])، والذي قد يستفيد حال قبولها من عامل الوقت وربما إضفاء الشرعية على استمراره في السلطة بالرغم من انتهاء ولايته في فبراير الماضي.
وتتمثل أبرز هذه الدوافع في عدم رغبة فرماجو في تقديم أي تنازلات للمعارضة السياسية وعدم الرضوخ لمطالبها التي من شأنها فقدانه أغلب سلطاته السياسية، وعدم إشراف الحكومة المركزية على الانتخابات حال عقدها. كما أن لديه مخاوف من عدم تجديد الثقة فيه حال جرت الانتخابات على النظام الانتخابي القديم (4.5)([4])، لذلك فإن دعوته لإشراك الاتحاد الإفريقي في المفاوضات لإجراء انتخابات مباشرة ربما يحاول من خلالها استقطاب القوى السياسية لتخفيف حدة الرفض لاستمراره في السلطة وانتظار تحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات.
كما أن تأجيل الانتخابات لعام 2023 قد يكون في صالح فرماجو الذي يسعى إلى استعادة شعبيته وزيادة قبول الحكومة الفيدرالية بين الأوساط الصومالية بهدف تغيير المزاج الانتخابي لصالحه للفوز بولاية رئاسية جديدة، خاصة في ظل التخوف من نجاح المعارضة في تغيير خارطة التصويت في الانتخابات المقبلة لصالح أحد مرشحيها. كما يتطلع فرماجو إلى استغلال عامل الوقت للتخلص من معظم خصومه السياسيين لا سيما أحمد مدوبي رئيس ولاية جوبالاند، وسعيد ديني رئيس ولاية بونت لاند، وتعيين آخرين موالين له على غرار الولايات الثلاث الأخرى المؤيدة له، ومحاولة تفتيت قوى المعارضة في البلاد.
ويتخوف فرماجو من تأثير العامل الخارجي في الانتخابات الصومالية، لا سيما الدور الكيني في محاولة تغيير التحالفات الانتخابية في الداخل الصومالي وتوازنات القوى بين المرشحين، خاصة في ظل تدهور العلاقات بين البلدين بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما في ديسمبر الماضي، في مقابل العلاقات القوية التي تربط نيروبي برموز المعارضة مثل رئيسي ولايتي بونت لاند وجوبالاند، واستضافتها لمعظم المرشحين المحتملين في الانتخابات الصومالية المقبلة لدرجة وصفها بالمجمع الانتخابي الصومالي، في الوقت الذي ينشغل فيه حليفه الإثيوبي، آبي أحمد، في أزماته الداخلية والإقليمية، مما قد يشكل ضغطًا على فرماجو في حال إجراء الانتخابات خلال المرحلة الراهنة.
وقد شرع فرماجو في تقديم تبريرات عدة لشرعنة تأجيل الانتخابات من أبرزها ادعائه بوجود العديد من الملفات المهمة التي يجب التعاطي معها قبل إجراء الانتخابات العامة مثل محاولة تحسين العلاقات مع الولايات الإقليمية المعارضة، وتهيئة المناخ السياسي والأمني لإجراء الانتخابات، واحتواء تهديدات حركة شباب المجاهدين، وتحقيق الأمن في المناطق المحررة من سيطرة الحركة، والوصول لاتفاق مع إقليم أرض الصومال أو محاولة احتوائه على غرار إقليم تيغراي في إثيوبيا.
ضغوط مزدوجة
هناك شبه اتفاق محلي ودولي على رفض الإجراء الذي اتخذه البرلمان الصومالي وصادق عليه الرئيس فرماجو بشأن مد فترة رئاسته لعامين قادمين، باعتبار أن هذا القرار من شأنه تقويض الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني في البلاد خلال السنوات الماضية، وإضفاء المزيد من التوتر والصراع على المشهد الصومالي الراهن.
فقد رفضت قوى المعارضة والأحزاب السياسية وبعض القبائل الرئيسية في البلاد، مثل قبيلة الهوية، قرار التمديد للرئيس فرماجو والبرلمان الفيدرالي، لدرجة مخاطبة منتدى الإنقاذ الوطني الصومالي -وهو ائتلاف يضم رئيس مجلس الشيوخ الصومالي وزعماء المعارضة ورؤساء بعض الولايات الإقليمية- مجلس الأمن الدولي لحثه على رفض تمديد ولاية الرئيس فرماجو. وعقب اندلاع المواجهات العسكرية في العاصمة مقديشو، دعت ولايتا جلمدغ وهيرشبيلي إلى إلغاء قرار التمديد، وهو ما وافق عليه رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي، بما يمثل نقطة تحول قد تدفع الرئيس فرماجو إلى التراجع.
كما سارعت العديد من القوى والمنظمات الدولية والإقليمية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيجاد IGAD”، إلى انتقاد هذا القرار، وطالبت بالتوصل إلى حل يفضي لإجراء الانتخابات على ضوء اتفاق 17 سبتمبر 2020، وهددت تلك القوى باتخاذ إجراءات عقابية ضد كل من يُقوِّض الحوار أو يلجأ إلى العنف، وأكدت أنها لن تعترف أو تدعم أي إجراءات بديلة أو من طرف واحد([5]).
وبالرغم من تصعيد الصومال حيال ما اعتبرته تدخلًا مباشرًا في شئونها الداخلية من القوى الأجنبية([6])، إلا أن الرئيس فرماجو سارع في 19 أبريل الجاري إلى لقاء مسئولي بعض القوى الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، الذين أكدوا أن المجتمع الدولي لن يدعم مسارًا انتخابيًا خارج اتفاق 17 سبتمبر الذي يحظى بإجماع سياسي داخلي([7])، وذلك خشية تصعيد المجتمع الدولي ضد النظام الصومالي وفقدان التعاطف مع فرماجو وخوفًا من توقيع عقوبات مثل تعليق بعض المساعدات الاقتصادية والإنسانية عن الصومال، مما قد يترتب عليه تدهور الأوضاع الداخلية في البلاد على كافة المستويات.
إجمالًا، يفرض استمرار الرئيس فرماجو في عدم الاستجابة للضغوط الداخلية والدولية بشأن التراجع عن قرار تمديد فترة رئاسته للبلاد لعام 2023 مزيداً من الضغوط عليه، مع إمكانية خروج الأزمة عن السيطرة في الداخل في ظل حالة الاستقطاب السياسي، مما يعزز حالة اللاستقرار التي تعانيها البلاد، كما أنه ينذر باحتمالية فرض عقوبات دولية ضد فرماجو ونظامه الذي تتراجع شعبيته على الصعيد الدولي، بالتوازي مع تدافع القوى الدولية للانخراط في الأزمة الصومالية.