افريقيا و العالمالرئيسية

هل انتهت الحلول الدبلوماسية في ملف سد النهضة؟

رحاب عليوة 

في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية المصري سامح شكري في جولة بين عدد من الدول الأفريقية لإطلاعهم على آخر تطورات ملف “سد النهضة” المتأزم، والمفاوضات المتوقفة بفعل تعنت الجانب الإثيوبي، وإطلاعهم على المخاطر التي تهدد الملايين من مواطني بلاده والسودان، كانت إثيوبيا تقفز قفزات إلى الأمام، لتزيد الأمر تعقيداً، وتعزز فرص المواجهة العسكرية. 

وبدأت إثيوبيا أمس التمهيد للملء الثاني لسد النهضة، بفتح المخارج المنخفضة للمياه، وسد المخرج المتوسط تمهيداً لتعليته، استعداداً للملء الثاني في تموز (يوليو) الآتي، متجاهلة كافة التحركات والمطالب المصرية السودانية بالتوصل إلى اتفاق ملزم قبل الملء. 

ويعني فتح المخارج المنخفضة انخفاض كمية المياه التي تصل إلى مصر والسودان على نحو لافت، ولا تستطيع الدولتان سد عجزه، لا سيّما في حال جاء الفيضان منخفضاً هذا العام. 

وفي قفزة أكبر، استبقت إثيوبيا التدويل المصري والسوداني للقضية باللجوء إلى مجلس الأمن، وهي الخطوة المتوقعة التالية من قبل الدولتين، وذلك ببعث رسالة إلى مجلس الأمن في 16 نيسان (إبريل) الجاري، تشتكي فيها مصر والسودان، وتصفهما بالتعنت وعرقلة التفاوض، والرغبة في تقويض آمال إثيوبيا في التنمية، بل تصف المقترح المصري ـ السوداني للحل بـ”الاستعماري”. 

وقالت إثيوبيا، بحسب ما أورده موقع “روسيا اليوم”: إنّ “مصر والسودان لا يخوضان مفاوضات بحسن النية، وهما غير مستعدين لتقديم تنازلات ضرورية لتحقيق نتيجة لا خاسر فيها”، متهماً البلدين بتفضيل “تقويض” المفاوضات و”تدويل” القضية من أجل ممارسة ضغط غير مبرر على إثيوبيا. 

استبقت إثيوبيا التدويل المصري والسوداني للقضية باللجوء إلى مجلس الأمن، ببعث رسالة إلى المجلس في 16 نيسان، تشتكي فيها مصر والسودان 

ورأى مراقبون أنّ الخطوات الإثيوبية تنمّ عن نية مؤكدة للاستمرار في فرض سياسة الأمر الواقع، وتجاهل مطالب الدولتين، ما يعزز فرص المواجهة العسكرية، على الرغم من أنه الخيار الأخير وغير المرغوب فيه من قبل مصر. 

وسبق أن شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أنّ قضية المياه “خط أحمر” بالنسبة إلى مصر، وأنها لن تسمح بالمساس بحقوقها فيها، قائلاً في 30 آذار (مارس) الماضي: لا يظن أحد أنه بعيد عن قدراتنا، “واللي عايز يجرّب يجرّب”، وأضاف: إحنا ما بنهددش حد، وإلا هيبقى في حالة عدم استقرار في المنطقة لا يتخيلها أحد. 

وعلى الرغم من أنّ الرئيس عاد بعد أيام من ذلك التصريح ليؤكد أنّ بلاده تفضل التفاوض، وأنّ تكلفة المواجهة العسكرية ستكون باهظة على الجميع، غير أنّ المراقبين يرون أنّ ذلك لا يتنافى مع إمكانية لجوء مصر للحل العسكري، خصوصاً في ظل التعنت الإثيوبي

وقال أستاذ العلوم السياسية في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي: إنه لا يستبعد الفعل الخشن في سد النهضة. 

وقال الشوبكي، في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك أول من أمس: أحبطت تصريحات وزير الخارجية في البرلمان الكثيرين حين قال: “إنّ هناك تقييماً فنياً يشير إلى أنه لن يقع ضرر على مصر حال قيام الجانب الإثيوبي بالملء الثاني”، وهو ما اعتبره الكثيرون كلاماً ناعماً غير متسق مع الأضرار المؤكدة التي سيخلفها الملء الثاني لسد النهضة، خاصة أنّ تصريحات الرئيس السابقة كانت واضحة في خطوطها الحمراء، وفي رفض أي مساس بحصة مصر المائية. 

وأضاف: إنّ تصريحات الوزير الهادئة مناسبة لوضع البرلمان الحالي، لأنّ أي كلام خشن قد يزايد عليه بعض النواب ويتحول إلى شعارات تحريضية بلا أي ضابط أو رابط قد تصل إلى حد العنصرية، وقد تضرّ مصر أكثر ممّا تفيدها. 

اقرأ أيضاً: مصر توقع اتفاق تعاون عسكري مع هذه الدولة… ما علاقة سد النهضة؟ 

وتابع: إنّ تصريحات البعض الباردة والكلام الغامض حمّال الأوجه هو جزء من طريقة حكم، والكلام الناعم لا يعني غياب الخيار الخشن، ومصر عرفت إشارات عكسية قبل ترتيبات 3 (تموز) يوليو كان فيها ما يعلن مختلفاً عمّا يحضر، صحيح أنّ السياق الحالي يختلف كثيراً عن الأوضاع الداخلية قبل التخلص من حكم الإخوان، إلا أنّ تصور البعض أنّ تصريحات بعض المسؤولين المعلنة تعكس دائماً الموقف الحقيقي أمر غير دقيق. 

وتابع أستاذ العلوم السياسية: قلقي الأساسي هو من البيئة الدولية التي تحمي أو تغمض عينيها عن أي فعل خشن، فمصر تحركت بصورة جيدة على مستوى الشكل لتقول للعالم إنها حاضرة (تصوير مشهد مئات السفن المعطلة أمام مدخل القناة، أو عملية نقل المومياوات) وجزئياً على مستوى المضمون بتحسين علاقتها مع تركيا وقطر والحفاظ على تحالفها مع السعودية وفتح قنوات اتصال مع روسيا، ومطلوب التأكيد على أنّ تحركاتها لن تضر بالاستثمارات الصينية في إثيوبيا إنما ستضعها في سياق جديد. 

واستطرد: مطلوب فتح قنوات اتصال مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وتدويل القضية في مجلس الأمن، حتى لا نصل إلى الفعل الخشن دون “تفهم دولي”، حتى لو غاب الدعم. 

رد مصر والسودان 

وفي ظل التصعيد الإثيوبي الأخير، أصدرت وزارة الري المصرية بياناً تفند فيه ادعاءات إثيوبيا من الإجراءات (فتح المخارج المنخفضة)، وقالت الوزراة، بحسب ما أورده موقع مصراوي، إنه بالإشارة إلى قيام الجانب الإثيوبي بفتح المخارج المنخفضة بسد النهضة تمهيداً لتجفيف الجزء الأوسط من السد للبدء في أعمال التعلية لتنفيذ عملية الملء للعام الثاني لسد النهضة، وفي ضوء ما نشر من مغالطات، فإنّ الأمر يتطلب توضيح النقاط التالية: 

1ـ  الادعاء الإثيوبي بأنّ المخارج المنخفضة ،(Bottom Outlet) وعددها (2) فتحة، قادرة على إمرار متوسط تصرفات النيل الأزرق، هو ادعاء غير صحيح، حيث إنّ القدرة الحالية للتصريف لا تتعدى 50 مليون م3/ يوم لكلتا الفتحتين، وهي كمية لا تفي باحتياجات دولتي المصب، ولا تكافئ متوسط تصريفات النيل الأزرق. 

2 ـ  تنفيذ عملية الملء الثاني هذا العام واحتجاز كميات كبيرة من المياه طبقاً لما أعلنه الجانب الإثيوبي، سيؤثر بدرجة كبيرة على نظام النهر؛ لأنّ المتحكم الوحيد أثناء عملية الملء في كميات المياه المنصرفة من السد سيكون هذه المخارج المنخفضة، وسيكون الوضع أكثر تعقيداً بدءاً من موسم الفيضان في شهر تموز (يوليو) المقبل؛ لأنّ الفتحات ستطلق تصريفاً أقل من المعتاد استقباله في شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس)، حيث إنّ الحد الأقصى لتصريفات المخارج المنخفضة تقدر بـ3 مليارات م3 شهرياً بفرضية الوصول لمنسوب 595 متراً، وهو ما يعني معاناة دولتي المصب السودان ومصر، وذلك في حال ورود فيضان متوسط، والوضع سيزداد سوءاً في حال ورود فيضان منخفض، الأمر الذي يؤكد حتمية وجود اتفاق قانوني ملزم يشمل آلية تنسيق واضحة. 

3ـ جدير بالذكر أنّ مصر سبق لها المطالبة في عامي 2012، 2015 بضرورة زيادة تلك الفتحات لاستيفاء احتياجات دولتي المصب وعرضت تمويل التكلفة الزائدة، ولإعطاء مرونة أكبر خلال عمليات الملء والتشغيل والتعامل مع مختلف حالات الفيضان والجفاف، وادعت إثيوبيا أنّ تلك الفتحات كافية، وكذلك يمكن تشغيلها بصفة مستمرة حال انقطاع الكهرباء. 

4ـ  كان من المفترض توليد الجانب الإثيوبي، أثناء عملية الملء الأول، الكهرباء من خلال وحدات التوليد المبكر (عدد 2 توربينة)، إلا أنّ الجانب الإثيوبي قام بعملية الملء الأول وتخزين المياه دون توليد كهرباء، وهو ما يؤكد أنّ عملية الملء الأول تمّت لأسباب إعلامية وسياسية وليس لأسباب فنية. 

5ـ  مخارج التوربينات الـ13 غير جاهزة للتشغيل حالياً، ومن ثم فإنّ توليد الكهرباء بالدرجة التي يروج لها الجانب الإثيوبي غير صحيح، وهناك ارتباط قوي بين جاهزية التوربينات للتوليد وبين كمية المياه المخزنة، ولكنّ الجانب الإثيوبي يسابق الزمن لفرض أمر واقع على دولتي المصب من خلال ملء بحيرة السد للعام الثاني رغم عدم جاهزية السد للتوليد الكهربائي المخطط له. 

6ـ  أمّا بخصوص ما ذكر بأنّ السد يطابق المواصفات العالمية، فهو ادعاء غير صحيح؛ لأنّ إثيوبيا تبني السد بطريقة غير سليمة، ونذكر على سبيل المثال: التغييرات في السد المساعد، تغيير مستوى فتحات التوربينات، إزالة 3 مخارج توربينات بعد تركيبها، تخفيض عدد التوربينات من 16 إلى 13، إزالة الأجزاء المعدنية للفتحات التي تعمل الآن ثم تركيبها، عدم صب الخرسانة فى أجزاء السد المختلفة بطريقة متجانسة، ما أثير من شبهات فساد تسببت في توقف المشروع أكثر من مرّة. 

7ـ من المتعارف عليه حدوث مشاكل فنية أثناء التشغيل التجريبي لتلك الفتحات أو للتوربينات المبكرة (2 توربينة) -وذلك في حال تمكن الجانب الإثيوبي من تشغيلها- ما سيؤثر بصورة كبيرة على تدفقات المياه لدول المصب. 

8- نؤكد أنّ مصر أبدت مرونة كبيرة خلال المفاوضات على مدى الأعوام الـ10 الماضية، بهدف الوصول إلى اتفاق قانوني عادل وملزم فيما يخص ملء وتشغيل سد النهضة، ونؤكد أنّ شروع الجانب الإثيوبي في بدء عملية الملء الثاني للسد هو استمرار للنهج المتبع بفرض سياسة الأمر الواقع باتخاذ إجراءات أحادية من شأنها إحداث ضرر بدولتي المصب، وذلك لغياب آلية تنسيق واضحة بين الدول الـ3 في إطار اتفاق قانوني عادل وملزم. 

من جانبها، وصفت السودان التصرفات الإثيوبية بالمهددة للأمن القومي السوداني، واتهمت إثيوبيا بالتعدي على مبادئ حسن الجوار وتهديد أمن 20 مليون سوداني، بعد إعلان أديس أبابا إصرارها على بدء الملء الثاني للسد. 

وقالت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، في بيان، أمس: إنّ “الإثيوبيين اعتدوا على السودان، وتعدّوا على أسس حسن الجوار بالطريقة التي أجروا بها الملء الأول للسد” في تموز (يوليو) الماضي. 

*صحفية مصرية 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق