انتخابات الصومال.. التوترات السياسية تهدّد مكتسبات الاستقرار
الصومال اليوم – الشافعي أبتدون
تتصاعد التوترات السياسية في الصومال بعد فشل المشاورات الأخيرة في كسر حالة الجمود السياسية، والعجز عن إجراء مشاورات جديدة بين الرئيس محمد عبدالله فرماجو ورؤساء الولايات الفيدرالية.
في هذا الإطار لم يلبّ رؤساء ولايات بونتلاند وجوبالاند دعوة فرماجو للمشاركة في قمة، كان يفترض أن تحضنها العاصمة مقديشو، وذلك بسبب تعمّق الخلاف حول تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في البلاد وآليتها.
وكان فرماجو قد حاول عقد مؤتمر تشاوري مع مختلف الشركاء السياسيين، بعد ضغوط دولية وإقليمية عليه، غير أن دعوته لم تلقَ آذاناً صاغية، بل وضعت أحزاب المعارضة دعوته في سياق “عرقلة مسار المفاوضات بين أجنحتها، تحديداً بين اتحاد المرشحين للانتخابات الرئاسية والحكومة الفيدرالية”.
واتهمته في مؤتمر صحافي عقدته في مقديشو، الثلاثاء الماضي، بتعميق الخلافات.
وسبق أن جرت لقاءات موسعة بين رئيس الحكومة محمد حسين روبلي واتحاد المرشحين للانتخابات الرئاسية في 26 فبراير/ شباط الماضي، والتي أنهت جزئياً حالة الاحتقان السياسي التي كانت تشهدها البلاد.
وبموجب اتفاق بين الطرفين، سمحت الحكومة للمعارضة بحرية تنظيم التظاهرات، إلى جانب إمكانية مشاركتها في المشاورات المقبلة، لتحديد جدول وموعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
لكن بعد أكثر من أسبوع على الاتفاق، فشلت القيادات الصومالية في تحديد موعد للانتخابات، إلا أن دعوات بعثة الأمم المتحدة والسفارة الأميركية في مقديشو لا تزال مستمرة.
وفي السياق، دعت السفارة الأميركية الثلاثاء الماضي، القيادات الصومالية إلى اجتماع فوري لإنهاء الانقسام وتحديد جدول للانتخابات.
وعكس الموقف الأميركي القلق الدولي من التدهور السياسي في البلاد، فضلاً عن تداعيات أزمة كورونا الصحية والاقتصادية والاجتماعية على المجتمع الصومالي.
وكانت أحداث 19 فبراير الماضي مفصلية، بعد اندلاع مواجهات عنيفة بين القوات الأمنية وحرس عدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية.
واتخذت منعطفاً خطيراً، هدد الاستقرار الأمني والسياسي.
وأثارت التوترات قلق الشارع من احتمال انزلاق الوضع الأمني، وعودة المواجهات المسلحة إلى العاصمة، بعد عقد من توقف المواجهات فيها إثر طرد “حركة الشباب” من جنوب مقديشو في عام 2011.
ويبدو أن حركة “الشباب” تحاول الاستفادة من التوترات السياسية في البلاد عبر تكثيف هجماتها.
وقال مدير “خدمة أمين للإسعاف” الطبي بمقديشو عبد القادر عبد الرحمن، إنّ أكثر من 20 مدنياً قتلوا، وأصيب أكثر من 30 بجروح، بعد أن فجر انتحاري سيارة مفخخة عند مدخل مطعم شعبي اسمه “لول يمني” بالقرب من ميناء مقديشو الجمعة.
كما أعلنت الشرطة الصومالية، يوم الجمعة أيضاً، مقتل سبعة جنود عندما اقتحم مسلحون تابعون إلى “الشباب” سجناً في إقليم بلاد بنط، الذي يتمتع بالحكم الذاتي.
وأعلن المتحدث باسم الحركة للعمليات العسكرية عبد العزيز أبو مصعب، أن الهجوم على السجن الرئيسي في بوصاصو، كبرى مدن بلاد بنط، أدى إلى تحرير 400 سجين، الكثير منهم أعضاء في “الشباب”. ولم تؤكد السلطات العدد.
وتقول المواطنة سليخة محيي الدين، إن هناك حالة من القلق ومخاوف من اندلاع مواجهات جديدة في العاصمة مقديشو، مع إصرار المعارضة على تنظيم التظاهرات.
في المقابل، تحاول الحكومة تلافي الصدام، في ظل انتشار موجة ثانية من وباء كورونا في العاصمة، فمواجهة المتظاهرين بالقوة، يمكن أن تؤدي إلى العودة إلى مربع العنف والفوضى السياسية من جديد.
أما المواطن أحمد نور خليف فيصف الوضع السياسي بـ”الهادئ نسبياً” بعد الاتفاق الأخير بين الحكومة والمعارضة، معتبراً أن جهود رئيس الحكومة محمد حسين روبلي لرأب الصدع تكللت بالنجاح.
ويرى أن موقف رئيس الحكومة حيال تظاهرات المعارضة، سيعزز جهود التسويات السياسية في البلاد، مضيفاً أن “التظاهرات حق دستوري، وأن الحكومة الصومالية برأيي لن تتدخل في منعها في هذه المرة، وسوف توفر للمتظاهرين الحماية الكاملة”.
من جهته، يشرح الصحافي نور محمد الأسباب التي تحول دون عدم تمكن القيادات الصومالية من إجراء مشاورات جديدة، معتبراً أن المشكلة تكمن في جوهر المسائل الخلافية العالقة بين الحكومة وبعض رؤساء الأقاليم الفيدرالية، بشأن إجراءات الانتخابات والمتمثلة في اللجان الانتخابية وأزمة إقليم مقاعد جدو النيابية (أعلن رئيس جوبالاند الشهر الماضي، أحمد محمد إسلام مدوبي، أن الرئيس الصومالي يصرّ على حكم منطقة جدو وإجراء الانتخابات فيها).
وهو ما دفع بعض رؤساء الأقاليم، تحديداً رئيسي بونتلاند وجوبالاند، إلى وضع شروط جديدة، قد تبدو مستحيلة بالنسبة للحكومة الصومالية التي لا تقبل مشاركة أطراف أخرى في المؤتمر.
ويشير محمد إلى أن تحدي تنفيذ البنود المتفق عليها في اتفاقية سبتمبر/ أيلول الماضي بين الرئيس والمعارضة، وغياب الثقة بينهما، تمثّل حجر عثرة أمام انعقاد المؤتمر التشاوري الذي دعا إليه فرماجو.
ويشدّد على أن نقطة الخلاف الجوهرية تكمن أيضاً في غياب عنصر التنازلات في بعض القضايا بين مختلف الأطراف، وهو ما قد يشكل عقبة أمام عقد المؤتمر.
ويقول إن دور شركاء الصومال الدوليين كان حاضراً ولم يغب يوماً في المشهد السياسي الصومالي، خصوصاً بما يتعلق بالعمل على تقريب وجهات النظر بين الأطراف الصومالية، والضغط عليهم لإنهاء الخلاف حول بنود مخرجات المؤتمر التشاوري، وقد تتطور ضغوطها إلى فرض إملاءات على الطرفين.
من جهته يذهب الباحث في العلوم السياسية أنور أحمد ميو أبعد من ذلك حول جذور الأزمة السياسية الراهنة.
ويرى ميو أن المعارضة تعتقد أن فرماجو، ومنذ انتخابه قبل أربعة أعوام اتجه نحو إلغاء الفيدرالية وإعادة المركزية، وسعى إلى تشكيل قوات خاصة تحسم الصراع لصالحه. ويضيف أنه منذ عامين حصلت انتخابات مثيرة للجدل في بيدوا وطوسمريب وجوهر، تخلل بعضها معارك عنيفة.
ويشير إلى أن فرماجو سعى لإزاحة رئيس جوبالاند أحمد مدوبي من خلال دعم تحالف التغيير في إقليم جوبالاند، وإرسال قوة خاصة إثيوبية للسيطرة على مطار المدينة، وعندما لم تنجح هذه المحاولة أرسل قوات خاصة إلى محافظة جدو وفصلها عن إدارة ولاية جوبالاند بالقوة.
ويضيف: ترى المعارضة أن الرئيس الصومالي ينتهج نظاماً إدارياً غير النظام الفيدرالي الذي اتخذته البلاد كنظام حكم سياسي في الصومال.
ويلفت ميو إلى أن الأطراف الأجنبية، الإقليمية خصوصاً، لم تحسم رؤيتها للعملية السياسية في الصومال.
كينيا مثلاً ترى في فرماجو خطراً على مستقبل علاقاتها مع الصومال، وقد دعمت نظام أحمد مدوبي في كسمايو، وأعلنت الحكومة الفيدرالية قطع العلاقات الدبلوماسية معها.
ويشير ميو إلى أن جيبوتي أيضاً تتقاسم مع كينيا رؤيتها تجاه الرئيس الصومالي، وتعدّه تهديداً لأمنها القومي بعد تحالفه مع حاكم إريتريا أسياس أفورقي.
أما أستاذ العلوم السياسية فرحان إسحق، فيرى أن غياب الثقة المتبادلة بين الأطراف الصومالية، يُعدّ العقبة الرئيسية في إنجاز تقدم حول مسار الانتخابات الرئاسية في البلاد، منذ انتخاب فرماجو (عام 2017).
فقد واجه الرئيس معارضيه بالقمع والإبعاد، وهو منهج سياسي يفرق الأطراف الصومالية ولا يعزز النظام الفيدرالي.
ويوحي هذا الأمر بكيفية عمل نظام الحكم في البلاد من قبل الإدارة الصومالية الحالية، والذي لم يكن نظاماً مرناً فيدرالياً، بل كان نظاماً مركزياً اتسم بالصرامة، خلال تشكيل الولايات الفيدرالية بالقوة، تحديداً هرشبيلى وجلمدغ وجنوب غربي الصومال.
ولم يسمح للمعارضة في المشاركة بالحكومات الفيدرالية.
ويضيف إسحق، أن اللجان الفيدرالية للانتخابات، والتي شكلتها الحكومة الصومالية لم توفر ضماناً للمرشحين والمعارضة السياسية إمكانية إجراء انتخابات شفافة، وهو ما أدى إلى مقاطعتها من قبل الولايات الفيدرالية والمعارضة.
ويرى أن السلوك السياسي للرئاسة الصومالية حول التعاطي مع شكاوى وأطروحات المعارضة، عقّد الأزمة السياسية.
ويتطرق إسحق إلى موضوع تشكيل قوات مسلحة خاصة بالرئاسة الصومالية، حسبما يروّج حالياً في الأوساط السياسية والإعلامية، والتي تدار بشكل سري.
ويعتبر أنها تثير قلق المعارضة ورؤساء الولايات الفيدرالية، وأيضاً القوات الصومالية التي خضعت للتدريب في القاعدة العسكرية التركية في مقديشو (تركصوم)، والتي تتعرض في الآونة الأخيرة لسهام النقد من قبل قيادات العشائر التقليدية والسياسيين.
ويرى أن التدخل الأجنبي لا يعالج الأزمة الصومالية، بل سيكون لهذا التدخل تأثيرات عكسية هذه المرة، بسبب تحالفات الحكومة الصومالية مع عدد من الدول الفاعلة، في مقابل تردّي علاقاتها مع دول إقليمية وخليجية.
ويفرض هذا الأمر حالة عدم توازن بين الدولة المعنية بالشأن الصومالي، ما يؤدي إلى حرب سياسية بالوكالة بين الصوماليين.
ويشير إسحق إلى أن التدخل الخارجي الحالي ليس عنصراً مساهماً لحل الأزمة، بل عنصر سلبي.