تشهد منطقة غرب أفريقيا منذ بضعة أشهر تغييرات في نشاط الجماعات الإرهابية.
وتشير تقارير استخباراتية إلى وجود تنسيق وتبادل للخبرات والقدرات بين فروع القاعدة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو من جهة، وبين فروع داعش في النيجر ونيجيريا، من جهة أخرى.
ولعل أحد الأسباب هو أن جيوش هذه الدول اختارت سحب جنودها من المواقع المتقدمة، وتركيز الجهود على إرسال دوريات مجهزة بشكل أفضل لمحاربة الإرهابيين وبدعم جوي، كما رأينا في عمليات “البوراسك” في أكتوبر/تشرين الأول الماضي و”الكسوف” في يناير/كانون الثاني الماضي التي نفذتها القوات الفرنسية بالتعاون مع الجيوش المحلية. وكان رد الإرهابيين هو استخدام عربات مدرعة محملة بالمتفجرات وتفخيخ المنشآت العامة بعبوات ناسفة وكذا زرع الألغام على الطرقات المزدحمة. هذه التكتيكات تمّت ملاحظتها في مالي وبوركينا وفي منطقة بحيرة تشاد أيضاً.
استراتيجية التدخلات الجراحية والضغط المضاد
بعد الاجتماع الأخير لمجموعة الدول الخمس، قررت دول الساحل وتشاد والسنغال زيادة دعمها للحرب ضد الإرهاب. وفي 24 فبراير/ شباط الماضي، حثّ الرئيس السنغالي، ماكي سال، على التضامن الدولي في مكافحة الإرهاب باتباع نهج أكثر دفاعية. ويعلم الرئيس السنغالي جيداً أنه اتخذ خطوة لا رجعة فيها، وأنه سيدفع ثمنها عاجلاً أم آجلاً، لكن في الواقع تبقى تلك هي الطريقة الوحيدة لهزيمة الإرهاب. وقررت تشاد أن تحذو حذو السنغال من خلال إرسال 1200 جندي إلى المنطقة الحدودية الثلاثية لمالي لدعم القوات الموجودة هناك.
وقبل عام من الآن، كان تنظيم داعش في الصحراء الكبرى هو المسيطر المطلق على الحدود الثلاثية لمالي. أما الآن فإنه يوجد في حالة من الضعف والتقهقر جعلته يضطر للجوء إلى بوكو حرام النيجيرية للحصول على الدعم بالمقاتلين. وتم إضعاف تنظيمي “القاعدة” و”داعش” بشكل كبير لدرجة أنهما أُجبرا على تجنيد المدنيين والأطفال، كما فعلت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”. ويُلاحظ أن بعض هجمات عملية “برخان” كانت مثل التدخلات الجراحية الدقيقة الموجهة لاستهداف رؤوس المجموعتين، ما تسبب في مشكلة كبيرة داخل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
دعاية خاصة لتجنيد الأطفال
تسمح لنا التحليلات الدعائية، حسب نوعها، بمعرفة حالة الجماعات الإرهابية. ففي بيان جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة للقاعدة المنشور بتاريخ 31 يناير/ كانون الثاني الماضي، لجأوا إلى دعاية التماسك من أجل رصّ الصفوف. وتم توظيف البيانين التاليين رقمي 165 و166 الصادرين في 24 فبراير/شباط الماضي لمحاولة تشويه سمعة بعثة الأمم المتحدة “مينوسما” وفرنسا وتشاد، وتقديم الجماعة الإرهابية على أنها البديل الوحيد للسلام في منطقة الساحل. ونلاحظ في البيان رقم 167 المنشور بتاريخ 24 فبراير/شباط أنه يواصل مهاجمة فرنسا وبعثة “مينوسما”، لكنه يستخدم، بشكل لا شعوري، عبارات من قبيل “المجاهدون” و”العمليات” و”الإخوة”، وهو ما يوحي إلى أن هذا البيان يحتوي على دعاية للإقناع والتجنيد، ولعل إحدى العلامات الدّالة على ذلك هي أن جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” تقوم بتجنيد الأطفال وتدريبهم وإعدادهم لشن هجمات إرهابية في مالي.
فرنسا والجزائر و”القائد الجديد”
أعلنت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” في 14 يناير/كانون الثاني الماضي أن مواجهتها مع فرنسا تقتصر على مالي ومنطقة الساحل. في حين أن القاعدة لا تعرف حدوداً ولا أعلاماً؛ إذ كان زعيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يركز على مالي والجزائر.
وعندما يتوجّه الزعيم الجديد للقاعدة إلى الجمهور الجزائري، فإنه يستخدم نبرة أبوية مختلفة عن تلك المستخدمة في مالي. وتوضح لنا هذه التفاصيل أنه لا يزال يريد استعادة مساحته المفقودة في الجزائر. شيئاً فشيئاً تتضح لنا نواياه الحقيقية فيما يتعلق بالحراك الجزائري التي كان يخفيها بداخله، وهي التي تتطابق مع وجهة نظر الإخوان المسلمين. وأوقف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عملياته في الجزائر منذ بدء الاحتجاجات، مع العلم أنها قد تكون فرصته الأخيرة للبقاء داخل الجزائر.