الصومال اليوم – القاهرة
لم تعد القاهرة تخفي قلقها من التمدد التركي في دول الساحل كونه يأتي ضمن خطة لتطويقها والحد من نفوذها التقليدي في أفريقيا. وبدأت أنقرة نشاطها المهدد لمصالح مصر وأمنها بليبيا وهي تتوسع نحو تشاد وبقية دول الساحل، ما اضطر القاهرة إلى التحرك لإحياء علاقاتها في المنطقة والسعي لتحجيم النفوذ التركي المتصاعد.
وقام رئيس جهاز المخابرات العامة المصري اللواء عباس كامل، الاثنين، بزيارة سريعة إلى تشاد، على رأس وفد أمني بحث خلالها دعم التعاون بين البلدين وتطورات مكافحة التنظيمات الإرهابية في القارة الأفريقية وتحجيم التمدد التركي في بعض دولها.
وضاعفت القاهرة من دفة اهتمامها الأمني بأفريقيا ومنحت دول تجمع الساحل المعروف بـ”G5″ اهتماما أكبر لتضييق الخناق على عناصر إرهابية زجت بها تركيا في ليبيا. وبعد الشروع في تسوية سياسية للأوضاع في ليبيا وضعت أنقرة نصب عينيها توجيه مجموعات مسلحة تتلقى دعما منها إلى حدود تشاد، والاستفادة من الفراغ الأمني هناك انتظارا لاستقرارها أو تسريب عناصرها لدول مختلفة.
وفرضت هذه التطورات على مصر زيادة وتيرة التنسيق الأمني والاستخباراتي مع دول الجوار الليبي، وفي مقدمتها تشاد التي تسلمت منتصف فبراير الماضي رئاسة دول تجمع الساحل.
وأكد الخبير الإستراتيجي اللواء حمدي بخيت أن القاهرة تدرك خطورة تواجد تنظيمات إرهابية حول حوض بحيرة تشاد الذي أصبح مرتعا ونقطة تلاقٍ وتحرك لميليشيات بوكو حرام في نيجيريا ومنها إلى تنظيم داعش في كل من مصر وليبيا ومتطرفين في غرب السودان، وتعمل مصر على قطع صلات هذه التنظيمات ببعضها البعض وتضييق الخناق على تحركاتها في المنطقة.
وأضاف بخيت في تصريح لـ”العرب” أن قدرة الأجهزة المصرية على مساعدة دولة تشاد لتحسين أوضاعها الأمنية مقدمة للتعامل مع التنظيمات الإرهابية في دول الساحل الخمس التي تشكل تهديدا للكثير من الدول الأفريقية.
وأشار إلى أن هناك هدفا مصريا يرتبط بمحاولة تنسيق الجهود لإنشاء قوة عسكرية مشتركة في تلك المناطق، غير أن حالة الهشاشة الأمنية التي أصابت بعض الدول أرخت بظلال سلبية على دخول الفكرة حيز التنفيذ.
وشكلت دول الساحل قوة أمنية مشتركة عام 2017، لكنها عانت من مشكلات في نقص الأموال وسوء المعدات وعدم التدريب غير الكافي، وهي تحاول الوصول إلى خطة لنشر وحدة عسكرية في نقطة تلاقي الحدود الثلاثية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ومن المتوقع أن يتشكل عتادها الرئيسي من الجيش التشادي، وهو الأكثر قوة بين جيوش دول الساحل الخمس، الأمر الذي تدعمه القاهرة.
وتسعى الأجهزة الأمنية المصرية لقطع الطريق أمام الهيمنة التركية على تلك القوة وتوفير الدعم المعلوماتي للدول الخمس، حيث قررت أنقرة توفير دعم منذ حوالي عامين بخمسة ملايين دولار لتمويل تشكيل القوة الأمنية المشتركة، أملا في الإمساك بمفاتيحها.
ولا تنفصل المقاربات المصرية نحو تشاد والدول الخمس عن مجابهة تنامي نفوذ أنقرة في دول الساحل، حيث تضعها تركيا ضمن أجندتها التي تسعى لتمريرها من خلال حضورها في غرب ليبيا ومنه تريد الوصول إلى جنوبها.
وقال مستشار أكاديمية ناصر العسكرية بالقاهرة اللواء نصر سالم إن مصر تتعامل مع التمدد التركي في أفريقيا بطرق غير مباشرة، وتقدم يد العون والحلول الفنية والمعلوماتية للدول التي تعاني من استمرار تدفق الدعم على العناصر الإرهابية، وتبني خططها على المواجهات الاستباقية وتشكل طرفا مبادرا.
وأشار سالم في تصريح لـ”العرب” إلى أن القاهرة تحرص على التواصل مع دول الساحل الخمس من خلال تبادل زيارات الوفود الأمنية أو عبر تدريب القوات بشكل مستمر.
وتبرهن زيارة كامل أن القاهرة تسعى للمضي في تنفيذ خطتها لمنع تسرب إرهابيين من ليبيا إلى مناطق تشهد أوضاعا رخوة تساعدهم على البقاء أطول فترة ممكنة، وتعمل على مجابهة هؤلاء خارج حدودها قبل أن يشكلوا تهديدا مباشرا لها.
وجاءت زيارة مدير المخابرات بعد يوم من عقد وزراء الدفاع بدول مجموعة الساحل الخمس (تشاد، موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينافاسو) اجتماعا الأحد في العاصمة التشادية انجامينا بهدف اتخاذ قرارات في مجال التخطيط العملياتي واستخدام الوسائل الجوية للتصدي للتهديدات في المنطقة.
ودخلت القاهرة على خط الاهتمام الأمني بالتعامل مع التهديدات مبكرا، وتوظيف انخراطها في تدريب وتأهيل العناصر الأمنية والعسكرية لتلك الدول للاتجاه نحو المزيد من التنسيق الاستخباراتي، وسط تقارير تتحدث عن تزايد حضور تنظيم داعش الذي دشن بؤرا له في منطقة الصحراء الكبرى.
وقال عضو المركز القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف (رسمي)، ومدير المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، العميد خالد عكاشة إن “زيارة كامل ركزت على كيفية تنسيق الجهود لتأمين المثلث الحدودي المصري السوداني الليبي، والتعاون مع دول الجوار معلوماتيا لرصد حركة التنظيمات الإرهابية والتعامل معها”.
وأوضح عكاشة في تصريح لـ”العرب” أن “الطبيعة الجغرافية لهذا المثلث تتيح للعناصر الإرهابية قدرة على المناورة واختراق أجهزة حرس الحدود وغيرها من منظومات الدوريات المختلفة التي تسيّرها تلك الدول”.
ودرجت عناصر إرهابية على الفرار من هذا المثلث والتنقل بين دول تشاد ومالي والنيجر، وهي دول فاعلة ومحورية في تجمع الساحل، تواجه أزمة عميقة في التصدي للمتطرفين من عابري الحدود.
وعلمت “العرب” أن هناك رغبة متصاعدة من قبل دول شمال القارة الأفريقية، على رأسها مصر وتونس والجزائر، في التعاون على مجابهة الإرهاب، انطلاقا من دول الساحل التي تمثل هدفا للكثير من الجماعات المتطرفة.
وأسست مصر المركز الإقليمي لمُكافحة الإرهاب لتجمع الساحل والصحراء بالقاهرة في يونيو 2018 بغرض صياغة إستراتيجيات علمية لمكافحة الإرهاب، واستضاف عددًا من التدريبات لقوات من دول التجمع، وشهد منذ ذلك الحين فعاليات متعددة لتنسيق الجهود وتعزيز التعاون على مواجهة تحديات الإرهاب.
وأشار خالد عكاشة إلى أن التصدي لرغبة التنظيمات الإرهابية في نقل كثافتها القتالية إلى دول الساحل واستغلال حالة السيولة يحتاج إلى تعاون أمني مكثف وجمع وتحليل معلومات وتقديم مساعدات لوجستية لتلك الدول، بما يسهم في مجابهة الأخطار.
ورجح عكاشة في تصريح خاص لـ”العرب” أن تكون زيارة رئيس المخابرات المصرية ناقشت سبل التوافق لعقد المزيد من تدريبات الجيوش الوطنية لدول التجمع في القاهرة خلال الفترة المقبلة.
وذكرت مصادر أمنية لـ”العرب” أن اللواء عباس كامل، وبهدف دفع التشاد إلى المزيد من التعاون، حمل معه معلومات بشأن خارطة انتشار بعض التنظيمات المتطرفة والأماكن التي تنشط فيها، وتلك التي يمكن أن تصل إليها، وهي تنظيمات تربطها علاقات جيدة مع تركيا.
وتُجري القاهرة تنسيقًا أمنيًّا مع دول الساحل الخمس وتقدم مساعدات لوجستية، وتعقد اجتماعات دورية وتدريبات مشتركة باستمرار، وتقدم منحا دراسية لطلاب دول الساحل بالكليات العسكرية، وتحرص على المساهمة في تطوير القدرات الأمنية.
ويقول خبراء عسكريون إن القاهرة لديها معلومات بشأن اتساع شبكات تهريب البشر والأسلحة والمخدرات بين حدود دول تجمع الساحل، وهي المداخل التي تستخدمها التنظيمات المسلحة في إقليم الساحل كمصدر للتمويل، وقد استغلت الصراع الدائر في ليبيا لتحويل مناطقها الجنوبية إلى ملاذ لتجميع القوات والانطلاق إلى دول الساحل.
*صحافي مصري