الصومال على فوهة بركان والمعارضة تعول على روبلي
يوما بعد يوم، يتعقد المشهد السياسي في الصومال ويتسع الخلاف بين السلطة والمعارضة، لكن المعارضة تعول على “الرجل الثاني” لبناء الثقة.
وتعقد المشهد في الصومال وتجمدت المواقف بعد تمسك الرئيس محمد عبد الله فرماجو بالسلطة رغم انتهاء ولايته الدستورية في 8 من فبراير/ شباط الماضي، وتسببه في أحداث عنف بعد استهداف مسيرة لمرشحي الرئاسة في الـ19 من نفس الشهر.
تلك المواقف وغيرها، خلقت حالة من فقدان الثقة بين المكونات المختلفة للمشهد السياسي، سواء معارضة أو حكومة، لكن المعارضة تعول على لعب ثاني شخصية في النظام، رئيس الوزراء، محمد حسين روبلى، دورا في بناء الثقة والتوافق للخروج من الأزمة الحالية.
معادلة معقدة
وبصفة عامة، تستند المعادلة السياسية في البلاد حاليا إلى 3 مكونات رئيسية هي: الحكومة الفيدرالية، والولايات، ومجلس اتحاد مرشحي الرئاسة.
لكن هذه المكونات الثلاث تكون في الواقع معسكرين رئيسيين، الأول يضم السلطة؛ أي الرئاسة والحكومة وثلاث ولايات موالية، والثاني يضم مجلس مرشحي الرئاسة وولايتين معارضتين هما جوبلاند وبونتلاند ويشكل المعارضة.
ويضم مجلس اتحاد مرشحي الرئاسة 14 مرشحا من أبرز عناصر النخبة السياسية في البلاد، وتأسس في 20 من نوفمبر/تشرين الثاني لمنع فرماجو من “اختطاف السلطة”.
محور الخلاف
يتمثل الخلاف الرئيسي بين السلطة والمعارضة في البلاد في عدم التوصل إلى توافق نهائي حول اجراء الانتخابات، وتحديد آليات توافقية نزيهة وشفافة لتنفيذ اتفاق سياسي حول عقد الانتخابات أبرم بين فرماجو ورؤساء الولايات الإقليمية في 17 من سبتمبر/أيلول الماضي في مقديشو.
ووضع الاتفاق أسس رئيسية للانتخابات، وخاصة اجرائها عبر الاقتراع غير المباشر، حيث يختار مندوبون نواب البرلمان الذين يختارون بدورهم رئيس البلاد. لكن الاتفاق لم يضع نهاية للخلافات حول تمثيل الولايات في البرلمان وغيرها من القضايا.
وتتمثل القضايا الخلافية بين معسكري السلطة والمعارضة في عدم وجود ضمانات حول نزاهة الانتخابات، إذ تتهم المعارضة معسكر الرئيس بزرع عناصر أمنية وعدد من أنصاره وموظفي الحكومة في لجان الانتخابات، ما يفقدها الحيادية والاستقلالية.
وثاني الملفات الخلافية هي قضية غدو، وهي محافظة تقع جنوب الصومال وتتبع إداريا ولاية جوبلاند المعارضة لفرماجو.
ومن المقرر أن تجرى الانتخابات في هذه المحافظة على 16 مقعدا نيابيا، ويتمسك فرماجو بإدارة الانتخابات حول هذه المقاعد دون أي سند قانوني بينما ترفض ولاية جوبلاند تدخل فرماجو في إدارة الانتخابات في المقاعد النيابية المخصصة للولاية.
ويتمسك فرماجو بموقفه حيال مقاعد غدو، وينشر قوات الحكومة الفيدرالية في المحافظة، لأن هذه المقاعد حاسمة في التصويت لاختيار الرئيس القادم للبلاد.
أما ثالث النقاط الخلافية فتتمثل في قضية إدارة الانتخابية في أرض الصومال، وهي منطقة تتمتع بحكم ذاتي في شمال الصومال وتسعى للانفصال منذ أكثر من ثلاثة عقود، ويرفض الصومال ذلك جملة وتفصيلا.
وترفض أرض الصومال سياسة فرض الأمر الواقع ولا تقبل أي محاولات من مقديشو لفرض إرادتها السياسية في مناطقها.
كما أن سياسيي هذه المنطقة منقسمون ما بين مؤيد للانفصال ومتمسك بالوحدة، لذا يمثل منطقة شمال الصومال في الحكومة الفيدرالية رئيس مجلس الشيوخ عبدي حاشي عبدالله، ونائب رئيس الوزراء مهدي غوليد خضر.
وهناك خلاف بين الرجلين حول من يدير الانتخابات في “أرض الصومال” على 56 مقعدا نيابيا سيمثلون المنطقة في البرلمان الصومالي.
ويتمسك رئيس مجلس الشيوخ بأحقيته في تعيين لجنة لإدارة الانتخابات، لكن نائب رئيس الوزراء يرى أن الحكومة هي صاحبة السلطة لتعيين اللجنة. وتدعم المعارضة الصومالية حاشي عبد الله، فيما تدعم السلطة غوليد خضر، ما جعل القضية عصية على الحل حتى الآن.
ثقة مفقودة
بعد أن انتهت ولاية فرماجو رسميا وشهد الشارع أحداث عنف وتجاهلت السلطة الدعوات الدولية للتوافق مع المعارضة، باتت انعدام الثقة هو المشكلة الأكبر في المشهد السياسي الصومالي.
وإثر ذلك، تحرك ممثلو الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وعدد من السفراء الأوروبيين وعقدوا جلسات مع الحكومة والمرشحين الرئاسيين وولايتي جوبلاند وبونتلا، وطالبوا كل الأطراف بالانخراط في الحوار.
ورغم اقتناع أطراف المشهد السياسي بمبادرة الحوار، تجدد الخلاف حول من يقود الحوار، إذ تمسكت المعارضة بإدارة رئيس الوزراء محمد حسين روبلى، للحوار، لأن ولاية فرماجو انتهت وفقد الجميع الثقة فيه.
كما فرض تيار المعارضة شروطا للحوار السياسي أبرزها ضمان المجتمع الدولي التزام الحكومة بتنفيذ مخرجات أي أتفاق مقبل حول الانتخابات، وعقد مؤتمر الحوار في مكان محايد في مقديشو؛ مثل مجمع حلني الدبلوماسي، وهي منطقة السفارات الأجنبية المؤثرة في البلاد، وتحت تأمين قوة محايدة يمكن أن تكون بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال.
لماذا الثقة في روبلي؟
يثق معسكر المعارضة في رئيس الوزراء الصومالي لأنه قدم اعتذارا لمرشحي الرئاسة بعد أحداث العنف الأخيرة، وتعهد بالسماح بمظاهرات المعارضة السلمية المنددة ببقاء فرماجو، بل وتأمين القوات الحكومية لها.
كما أن روبلي ليس مرشحا للرئاسيات القادمة، ما يدفع الأطراف المختلفة للثقة فيه، ويحظى بصفة قانونية في الدستور الصومالي، إذ يعهد إليه الدستور بتصريف أعمال الحكومة وإدارة المرحلة الانتقالية؛ وهي شرعية دستورية يعترف بها تيار المعارضة، فيما لا يمتلك فرماجو أي صفة قانونية.
أما رابع أسباب الثقة في روبلي فتتمثل في الضغوط الدولية التي تمارس عليه للعب دور قيادي في إدارة المرحلة الانتقالية، والجلوس مع الجميع والتوصل لتفاهمات تمهد للقبول بنتائج العملية الانتخابية سواء الانتخابات التشريعية أو الرئاسية.
التحدي الأكبر
لكن يتمثل التحدي الأكبر أمام ثقة المعارضة في روبلي والتي يمكن وصفها بـ”الحذرة”، في مدى تمكنه من استغلالها في تقريب وجهات النظر بين أطراف المشهد السياسي وبناء أرضية مشتركة وإعادة بناء الثقة، إلى جانب منع فرماجو من استخدام الأرضية المشتركة وأي تفاهمات حول العملية الانتخابية في حملته الدعائية، وكأنه هو من حققها.
وقبل أسبوعين، تعرض متظاهرون بقيادة عدد من المرشحين الرئاسيين لإطلاق نار قرب مطار مقديشو، ما اعتبره معارضون محاولة اغتيال من قبل فرماجو.
ويحاول فرماجو المنتهية ولايته في 8 فبراير/شباط الجاري إلغاء المظاهرات ونشر المئات من عناصر الأمن في مقديشو، لفرض إغلاق شامل يمنع المواطنين من الخروج إلى الميادين للمظاهرات.
وأعلنت المعارضة عدم اعترافها بفرماجو رئيسًا شرعيا للبلاد، وتصر على تنظيم المظاهرات التي تطالب بإخراجه من القصر وتنظيم انتخابات عامة نزيهة وشفافة بأقرب وقت ممكن.