يشهد الصومال حالة احتقان شديد بعد أن فشلت أطراف الحكومة الفدرالية والولايات في إنهاء خلافاتهم وتطبيق النظام الانتخابي الذي اتُفق عليه في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، والتوجه إلى عملية الاقتراع لانتخاب أعضاء برلمان جدد ورئيس يقودون البلاد السنوات الأربع القادمة.
فقبل 10 أيام تقريبا اجتمعت في بيدواه غرب مقديشو لجنة فنية تضم الحكومة والفدرالية والولايات بمساعدة المجتمع الدولي والأمم المتحدة، وبعد مباحثات شاقة استمرت يومين نجح ممثلو الطرفين في تجاوز العقبات الرئيسية ونقاط الخلاف، والتوصل إلى صيغة توافقية كان من المفروض أن يوقع عليها قادة الطرفين رسميا في مقديشو 19 من فبراير/شباط الجاري ليعقبها تحديد موعد الانتخابات.
لكن في نفس اليوم شهدت مقديشو مظاهرات ضد الرئيس محمد عبد الله فرماجو نظمها اتحاد مرشحي الرئاسة، بحجة أنه رئيس غير شرعي انتهت ولايته في الثامن من الشهر الحالي، وتقدم المتظاهرين رئيس الوزراء السابق حسن علي خيري وزعماء سياسيون بارزون وأعضاء من البرلمان برفقة حرسهم الشخصي.
واعتبر المحتجون أن فرماجو لم يهيئ أجواء لتنظيم الانتخابات قبل ذلك التاريخ، إلا أن المظاهرات تحولت إلى أعمال عنف بعد أن فرقتها قوات الأمن الحكومية بإطلاق الرصاص على المشاركين فيها، بدعوى أنها مظاهرات مسلحة وغير سلمية.
وأثارت هذه الواقعة مخاوف وقلق المجتمع الدولي الذي اعتبر أن ما يحدث تطور خطير قد يعيد البلاد إلى المربع الأول من الفوضى، ودعا الصوماليين إلى التهدئة وإنهاء خلافاتهم بالحوار وسرعة إجراء الانتخابات.
العقبة الرئيسيةإضافة إلى ذلك فإن سعيد دني وأحمد مدوبي رئيسيْ ولايتي بونتلاند شمال شرق البلاد وجوبالاند (جنوب) امتنعا عن الحضور إلى مقديشو للمشاركة في مناسبة التوقيع على مخرجات اجتماع بيدواه، بذريعة أنهما يشكان في جدية الرئيس في تطبيق ما اتفق عليه.
وبيّن الطرفان أنهما غير مطمئنين للحالة الأمنية في مقديشو، ولذلك اشترطا وجود مكان محايد وآمن وجهة ضامنة.
ويرى المحلل السياسي حسن محمد حاجي أن هذه الذرائع غير منطقية، وقال إن ممثليْ ولايتي بونتلاند وجوبالاند كانا جزءا من اللجنة الفنية التي صاغت مخرجات بيدواه، مشيرا إلى أنهما لم يطرحا هذا على الطاولة رغم أن الحكومة وقادة الولايات أظهروا جاهزيتهم لتطبيق الاتفاق والتوقيع عليه.
ويمثل إصرار المسؤولين الاثنين على عدم اللحاق بالركب، وتجاهلهما الدعوات المتكررة للمجتمع الدولي إلى سرعة تطبيق مخرجات اجتماع بيدواه، العقبة الرئيسية الوحيدة التي تعترض طريق الحل الذي يساعد في كسر حالة الجمود في المسار السياسي، حيث إن استمرارهما في هذا العناد يضر مصلحة البلاد وفق حاجي.
تسوية سياسيةغير أن المحلل السياسي محمد عبدي الشيخ يرى أن التوصل إلى تسوية سياسية، بشأن الانتخابات، مطلب وطني وضرورة ملحة في هذه المرحلة الصعبة.
وبيّن أن حالة الاحتقان والتوترات السياسية والأمنية قد تولدت من تأجيل مواعيد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في توقيتها المحدد، لذلك فإن الخروج من المأزق الذي وصل إليه المسار الانتخابي يتطلب إيجاد حلول توافقية بين الأطراف الصومالية.
واعتبر الشيخ أن تقديم تنازلات حقيقية أمر أساسي، لا سيما من الطرف الحكومي الذي لا يزال بيده السلطة إلى جانب كونه طرفا فاعلا في إدارة الترتيبات الانتخابية.
وأشار إلى أنه إذا لم تتحقق هذه التسوية فإن البديل هو نسف العملية السياسية والعودة إلى الفوضى والعنف، واللجوء إلى قوة السلاح كخيار لتحقيق الطموحات الشخصية، وهي تجربة عاش الشعب فصولها ولا يرضى بتكرارها وإن كان حدوث ذلك أمرا مستبعدا.
أما بخصوص تنظيم مرشحي الرئاسة مظاهرات، فهي مناورات يتم استخدامها ورقة ضغط على الحكومة والرئيس فرماجو بالتحديد، على أساس أن المؤسسات الدستورية انتهت ولايتها، مما يوجب في نظرهم توسيع دائرة المشاركة في مباحثات المسار الانتخابي لتشمل المعارضة السياسية والمجتمع المدني، في حين يقتصر الأمر الآن على الحكومة والولايات.
حالة الانفراجويلوم الشيخ دور المجتمع الدولي الذي لا يتعدى كتابة بيانات لا تقدم ولا تؤخر دون ممارسة ضغوط، ودون إشارة إلى الجهة المتسببة في تعثر المسار الانتخابي.
غير أن فرحان إسحاق يوسف الباحث لمركز الأجندة العامة للدراسات يرى أن دور المجتمع الدولي مراقب وممول للعملية السياسية، التي هي ملك للصوماليين.
وبيّن أن المجتمع الدولي يعطي للصوماليين الحرية في تقرير مصير بلادهم السياسي، ولا يريد أن يظهر كسلطة تفرض عليهم أجندات سياسية معينة وتملي عليهم أوامر.
ويؤمن يوسف بأنه كلما اشتدت الأزمة كانت أقرب إلى طريق الحل، إذ لا يمكن السير إلى الطريق المسدود طويلا.
ويعتقد أن حالة الانفراج قريبة فيما يتعلق بالجمود الذي يشهده المسار الانتخابي، إما من خلال مبادرات من حكماء صوماليين أو تنازلات تقدمها الأطراف المعنية، واعتبر أن ضغط المجتمع الدولي سيأتي كحل أخير منعا من أن يتدهور الوضع إلى المواجهة والعنف.