تحول الخطاب السياسي الصومالي في الآونة الأخيرة خطابا شعبويا يهتم في تجييش الشارع أكثر مما هو طرحا العقلانيا، وسبب ذلك يعود إلى المحاولة الحكومية لإسكات الأصوات المخالفة منذ البداية، واستخدامها ما يسمى بالقوات الوطنية التي بدورها استطاعت سيطرة شبكات التواصل الاجتماعي بصورة مثيرة جدا، وهذا كان كفيلا في تسميم الأجواء السياسية في البلد.
الخطاب الشعبوي
ومن يتابع في هذه الأيام خطابات المعارضة ومطالباتهم يجد فيها الخلط بين الخطاب السياسي والشعبوي الذي يصل في بعض الأحيان إلى إحياء القبلية المقيتة، ومن الصعب فهم هذا النوع من الخطاب أن يصدر ممن يسعى إلى أعلى منصب للبلاد!، ولا ينقضي عجبي أن أرى من كان ينتسب إلى صفوف الحركات الاسلامية وسمع الحديث الشريف: “دعوها فإنها منتنة”، وإنها “من أمر الجاهلية”، ثم يتكئو عليها اليوم لينال بها كرسي الحكم!، وبدعوى أن الفريق الحكومي استخدم وطنية مصطنعة، هل اذا كان الفريق الآخر سبقك إلى المعالي تخلد إلى الأرض.
ولله در الشابي حين قال:
ومن يتهيب صعود الجبال+ يعش أبد الدهر بين الحفر
خطاب المفاصلة:
الخطاب الأخير لرئيس بونتلاند سعيد عبد الله دني كان خطابا مختلطا بين السياسي والشعبوي، وقد حمل الكثير من الرسائل السياسية الموجه للداخل والخارج فضلا عن المعلومات المتعلقة بالخلافات السياسية بين الحكومة الفدرالية والمعارضة السياسية.
وقدم توضيحات وصلت حد الفضح فيما يتعلق بالخلاف بين المعارضة ورئيس البلاد وبصراحة نادرة، ولكنه دمج فيها بين الشخصي والسياسي وبين الحكاية الشعبية والمعلومة، كان من المستحسن أن يبتعد عن الخوض في الأحاديث الخاصة؛ لأن حديث المجالس له حرمته ومن باب “إن للمجالس أمانانات”، وهذا لا يمنع أن يترافع سياسيا ويرفع عن نفسه الحيف والاتهامات التي لحقته من غريمه السياسي، وذلك من باب “إن لصاحب الحق مقالة”، ولكن التمادي في ذكر أحاديث المجالس أفقدت الخطاب حيويته وبريقه السياسي، حسب رأيي.
ومع هذا فإنني أحيي الرجل على صراحته التي بينت لنا بعض المشكلات التي يعانيها البلد في السنوات الأخير، وعلى رأسها مشكلة الانحراف عن الخط التداولي للسلطة الذي كان استكمالا لمسيرة المصالحة الوطنية الهشة، والتشبث بالحكم حتى يتأكد صاحب الكرسي عودته.
ومن المؤكد أن محاولة العسكرة التي أشار إليها لم تكن خافية على المتابعين ولكنه قال بصوت عال ما كان تخمينا وأكد لنا توقعات المحللين من سياسة الفريق الحاكم، وهذا هو الذي يجب التحذير منه حتى لا يعود بنا الزمن إلى الوراء!.
وهذا التحذير موجه إلى هؤلاء المتحمسين الذين يحاولون قراءة التاريخ للإحتجاج بدلا من الاتعاظ، وكثيرا ما نسمع من بعض أنصاف المتعلمين ومن أصحاب الحناجر الفارغة، أن الذي يحدث اليوم قد فعله هذا وذاك، وهذا يؤكد لنا عمق أزمتنا الثقافية، وعلينا أن نفهم أن الأخطاء التاريخية للآخرين لا تصلح للإحتجاج السياسي اذا أردنا أن نتحرك إلى الأمام.