شهدت العاصمة الصومالية مقديشو في الأيام الماضية تصعيداً غير مسبوق، حول ملف الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، الذي تجاوز المدة الزمنية المتفق عليها، وهو ما أدى إلى خروج تظاهرات يقودها ائتلاف مرشحي الرئاسة، ونتجت عنه اشتباكات مسلحة بين حماية المرشحين، وعناصر أمنية حكومية، ليستكمل مسلسل الخلل الأمني المستجد، الذي أدى إلى خسائر مادية وبشرية، مرشحة للزيادة مع استمرار حالة الاستعصاء التي دخلتها العملية السياسية في البلاد.
وفي حين اتجه قادة المعارضة إلى اتهام حكومة الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو، بمحاولة قتل كل من الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد، والرئيس السابق حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء السابق حسن علي خيري، والرئيس السابق لولاية “غلمدغ” عبد الكريم حسين غوليد، إضافة إلى الوزير السابق عبد الرحمن عبد الشكور، ورسمه رئيس حزب “ودجر”، ليلة الجمعة ونهارها 18 و19 شباط (فبراير) الحالي، فقد آثر فرماجو الصمت، كعادته حين يحتدم الجدل السياسي.
التوتر القبلي في الأفق
انتماء المرشحين الرئاسيين إلى كتلة قبلية واحدة، وتعالي الخطاب القبلي المتشنج، الموجه من أولئك الساسة إلى أكبر المكونات القبلية الصومالية، وصاحبة النفوذ الاقتصادي والاجتماعي في جنوب البلاد، خصوصاً العاصمة الصومالية مقديشو، يرشح الأوضاع إلى بلوغ مرحلة اللا عودة، في حال استمرار فشل الحكومة في التوصل إلى حوار مع الأطراف المعارضة، خصوصاً أن قوة العناصر المعارضة تزداد بازدياد الأخطاء التي ترتكبها حكومة الرئيس فرماجو، والمماطلة المستمرة في وضع خطوط حل واضح، يضمن تنازلات واضحة من الحكومة المنتهية ولايتها.
لذا فإن اندلاع مواجهات مسلحة بكل أنواع الأسلحة، أمر ممكن الحدوث في مناطق التماس القبلي، ضمن الأرياف على امتداد ولايات ومحافظات متعددة، وكذلك مناطق تمركز الحضور الحكومي والقوى الأمنية التابعة لها، سواء في مناطق السيطرة الحكومية داخل العاصمة الوطنية، أو عواصم الولايات التي تنتمي إليها رموز المعارضة، أو تجد تأييداً لها فيها.
خطاب حكومي غير موفق
وفي محاولة لتدارك الأمر، وشرح وجهة النظر الحكومية، خرج رئيس الوزراء محمد حسين روبله في خطاب مكتوب وموجه للشعب الصومالي، معتبراً أنه “من المؤسف أن يخرج شخص يدعي استيلاءه على العاصمة، وينفي وجود أي وجود للحكومة فيها، وذلك أمر مستقبح ما دامت هنالك في البلاد دولة مستقلة، وذات سيادة، كما أنه من المؤسف أن تتعرض قواتنا الوطنية الباسلة للهجوم المسلح حينها، ومن هنا أود أن أدعو الشعب الصومالي للحفاظ على وحدته، وأود أن أخبر سكان مدينة مقديشو، أن أهداف – أولئك الأشخاص – كل ما من شأنه إزهاق أرواحكم، وتبديد ثرواتكم، وهدم بيوتكم، وأنا شاكر لكم جهودكم التي بذلتموها، في إظهار عدم تأييدكم لكل ما هو ضار بوحدتكم وأرواحكم وأموالكم وممتلكاتكم”.
وقد تعمد رئيس الوزراء إظهار استعداده لاستقبال كل من لديه شكوى أو تظلم حول قضايا شتى، متعمداً إظهار شخصه ومنصبه مسؤولاً عن حل الإشكالات القائمة، على الرغم من ترسخ اعتقاد عام، بكونه غير ذي صلاحية أمام السلطات الشاملة للرئيس، وهو ما ظهر لدى الإقالة المفاجئة وغير المبررة لسلفه “خيري”، لذا اعتبرت دعوة “روبله” للمعارضة والمتظلمين للحوار معه، محاولة من الرئيس “فرماجو” لاستخدامه مجرد حائط صد، لحين يتمكن الرئيس من إيجاد مخرج من الأزمة التي تسبب بها، نتيجة لتباطئه عن الالتزام بأجندة الاستحقاق الانتخابي من جهة، وتعمده الإخلال بالتقاليد السياسية اللازمة لتمرير الاتفاق على حكومة تسيير الأعمال.
شكوك حول تدخل أجنبي
تكرر حديث أطراف موالية للحكومة المنتهية ولايتها، عن وجود أيادٍ أجنبية تتعمد دعم تحركات المعارضة، ما أدى للوصول إلى هذه الدرجة من التصعيد والمواجهة، وقد اتسعت دائرة أصابع الاتهام الحكومي للأطراف الخارجية، عبر تجاوز الإشارة إلى التدخل الكيني في الأزمة السياسية، من خلال نشر وثائق وخرائط منسوبة للحكومة الكينية، يظهر فيها ادعاء الحكومة الكينية السيادة على مناطق داخل الحدود الصومالية قرب عاصمة ولاية جوبلاند “كيسمايو”، ووصلت دائرة الاتهام إلى مرحلة التلميح بتدخل دولة خليجية، في تمويل الحراك السياسي المضاد للحكومة، وضرب الاقتصاد الوطني، خصوصاً مع ظهور عملة دولار مزورة من فئة “خمسين دولاراً”، متزامنة مع الأحداث السياسية الأخيرة، وقد تسربت تلك العملة المزورة من خلال شبكات التهريب عبر الحدود الإثيوبية، من “مقديشو” إلى “هرجيسا”، وهو ما أكدته إدارة البنك المركزي الصوماليلاندي، في مؤتمر صحافي عقدته حول هذا الموضوع.