لوفيغارو الفرنسية تتساءل: هل الصومال على شفا حرب أهلية؟
قالت صحيفة لوفيغارو (Le Figaro) الفرنسية إن الانتخابات التي كانت مقررة في فبراير/شباط الجاري في الصومال أرجئت إلى أجل غير مسمى، مما يثير مخاوف من عودة الصراع المسلح في هذا البلد، الذي لم تعد له حكومة شرعية حقيقية.
وفي تقرير بقلم تانيي بيرتيمي، قالت الصحيفة إن فشل اجتماع الثامن من فبراير/شباط الجاري في التوصل إلى حل وسط لإجراء الاقتراع في التاريخ المقرر، يعني أن الأمور لا تسير كما هو مأمول، خاصة بعد التوصل إلى إجماع في سبتمبر/أيلول الماضي على نظام التصويت.
غير أن تعثر تطبيق النص الذي أدى إلى التأجيل الأول للانتخابات التي كانت مقررة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أدى إلى التعثر أيضا في التفاصيل الأخيرة، مما أثار الخلاف بين الحكومة الفدرالية الموجودة في مقديشو، التي أظهرت سوء نية -كما يقول الكاتب- وبين المعارضة وحكومات الولايات، بما في ذلك بونتلاند وجوبالاند المتمتعتان بحكم ذاتي.
وقال عمر محمود، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، إن “هذا الفشل يرجع بشكل أساسي إلى انعدام الثقة بين السياسيين الصوماليين المختلفين”، حيث يرى الرئيس محمد عبد الله محمد -المعروف باسمه المستعار فرماجو- أن انتهاء ولايته في الثامن من فبراير/شباط يمنحه الحق في الاستمرار في تولي المنصب حتى انتخاب رئيس جديد، في حين لم يعد القادة السياسيون للمعارضة يعترفون بشرعيته، وأصبحوا يطالبون بتشكيل حكومة مؤقتة.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن البرلمان الفدرالي انتهت ولايته هو الآخر منذ ديسمبر/كانون الأول 2020، فذلك يعني -حسب الكاتب- أن الصومال لم تعد له حكومة شرعية حقيقية.
انقسام عشائريوقال الكاتب إن الوضع حساس، مع أنه لم يحدث شيء بعد، مشيرا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تأجيل الانتخابات، إلا أن ما كان في السنوات الأخيرة من قنوات حوار لم يعد موجودا، كما أن مستوى عدم الثقة بين الأطراف السياسية مرتفع للغاية، كما يقول عمر محمود.
ومع أن البلاد تم فيها نقل السلطة بشكل سلمي إلى حد ما منذ عام 2012، بعد الحرب والفوضى التي غرقت فيها عقب سقوط الجنرال سياد بري عام 1991، فإن “فرماجو وضع حدا لهذا التحسن في محاولته للاحتفاظ بالسيطرة وتأمين فترة ولاية ثانية”، وفقا لأحد الدبلوماسيين.
وقال مات برايدن في ورقة للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن “فرماجو وجماعته أعادوا الصومال مرة أخرى إلى حافة الانهيار المؤسسي والصراع المسلح”، وتم إحياء خطوط الانقسامات العشائرية التي لم تكن بعيدة على الإطلاق، كما يقول الكاتب.
ونبه الكاتب إلى أن قبيلة الهوية القوية والمسلحة في مقديشو، والتي تضم عددا من المعارضين تصطف ضد الرئيس وتطالب بمظاهرات من أجل رحيله، كما أن السكان لا يزالون مسلحين للغاية، بل إن الجيش الفدرالي يمكن أيضا إن ينقسم على أسس مجتمعية في حالة القتال.غير أن الانقسام العشائري لا يفسر كل شيء، خاصة أن بونتلاند وجوبالاند، حيث تهيمن قبيلة دارود التي ينتمي إليها الرئيس، يمكن أن تشكل ضغطا إلى جانب المعارضة، مما يعني أن فرماجو معزول للغاية، ولكن هذا لا يبدو أنه يدفعه للانفتاح، كما يستغرب الدبلوماسي.
المجتمع الدولي والأزمةويرى الكاتب أن المجتمع الدولي يمكن أن يكون له دور مهم في الأزمة، لأن الصومال لا يزال يعتمد على المساعدات الخارجية، من حيث الأمن في المقام الأول، حيث تضم بعثة الاتحاد الأفريقي (أميسوم) ما يقرب من 20 ألف رجل، إضافة إلى الدعم العسكري الأميركي والأوروبي، والمساعدة المالية إلى حد كبير.
ويقول الباحث في العلوم السياسية رولاند مارشال المتخصص في الصومال إن المجتمع الدولي كان عليه أن يستيقظ، لأنه من الممكن أن يجبر فرماجو على المضي قدما في الهدف الأول لولايته، وهو تطبيق الدستور الذي كلف تطويره نحو 16 مليون دولار، دفعها المانحون بشكل أساسي.
غير أن الرئيس لم يفعل أي شيء ولم يحل اللجنة الانتخابية التي انتقدت بشدة، رغم أنه تعهد بفعل ذلك، ولذلك يتعين على الاتحاد الأوروبي الذي يستثمر بدفع مبالغ كبيرة هناك أن يتصرف، ويقول مات برايدن “يجب على الاتحاد الأوروبي أن يتوقف عن الحديث عن الوضع باعتباره جمودا انتخابيا، وأن يعترف بأنه أزمة دستورية خطيرة”.
ونبه الكاتب إلى أن دول الجوار صامتة، لأن إثيوبيا غارقة في أزمتها الخاصة، والعالم الإسلامي ليس له وزن، وتقوضه خصوماته الداخلية، ولا تزال هناك الولايات المتحدة التي سامحت فرماجو فترة طويلة وتعتبره حليفا، خاصة أنه يحمل الجنسية الأميركية.
هل تستفيد “حركة الشباب”؟قد تكون حركة الشباب المجاهدين المرتبطة بالقاعدة -حسب الكاتب- المستفيد الأكبر من الوضع، بعد أن أدى هجوم أميسوم، بدعم من القوات الأميركية، إلى الحد من نفوذها منذ عام 2011، خاصة أن معدل هجماتها ارتفع بشكل واضح في الفترة الأخيرة.
وقال عمر محمود إن “حركة الشباب تستفيد لأن التوترات بين القادة السياسيين تشتت الانتباه”، ولأن أجهزة المخابرات التي كانت وظيفتها الأساسية محاربة الإرهاب، كرست نفسها في السنوات الأخيرة لمراقبة المعارضين.
وخلص الكاتب إلى أن حركة الشباب استفادت أيضا من إعادة انتشار القوات الأميركية وخروج القوات الإثيوبية التي استدعيت إلى البلاد للقتال في تيغراي، وأطلقت موجات من التجنيد وكونت مقاتلين مدربين، مما ينذر بشن هجمات جديدة.