تدرس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن خططا لاستحداث مبعوث خاص جديد إلى القرن الأفريقي لمتابعة الصراع في منطقة شرق أفريقيا، بما في ذلك الحرب الأهلية المتصاعدة والأزمة الإنسانية في شمال إثيوبيا، حسب قول مسؤولين حاليين وسابقين في السياسة الخارجية الأميركية.
ويأتي هذا الخيار في ظل تسابق دولي وإقليمي على منطقة القرن الأفريقي، تحسبا لاستثمار دول مثل الصين وروسيا وإيران وتركيا تأخر الترتيبات التي يجريها بايدن داخل وزارة الخارجية لزيادة نفوذها.
ويمكن لمنصب المبعوث الخاص الجديد أن يسد فجوة التأخير في التعيينات الدبلوماسية لإدارة بايدن التي تعمل على تعيين مسؤولين كبار آخرين في وزارة الخارجية، وهي عملية قد تستغرق أسابيع أو حتى أشهرا حتى تكتمل، لأنها تتطلب ترشيحًا من قبل الرئيس الأميركي وموافقة على المرشح من قبل مجلس الشيوخ.
أما وظائف المبعوثين الخاصين فلا تتطلب تأكيدا بالموافقة من مجلس الشيوخ، وهو ما يسهّل للمبعوث الجديد مهمة استلام ملف القرن الأفريقي مثلما استلم تيموثي ليندركينغ المبعوث الخاص إلى اليمن وكذلك روبرت مالي المبعوث الخاص إلى إيران -في مهمات عاجلة- ملفات لا تحتمل أي تأخير.
ويواجه المبعوث الخاص إلى منطقة القرن الأفريقي تحديات ومشكلات كثيرة، أهمها السودان الذي يمر بمرحلة انتقالية سياسية دقيقة بعد ثلاثة عقود تحت حكم دكتاتوري، وجنوب السودان الذي يعاني من عدم الاستقرار والفساد، وحكومة الصومال الهشة التي تكافح التهديدات المستمرة المتمثلة في “جماعة الشباب” الإرهابية.
ويضيف الخلاف المستمر بين إثيوبيا ومصر والسودان حول مشروع سد النهضة مرحلة أخرى من التعقيد إلى التوترات في المنطقة، خاصة أن الإدارة السابقة اكتفت بمتابعة هذا الملف دون أن تمارس أي ضغوط لتسهيل الوصول إلى حل مُرض للجميع.
ويقول روبي غرامر -مراسل الشؤون الدبلوماسية والأمن القومي في فورين بوليسي- إن الأزمة الأكثر إلحاحًا في نظر العديد من صانعي السياسة الأميركيين هي الحرب في إثيوبيا ومخلفات الحملة العسكرية في منطقة تيغراي شمال البلاد، والتي غلب عليها العنف العرقي وسقط خلالها الآلاف من القتلى والجرحى وبات الملايين في حاجة إلى المساعدة الإنسانية العاجلة.
ويخشى المسؤولون الأميركيون أن يتحول الصراع إلى أزمة إقليمية كاملة، مع امتداد الاضطرابات إلى إريتريا والسودان المجاوريْن.
ويبرز دونالد بوث كأحد المنافسين الرئيسيين على الوظيفة المحتملة، وهو خبير دبلوماسي محنك في المنطقة ويعمل في الوقت الحالي مبعوثا أميركيا خاصا إلى السودان، وعمل سابقا سفيرا للولايات المتحدة في ليبيريا وزامبيا وإثيوبيا.
ورحب بعض الخبراء بإيلاء القرن الأفريقي المزيدَ من الاهتمام لكنهم حذروا من اعتماد الإدارة الجديدة بشكل كبير على مناصب المبعوثين الخاصين بدل استلام وزارة الخارجية لهذه الملفات.
وقال جود ديفيرمونت -مدير برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (مؤسسة فكرية) والمحلل الاستخباراتي الأميركي السابق- “لا أريد أن نعود إلى ممارسة تعيين مبعوثين خاصين لكل مجموعة من المشاكل. غالبًا ما يتم استنزاف موارد وزارة الخارجية وسلطاتها بطرق غير منتجة. لكن في هذه الحالة الأمر ملح، ولا يوجد عدد كافٍ من المناصب رفيعة المستوى في المنطقة”.
ولم يعيّن بايدن بعدُ مرشحا لمساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، كما أن مناصب السفراء الأميركيين في إريتريا والسودان شاغرة، حيث يشغلها بالنيابة دبلوماسيون من رتب أدنى.
ولم يؤكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ما إذا كانت الإدارة الجديدة عازمة على استحداث منصب المبعوث الخاص الجديد إلى القرن الأفريقي عندما طُلب منه التعليق.
وقال المتحدث “أفريقيا تعتبر أولوية لإدارة بايدن ونائبته كامالا هاريس، ونحن ملتزمون بإعادة تنشيط علاقاتنا في جميع أنحاء أفريقيا من منطلق الاحترام المتبادل والشراكة. وهذا يشمل تعميق مشاركتنا في القضايا الصعبة الموجودة في القرن الأفريقي”.
وأشار إلى أن “الإدارة تدرس مجموعة من الخيارات لضمان أن طاقمنا -بمن في ذلك المبعوثون الخاصون- يدعم تنفيذ إستراتيجيتنا”.
ولم يتضح بعد ما إذا كان منصب المبعوث الخاص الجديد سيرفع تقاريره مباشرة إلى الرئيس أو إلى وزير الخارجية أو إلى مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية. وسوف يُنظر إلى المبعوث الخاص على أنه أكثر قدرة على التفاوض نيابة عن واشنطن، مع وجود خط مباشر بينه وبين الرئيس أو حكومته.
كما طرح البعض من خبراء الإدارة فكرة الاستعانة بمشرّع أميركي كبير سابق لتولي المنصب، قائلين إن شخصًا يتمتع بنفوذ سياسي يمكن أن يتعامل بشكل مباشر مع كبار القادة الأفارقة، بمن في ذلك قادة إثيوبيا.
وهذا حدث من قبل في عهد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، حيث قام وزير الخارجية السابق جون كيري بتعيين روس فينغولد -السيناتور الأميركي السابق من ولاية ويسكونسن- للعمل مبعوثا خاصا إلى منطقة البحيرات العظمى بأفريقيا في عام 2013. ويعود له الفضل في التوسط في عقد اتفاق سلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ومتمردي حركة 23 مارس في عام 2013.