منذ بداية العام الحالي، لم يتوقف الضغط على الإرهابيين في مالي وبوركينا فاسو لحظة واحدة.
وفي 2 يناير/كانون الثاني المنصرم، أطلقت جيوش كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر والقوة العسكرية الفرنسية “برخان”، إضافة إلى قوة من جيوش دول الساحل الخمس، عملية أُطلِق عليها اسم “الكسوف”، انتهت بقتل ما يقرب من 100 إرهابي واعتقال 20 آخرين في وسط مالي.
دارت معارك هذه العملية في غابة “سيرما”، وتمت تصفية الكتيبة المسماة باسمها، التابعة لجبهة تحرير ماسينا الموالية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين المُبايعة لتنظيم القاعدة في الساحل.
وقد تسببت الحملة في إلحاق أضرار كبيرة بهذه الجماعة، ما أجبر بعضاً من عناصرها على الفرار إلى بوركينا فاسو، ومحاصرة آخرين قرب حدود موريتانيا والسنغال. ومن بين الكتائب السبع أو الجماعات التي تُشكّل تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين، تقلصت المجموعة إلى كتيبتين فقط؛ هما أنصار الدين وجبهة تحرير ماسينا اللتان يتولى قيادتهما الزعماء الكبار لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل.
أما مجموعة أنصار الدين، التي يتزعمها إياد أغ غالي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فقد فقدت الملازم باه موسى “با أغ موسى”، أحد أهم قادتها. وحتى الآن، لم يتم تعيين خليفة له، وهو ما يؤشر إلى ضعف التنظيم وعدم قدرته على إيجاد بديل له، لأنه كان يقود أكثر عمليات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تدميراً في وسط مالي.
وإذا استمر هذا الضغط من قبل قوات مكافحة الإرهاب في المنطقة فسوف يتم إجبار جماعة أنصار الدين على التراجع شمالاً إلى منطقتها الطبيعية، أي شمال مالي، وجبهة تحرير ماسينا إلى السنغال. ومنذ شهر مايو/أيار الماضي، تم الكشف عن بدء هذه الأخيرة في الاستقرار بمنطقة كايس، التي تبعد من 40 إلى 60 كيلومتراً فقط عن حدود موريتانيا والسنغال، وهو الأمر الذي يثير بلا شك قلق سلطات هذين البلدين.
تضم كتائب تحرير ماسينا، بقيادة أمادو كوفا، في صفوفها ما بين 150 و300 مقاتل، وهي تُجيد التحرك بشكل مثالي في هذه المنطقة، لأن جميع عناصرها تقريباً ولدوا هناك. ويوجد في كل من السنغال وموريتانيا سكان من عرقية البيول، التي يمكن أن توفر غطاءً وحاضنة اجتماعية لهؤلاء الإرهابيين. وعلى الرغم من أن خطط القاعدة لم تكن للتوسع باتجاه الساحل “على عكس داعش”، فإنه إذا استمر الضغط بهذا المستوى، فقد تعبر بعض الجماعات الإرهابية الصغيرة الحدود أثناء هروب عناصرها، مع عدم وجود نية هجومية.
أحد الأدلة على أن الإرهابيين يسعون إلى البقاء في هذه المنطقة هو أنهم أصبحوا يُلقون خطباً ينشدون فيها ودّ السكان المحليين ويطلبون دعمهم، وإذا أمكن تجنيد مقاتلين من مجموعتهم العرقية، أي البيول السنغاليين. وفي 13 من يناير/كانون الثاني المنصرم، ألقى الجيش المالي القبض على 7 من كبار قادة كتائب تحرير ماسينا الذين كانوا يعملون على تجنيد أتباعهم في هذه المنطقة.
ورغم فاعلية إدارة العمليات من طرف الجيوش في المنطقة، فإن الحقيقة هي أنه منذ عام 2012 كان قتال الإرهابيين يرتكز في مناطق أطراف مالي، دون التمكّن من القضاء عليهم بشكل كلّي. وحتى الآن، عرف المقاتلون الإرهابيون كيفية التكيُّف مع الظروف، رغم أنهم مرّوا بلحظات صعبة مثل التي يمرّون بها الآن.
وأوفدت الحكومة المالية وزير الأمن والحماية المدنية، العقيد موديبو كوني، لزيارة مختلف الوحدات في منطقة كايس للوقوف على مساعي تأمين الأشخاص وممتلكاتهم.
وكان برفقة الوزير وفد كبير ضم محافظ منطقة كايس والمديرين العامين للشرطة الوطنية والدرك الوطني والحماية المدنية في مالي ورئيس أركان الحرس الوطني. وكان هدف الوزير هو إظهار دعمه للجيش وقوات الأمن، وهو ما شكّل مفاجأة، إذ لم تعتد المؤسسة الأمنية والعسكرية حتى الآن على تلقي هذا النوع من الدعم والمساندة.
وإذا كانت عملية “الكسوف” تبدو وكأنها مثل أي حملة عسكرية سابقة، فإنها على قدر كبير من الأهمية، لأنها إذا نجحت في القضاء على كتائب تحرير ماسينا، وهو أمر قابل للتحقيق الآن، لا سيما إذا تمكّن الجيش من قطع طرق التجنيد عنها، فقد يترك ذلك جماعة أنصار الدين في موقف صعب، وبالتالي إجبارها على اللجوء إلى شمال مالي، حينها لن تكون فقط في حالة انهيار وإنهاك، ولكن أيضاً بدون إمكانية لتعويض قياداتها.