كثيرا ما يختلف فى تحديد العناصر المكونة للمجتمع المدني في الصومال وهذا يعود بدوره إلى عدم وجود تعريف جامع ومانع للمجتمع المدني عموما ، إذ يكمن جزء من المشكلة في أن المجتمع المدني مفهوم ضبابي ومطاط على نحو لامناص منه ، بحيث إنه لايوفر بسهولة قدرا كبيرا من الدقة . فمصطلح المجتمع المدني إلى حدما شديد الغموض وضبابي وقابل لتفسيرات وتفسيرات مضادة تبعا لوجهة نظر الكاتب أوخلفيته الثقافية أو العلمية، ولعل ذلك يرجع بالدرجة الأولي إلى التباين الشديد ما يعد ومالايعد من ضمن المجتمع المدني وبين أهداف المجتمع المدني وغاياته . وعلى الرغم من صعوبة تحديد مؤسسات أو منظمات بعينها بأنها من المجتمع المدني دون غيرها إلا أن المعايير المتفقة عليها عالميا فى طبيعة أعمال المجتمع المدني وما يستشف من التعاريف المختلفة للمجتمع المدني من ِشأنها أن تحدد العمل المدني ومؤسساته بكل سهولة ويسر .
المجتمع المدني هو : مفهوم واسع للغاية يستلزم العديد من التصنيفات المختلفة للمنظمات التي تحته. يصف – لاري دايموند – المجتمع المدني على أنه عالم من الحياة الإجتماعية المنظمة التي هي طوعية ، ذاتية التوليد ، ذاتية الدعم ، ومستقل عن الدولة ، وملتزم بنظام قانوني أو مجموعة من القواعد المشتركة. ضمن هذا الإطار يقع العديد من المنظمات غير الحكومية (الدولية والإقليمية والوطنية) ، والمنظمات الدينية ، والمنظمات المجتمعية ، والمنظمات الشعبية الأخرى بما في ذلك التعاونيات ، وجمعيات الأحياء ، والنوادي الاجتماعية وغيرها . وقد ورد عن مركز المجتمع المدني في كلية لندن للاقتصاد بأن “المجتمع المدني يشير إلى حلبة العمل الجماعي الذي لا يتسم بالإكراه، والذي يدور حول مصالح وأهداف وقيم مشتركة ومتبادلة. ولذلك يضم المجتمع المدني عادة التنوع الشديد من حيث المساحة، واللاعبين، والأشكال المؤسسية، وتختلف في الدرجة الرسمية، والاستقلال الذاتي والنفوذ، كما يضم المجتمع المدني في أغلب الأحيان منظمات ومؤسسات مثل الجمعيات الخيرية المسجلة، ومنظمات التنمية غيرالحكومية، ومؤسسات المجتمع المحلي، والمنظمات النسائية، والدينية، والاتحادات والنقابات المهنية والتجارية، وجماعات المساعدة الذاتية، التنمية الاجتماعية، الاتحادات التجارية، والتحالفات… الخ .
يستشف من كل ماسبق من تعريفات بان المجتمع المدني يشمل المنظمات غير الحكومية سوا كانت دولية أوإقليمية أو وطنية ، إضافة إلي المنظمات الدينية ، والمنظمات المجتمعية ، والمنظمات الشعبية الأخرى بما في ذلك التعاونيات ، والنوادي الاجتماعية، ونقابات الأعمال . وبذلك تكون معظم منظمات المجتمع المدني العاملة في الصومال مطابقة لهذه المفاهيم والمعايير المذكورة من حيث الإستقلالية عن الدولة والعمل بصورة حرة في المجال الطوعي ، مع وجود خصوصيات تنفرد بها البيئة المحلية الصومالية ومتطلبات واقعها .
إن الكثير من الدراسات التي تناولت عن المجتمع المدني ومؤسساته في الصومال مختلفة في تحديد هوية المجتمع المدني ، فهناك من يحصرها بالمنظمات الطوعية المحلية خاصة تلك التي لا صلة لها مع التيارات الإسلامية انطلاقا من مبدا إبعاد العامل الديني عن المؤسسات المدنية الطوعية ، كما أن هناك من يعتبر كل المؤسسات الطوعية المحلية من صميم العمل المدني بغض النظر عن خلفياتها الإيديولوجية ، يخضعها فقط لمعيار ما تقوم به من عمل طوعي داخل المجتمع وهذا ما يميل إليه الباحث من منهجية أثناء تناوله بمنظمات المجتمع المدني في الصومال، لأن المنظمات الطوعية المدعومة من الدول الإسلامية أو تلك التي تتبع للتيارات الإسلامية لايمكن وصفها بمنظمات دينية لما لديها من مواقف إزاء مسائل حديثة تصب فى صميم العمل الطوعي مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين ، كما أن لها دور في السياسة وأراء حول المستجدات السياسية في الساحة . ولذلك لم تعدهذه المنظمات تقليدية لاعلاقة لها بمتطلبات الواقع وفهم مفردات القضايا الدولية.
ثمة نقطة أخري ينبغي ذكرها في هذا الصدد وهى: هل يعد القطاع التجاري والشركات الخاصة من المجتمع المدني أم أنها تقع خارج إطار العمل الطوعى لما تسعي من ربحية فى أعمالها ؟ إن شمول القطاع التجاري تحت مظلة المجتمع المدني يتعرض لبعض الجدل على المستوى الدولي. هناك بعض الناس الذين يرغبون في قبول القطاع التجاري كجزء من المجتمع المدني، بينما هناك آخرون يعتقدون أن القطاع التجاري مرتبط بشكل وثيق جدا بالحكومة، خصوصا في بعض الدول. فقد قامت المنظمات غير الحكومية مثل مؤسسة “التحذير الدولي” بتطوير برامج خاصة بتعزيز دور الشركات في بناء السلام، بما في ذلك إرساء روابط وصلات أفضل بين الشركات التجارية والمجتمعات المحلية التي تأثرت بالصراعات . وعندما تمعن النظر في الحالة الصومالية ستجد أن القطاع الخاص والشركات التجارية قد ساهم ومازال يساهم في العمل الطوعي بشكل نسبي رغم أن الشركات التجارية تسعى لهدف الربح . وقد ضم الدكتور: محمد أحمد شيخ علي القطاع التجاري في رسالته “الصومال في مرحلة ما بعد تفكك الدولة : دور القبيلة والمجتمع المدني في الفترة 1991م، 1999م. إلي العناصر الثلاثة الأساسية للمجتمع المدني في الصومال .
ومن نافلة القول نورد هنا كذلك أنه ما إذا يمكن إعتبار الجماعات الإسلامية من عناصر المجتمع المدني . فالحقيقة أن في الصومال تيارات إسلامية تقدم خدمات طوعية للمجتمع بجانب بعض المنظمات المدنية التابعة لها والتي لعبت أدوارا مقدرة فى مساندة الضعفاء خاصة في المجالات الإغاثية والتعليمية والمصالحة الوطنية ، بيد أن المنظمات غير الحكومية ذات التوجه الإسلامي يؤخذ عليها أنها تقوم أحيانا بدور الجسر بين المجتمع المدني والمؤسسة السياسية للأحزاب الإسلامية وقد تستخدم التيارات الإسلامية هذه المنظمات كقوالب لإقامة روابط مع الفقراء ، من أجل تجنيد أتباع جدد أو توسيعها في بعض الحالات ،. ولكن مع ذلك ظلت خدماتها فريدة لما تتوافق عادة من قيم مشتركة مع المجتمع الصومالي المسلم، عكس مؤسسات المجتمع المدني المدعومة من المؤسسات الغربية والتي عادة ما تصطدم مع ظروف البيئة المحلية التي تعتبر أفكارها مستوردة من خارج منظومة القيم الإسلامية . ولقد دأبت الجماعات الإسلامية المعاصرة في الصومال ” الإعتصام ، الإصلاح ، التجمع الإسلامي ، حركة الوحدة في صومالاند ” والجماعات التقليدية ” الصوفيه بمكوناتها المختلفة ” القادرية ، الأحمدية ، الصالحية ” دأبت علي تقديم خدمات طوعية للمجتمع وفي مجالات مختلفة ، والأكثر حضورا في العمل المدني هى الجماعات الصوفية لما لها من برامج تعاونية لمساعدة الفقراء وكفالة الإيتام و توزيع أراضى على المحرومين حتي يتسنى لهم إقامة سكن أو مزارع يحرثونها لجلب الرزق ، ولذلك عندما تدقق العمل المدني الطوعي لدي التيارات الإسلامية في الصومال ستجد أن التيار الصوفى أو الجماعات الصوفية تسبق نظيراتها من الجماعات الأخري لما لديها من أوقاف وتعاونيات كلها تخدم للطبقات الضعيفة والمهمشة للمجتمع . وتأتى حركة الإصلاح فى المرتبة الثانية وتعد من الجماعات الإسلامية التي أبدعت في العمل الطوعي والمدني إذ كان هناك عشرات المنظمات الطوعية التابعة لها أو لأفرادها، والتي قد نشطت في مجالات التعليم والإغاثة والمصالحة خاصة فى التسعينات من القرن المنصرم .
الأهم في هذا السياق أن المجتمع المدني النشط مهم لكل الشعوب وتتضاعف أهميته فى المجتمعات المتأثرة بالصراعات كالصومال لأنه يسد الفجوات ويسخر الطاقات نحو البناء والتكامل ما من شأنه أن يساهم في بناء سلام حقيقي وشراكة صلبة فى مشروع بناء الدولة الصومالية والإنتقال إلى دولة المواطنة والقانون. وسنسلط الضوء في الحلقة القادمة على المنظمات الطوعية بشقيها المنظمات الإنسانية الدولية والمنظمات الطوعية المحلية مع التطرق إلى أدوارها في عملية صنع السلام.