الرئيس الصومالي الأسبق، والمرشح الرئاسي الحالى شريف شيخ أحمد حكم الصومال في فترة حرجة تسيطر فيه ميليشيات حركة الشباب على أجزاء واسعة من العاصمة مقديشو، وعلى بعد نحو أقل من كيلو متر عن القصر الرئاسي حيث كانت المدافع التي تطلقها بين الفينة والأخرى تتساقط على باحات القصر. وفي فترة رئاسته تم تحرير العاصمة ومدن أخرى في جنوب و وسط الصومال من قبضة حركة الشباب، وذلك بفضل الجهود المشتركة بين القوات الحكومية وقوات بعثة الاتحاد الإفريقي، لقد أبلت في هذا الحرب القوات الحكومية بلاء حسنا و دفعت فيها ثمنا باهظا من حيث الخسائر البشرية.
يعتبر شريف شيخ أحمد من أقوى المرشحين في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في العام الجاري نظرا لشخصيته التوافقية، ورصيده السابق في فترة حكمه، بالاضافة إلى انتمائه إلى عشائر هاويه التي تضع ثقلها السياسي على أن يتولى أحد ابناءها رئاسة الصومال إلا أنه يواجه تحديات جمة منها: العرف السياسي الصومالي المعارض بعودة الرؤساء السابقين للحكم،و تحالفاته السياسية الداخلية التي يرى كثير من المراقبين أنه اصبح غطاء لشخصيات سياسية لا تحظى بسمعة طبية في الرأي العام الصومالي، وتعمل ضمن تحالف المرشحين الرئاسيين علاوة على عدم تمتعه بأي علاقات وثيقة مع رؤساء الولايات الإقليمية-اللاعبين الرئيسيين في تحديد ملامح الرئيس القادم عن طريق انتخابات أعضاء البرلمان المنعقدة في عواصم الولايات.
نبذة عن سيرته الذاتية
ولد في إحدى قرى مدينة مهداي في إقليم شبيلي الوسطى، وينحدر من عشيرة أبغال. نشأ في أسرة متدينة تنتمي إلى الطريقة الصوفية،وأبوه كان عالم دين من الطريقة الصوفية. وتلقى شريف شيخ أحمد تعليمه الأساسي والثانوي في مدينة جوهر ومقديشو. ثم سافر بعدها إلى السودان والتحق بجامعة كردفان في مدينة الدلنج لكن لم يكمل الدراسة فغادر إلى ليبيا حيث نال درجة البكالوريوس في الشريعة والقانون من الجامعة المفتوحة في مدينة طرابلس.
ثم عاد شیخ شریف الى البلاد، وعمل فترة في مجال التدریس قبل أن یسطع نجمه ویصبح قائدا في تنظیم المحاكم الإسلامیة الذي حكم جنوب ووسط الصومال لفترة ستة أشھر من عام 2006. وبعد الاطاحة بنظام المحاكم الإسلامیة على أیدي القوات الإثیوبیة تصالح شیخ شریف مع الحكومة الصومالیة بقیادة الراحل عبدالله یوسف، ومن ثم أصبح رئیسا للصومال في الفترة ما بین 2009-2012م .
خسر شیخ شریف في انتخابات عام 2012 أمام الرئیس السابق حسن شیخ محمود، وغادر السلطة والبلاد واستقر في الخارج، ثم عاد إلى البلاد في الانتخابات السابقة التي لم يحقق فيها أي نتيجة يذكر.
شريف شيخ أحمد في أيام المحاكم الإسلامية
لعب شريف شيخ أحمد دورا محوريا في تجاوز الصومال إحدى أحلك الظروف التي مر بها بسبب دوره الريادي في تأسيس المحاكم الإسلامية وقيادتها عام 2006م، وفك الإرتباط لاحقا مع حركة الشباب وانضمامه إلى الحكومة الصومالية. رغم أن المحاكم الإسلامية كانت عبارة عن كيان مترامي الأطراف تنضوي تحت لوائه شخصيات وكيانات متعددة من حيث الانتماء الفكري والأهداف إلا أنها استطاعت إنهاء فترة أباطرة الحرب والتي تعتبر من أسوء الفترات قتامة في تاريخ الصومال. سيطر زعماء الحرب على الحياة السياسية والاقتصادية الصومالية وعاثوا في الأرض فسادا، ما أدى إلى مقتل وتشريد آلاف الصوماليين. تمكنت المحاكم الإسلامية بقيادة شريف شيخ أحمد من دحر أباطرة الحرب وطى صفحتهم المليئة بالقتل والدمار، ليبدأ للصومال فصل جديد من عملية إعادة بناء الدولة تسوده المنافسة في اطار أروقة الحكومة بعيدا عن فوهات البنادق.
انشقاق شريف شيخ أحمد عن حركة الشباب وأخواتها وإنضمامه إلى الحكومة الصومالية يعتبر أيضا من القرارات الصائبة التي أتخذها شريف شيخ أحمد لسحب البساط من أقدام الحركات الإسلامية المتشددة لأنها أفقدهم عن غطاء وشرعية مهمة أمام الرأي العام الصومالي المنخدع بشعاراتهم المنمقة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وهو ما يخدم للإسلاميين المعتدلين الذين يؤمنون بالتؤلفة بين الإسلام ونظم الحكم المعاصرة.
شريف شيخ أحمد في الحكم
تسلم شريف شيخ أحمد مقاليد الحكم عام 2009م في وقت تتساقط قذائف الهاون على باحات القصر الرئاسي، ولاتسيطر الحكومة الصومالية سوى 2 كيلو من العاصمة مقديشو. وبالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة، استطاعت القوات الحكومية بالتصدي بالحملة العسكرية التي أطلقتها حركة الشباب بـ “نهاية المعتدين” والتي كان هدفها القضاء على الحكومة الصومالية بصورة نهائية، بل تمكنت القوات الحكومية من إنهاء سيطرة الشباب على العاصمة ومدن أخرى إستراتيجية في جنوب الصومال.
هذا الإنتصار قوى شوكة الحكومة وأعاد الأمل للصوماليين في الداخل و شجعتهم في الانخراط بقوة في المؤسسات الحكومية بغية اعادة بناء الدولة الصومالية. كما ساهم هذا الانتصار في عودة العقول الصومالية في المهجر الى الوطن وتسخير الخبرات التي اكتسبوها في تنمية قدرات المؤسسات الحكومية والاستثمار في مشاريع تجارية وفرت فرص العمل للشباب العاطلين وساهمت في تنمية البلاد اقتصاديا واجتماعيا.
تميزت فترة حكمه الممتدة من 2009-2012م بانضمام عدد لا يستهان به من الصوماليين المثقفين في السلك الحكومي مقارنة مع الفترة التي سبقته حيث شهدت عزوفا كبيرا من المثقفين الصوماليين العمل في الدوائر الحكومية بسبب زعماء الحرب الذين شوهوا سمعة الحكومة بسبب سياساتهم المبنية على العنف بالإضافة إلى الخوف من حركة الشباب التي كانت تنعت بالردة بكل من يعمل في المؤسسات الحكومية وتتوعدهم بالقتل.
رغم الانتقادات المتكررة الموجهة له بعدم الخبرة في السياسة إلا أنه استطاع أن يحكم الصومال في فترة حرجة اتسمت بضعف المؤسسات الحكومية وشح مصادر التمويل، وقلة ثقة المجتمع الدولي بالمؤسسات الحكومية، فضلا عن الهجمات الانتحارية والاغتيالات التي تنفذها حركة الشباب، وحقق انجازات نسبية في جميع المجالات.
شريف شيخ أحمد في المعارضة
كان شريف شيخ أحمد الشخصية المحورية في المعارضة الصومالية في السنوات الأخيرة وذلك بفضل شخصيته التوافقية التي تحظى بقبول الجميع. فقد تم اختياره رئيسا لتحالف قوى المعارضة الذي تم تأسيسه في مقديشو في شهر ديسمبر الماضي.
يرى المراقبون أن بعض القوى المعارضة حاولت توريط شريف شيخ أحمد في تنافس غير شريف مع الحكومة الحالية، ما أفقده توازنه المعهود ولكنه تدارك نفسه قبل فوات الأوان. استغرب كثير من المراقبين تصريحات الرئيس شريف الشيح أحمد الذي توعد بها الرئيس محمد فرماجو بالإطاحة عن طريق القوة كما حدث للرئيس الصومالي الأسبق محمد سياد بري. أثار هذا الخطاب إلى تراجع شعبية شريف شيخ أحمد، ولكن في المقابل ربما يؤدي هذا التراجع إلى إجراء مراجعة سياسية والعودة إلى سابق عهده و شخصيته المتوازنة.
حظوظه بالفوز
في مقال نشره بجريدة هافنغتون بوست في الانتخابات الماضية قال شريف شيخ أحمد ردا على السؤال حول ترشحه للانتخابات الرئاسية مرة أخرى،” إن رؤيتي السياسية للخروج من حالة الفوضى وانعدام التنمية المُستدامة لم تكتمل بعد، بذلتُ كل ما في وسعي من أجل تحقيقها. ففي فترة رئاستي السابقة للجمهورية الصومالية، حققنا الكثير من الإنجازات رغم جسامة التحديات وعمق الأزمة السياسية. وأنه في الوقت الحالي لا يزال يراوده هذا الحلم ويسعى إلى تولى الحكم مرة ثانية لإستكمال مشروعه السياسي ، ولكن هناك عدة تحديات تعتري طريق المرشح شريف شيخ أحمد نحو الرئاسة وأبرزها تتمثل في كونه أن سبق وقد تولى هذا المنصب، ورغبة عدد كبير من نواب البرلمان القادم في التغيير وتجربة جديدة. أضيف إلى ذلك مشكلة رؤساء الولايات الذين لهم دور كبير في حسم السباق الرئاسي وترجيح كفة المرشحين.