هنالك مئة متر من الأرض الصخرية غير معبدة من الطريق إلى منزلي، لكن خطورتها أقل على السيارات والمارة من الطريق العام الذي يتفرع منه الدرب الذي يصل إلى البيت..
ذلك الطريق امتداده قريب من خمسمائة متر، والخنادق التي حفرها جريان مياه الأمطار دمرت العديد من السيارات، وتكلفنا أموال إضافية لصيانة سياراتنا..
على العموم..
ذات يوم وجدت بعض أهل الحي واقفين يتسامرون بجانب الطريق.. سلمت عليهم، وطلبت مشورتهم في أمر أود القيام به…
كان الأمر رغبتي في أن أحضر حمل شاحنة من الرمل وعشرة أكياس من الإسمنت.. لأقوم بملئ الخنادق التي تشكلت أمام وخلف ثلاث من المطبات المقامة في الطريق…
كان رد الرجال: إياك أن تفعل ذلك، سيشكوك فرع البلدية المسؤول عن الحي للشرطة، و سيتم سجنك، لأنهم يريدون أن تدفع لهم “هم” تكاليف العمل…
وحين عبرت عن استغرابي من ذلك..
ضحك أحدهم وقد بدى محنكا.. – لا أستبعد أنه موظف في البلدية -، وقال: سيتم اتهامك بالتسبب في إتلاف السيارات، فالإسمنت قاس عليها…
ومن يومها قررت استخدام طرق أطول بعض الشيء، وتجنب الطريق المؤذي ذاك!
…..
قصة أخرى..
في بيت العائلة الكبير، الواقع أسفل تلة شديدة الانحدار، فجأنا هطول الأمطار، بسيول شديدة، لا أستبعد أن سبب ازديادها تحويل جيران لنا في أعلى التلة لاتجاه سريان المياه..
على العموم قررنا عمل سد حجري ترابي مرتجل، لصد اندافع المياه الذي سرعان ما اقتحم منزل أحد أخوالي، وأدى لهبوط بالوعة تصريف المياه العادمة..
العمل كان سيتم أمام بيتنا وبيت جيراننا الذين سيلونا، لأن أي سد غير مكتمل، سيدفع بالمياه إليهم…
اتفقنا والجيران على القيام بالمهمة، و أحضرنا عربانتين وأربعة مجارف “رفش”.. بدأت العمل، وكدت أنتهي من معظمه، ولم يبق سوى جزء صغير، إن لم يتم إنجازه، سيتدفق الماء من السد إلى باب منزل أولئك الجيران، الذي كان يشاركني العمل منهم إثنان.. كل مرة يهرب أحدهما، فتذهب أمه خلفه لتخرجه من البيت.. ليبدأ العمل فيهرب الآخر…
هكذا أنهيت جزء بيتنا وتعمدت المبالغة في رفع منسوبه، وزيادة كمية الأحجار فيه.. فما كان من الأم الحانقة من فشل أبنائها المتخاذلين سوى أن تقول: يبدو أن ابنكم ذو “خبرة” في هذا العمل… بمعنى يمكنكم فهمه!
ليس كل امتناع عن التطوع لإصلاح الواقع ناتجا عن العجز أو التكاسل، بل يكون ناتجا في أحايين كثيرة عن أن القدرة المنفقة على العمل ذاته، لا تساوي شيئا أمام مواجهة مجتمع فاسد مستمتع بمعاناته مع الفساد..