يحظى موقع الصومال الجغرافي بأهمية استراتيجية بالغة، ما أغرى بريطانيا للسيطرة على هذا البلد.
في مرحلة الاحتلال الأوروبي وعدة بلدان أفريقية، حيث تقاسمت بريطانيا مع إيطاليا أرضه عام 1889م، وبعد نضال استمر أكثر من نصف قرن، تمكن الصومال من نيل استقلاله السياسي عام 1960م، وعاش الصومال منذ استقلاله عدة تجارب سياسية بما في ذلك التحالف مع الولايات المتحدة.
كان الصومال حجر شطرنج في البداية على مسرح الصراع الدولي، لكنه فقد أهميته الاستراتيجية مع انتهاء الحرب الباردة، ثم جاءت الحرب الأهلية، وإسقاط نظام سياد بري، وتحوّلت الحرب من ضده إلى حرب بين الفئات المتنافسة على السلطة، وأصبحت البلاد في حالة من الفوضى والحروب القبلية، في الوقت الذي يعمل فيه الرئيس فرماجو على عرقلة المسار السياسي ووحدة البلاد، والتلاعب مع أعوانه وفريقه في الحكومة المركزية وفي الولايات المؤيدة له بغية فوزه في الانتخابات الصومالية.
وتتصاعد حدة النزاعات بين فرماجو والمعارضة على مسار الانتخابات حول لجان تنظيم الانتخابات التي جرى تعيينها من قِبل الحكومة الفيدرالية وبعض الولايات الموالية، وتتهم المعارضة اللجان بعدم النزاهة والاستقلالية، كونها تضم أنصار فرماجو وموظفي الخدمة المدنية ومنتسبين لجهاز المخابرات، وفي حال بدأت التحضيرات للانتخابات الرئاسية فإن الاحتقان السياسي سيؤدي إلى نتائج وخيمة بين الحكومة والمعارضة.
زعماء القبائل الصومالية اتخذوا عدة مبادرات سياسية واجتماعية تتعلق بالتحضيرات للانتخابات في شهر فبراير/شباط المقبل، وتشكيل مجلس عشائري لإنقاذ البلاد من خطر الانجرار إلى الهاوية وتجاوز صارخ لطبيعة التوازنات السياسية، والتحرك بهدف تعزيز التعاون بين إدارات الولايات الصومالية والأعضاء في الدولة في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد، ومنذ صعود فرماجو إلى سدة الحكم عام 2017م، تدخلت دول خارجية في شؤون الصومال من بينها تركيا ومن ثم التغلغل في مناطق النفوذ والحكم في الصومال، والدفع بالموالين لها لمناصب مؤثرة، فضلاً عن دعم الحركات الإرهابية، التي تعمل على توجيه بوصلة السباق الانتخابي صوب السيناريو الذي يضمن استمرار مصالحها.
وأسهمت سياسات فرماجو القمعية في تعميق الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات والقبائل الصومالية، وبدلاً من أن يعمل من أجل إزالة الهوة القائمة بين جميع الأطياف الصومالية، للوصول بالبلاد في النهاية إلى الهدف الذي اختير لأجله، اتجه بما ينافي المنطق القبلي السائد بالبلاد والهدف الوطني نحو الخارج، من أجل دعم بقائه في الحكم ولو على حساب استقرار البلاد، ما أدى إلى تفاقم الانقسامات بين الأطراف السياسية والقبلية.
ومن الصعب إجراء انتخابات شعبية مباشرة في الصومال، خلال ما تبقى من فترة الحكومة الحالية، وذلك لسببين؛ أولهما غياب التوافق السياسي بين الأطراف المختلفة على النظام الانتخابي، وضعف الشبكات الانتخابية على المستويين الإقليمي والفيدرالي، وثانيهما التدهور الأمني وتهديدات حركة الشباب، وتقوم عشرون قيادة صومالية باختيار 350 عضواً للبرلمان المؤقت الذي ينتخب الرئيس الفيدرالي، ولا ننسى أن العديد من الاتفاقيات السابقة قد أخفقت في تحقيق المصالحة، التي تتطلب الاستفادة من الفرصة المتاحة للتوصل إلى مصالحة شاملة تحفظ وحدة الصومال وسيادته الإقليمية وإنقاذه من الاحتمالات الخطيرة والمخططات الاستعمارية الجائرة التي تؤثر على مستقبل هذا البلد وانتمائه القومي.
وبغض النظر عن مستقبل الرئيس فرماجو في الحكم، تكشف التفاعلات الحالية عن حقيقة أساسية، ألا وهي أن بقاء فرماجو من عدمه في الحكم أصبح بنفس ذات القدر من التهديد والتحديات، بعد اتضاح أن سياساته تجر البلاد للهاوية ولمزيد من الاشتباكات، وتدفع بها نحو السقوط، وسواء ظل بطريقة غير دستورية من خلال الالتفاف على واقع الانتخابات، ما قد يزيد من التناحر السياسي والمجتمعي، ويدخل البلاد في دوامة الفوضى والاقتتال وتصعيد عمليات المليشيات الإرهابية، وأبرزها حركة الشباب المتطرفة الصومالية، التي تأسست عام 2004م على شكل حزب لتنظيم القاعدة الإرهابي الذي يتزعمه أيمن الظواهري، وتنشط حركة الشباب بشكل خاص في مناطق وسط وجنوب الصومال، ولديها علاقات قوية مع منظمات إرهابية أخرى تابعة للقاعدة مثل جماعة بوكو حرام النيجيرية، عدا عن الانقسامات في صفوف الأحزاب السياسية، ولم يعد الصومال يحتمل المزيد منها، حتى ولو أعيد فرماجو عبر الانتخابات وإن كان بالتلاعب بها، ومع فقدانه لرصيده الشعبي سيكون حكمه أكثر قمعاً، ما قد يدفع بالبلاد أيضاً نحو استمرار حكمه القائم على العنف والفوضى وجر البلاد إلى منزلقات خطيرة تؤثر على وحدة ومستقبل الصومال.