الصومال اليوم – الشافعي أبتدون
تستمر الجهود الدولية والعشائرية في الصومال للضغط على الشركاء السياسيين في البلاد من أجل التوصل إلى آلية جديدة لتنظيم انتخابات توافقية، وذلك بعدما انتهت جهود الحكومة الفيدرالية لبدء إجراءات تنظيم الانتخابات النيابية، وخصوصاً حول مقاعد مجلس الشيوخ الـ54 (الغرفة الثانية في البرلمان)، إلى طريق مسدود.
ولم تتمكن اللجنة الفيدرالية للانتخابات بعد من إطلاق عملية تسجيل الناخبين في إقليم جنوب غرب الصومال، نتيجة خلافات حول شرعية تلك اللجنة، ما أفشل جهود الحكومة التي تحظى بعلاقات طيبة مع رؤساء ثلاث ولايات فيدرالية (جنوب غربي الصومال وجلمدغ وهيرشبيلي)، وتختلف في قضايا سياسية شائكة مع ولايتي جوبالاند وبونتلاند.
وجاء ذلك، ناهيك عن موقف المعارضة السياسية والمرشحين للانتخابات الرئاسية، الذين توحدوا (مجلس اتحاد مرشحي الرئاسة)، من أجل الضغط على الحكومة لتعديل اللجان الانتخابية الفيدرالية.
ويجري مبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال جيمس أسوان تحركات فعّالة وجولات مكوكية نحو الأقاليم الفيدرالية، وخصوصاً إقليم بونتلاند، من أجل إنهاء الخلافات مع الحكومة المركزية، وإمكانية تنظيم انتخابات توافقية ستجري في موعدها المحدد (8 فبراير/ شباط المقبل).
وعقد أسوان مؤتمراً صحافياً، يوم الإثنين الماضي، مع رئيس ولاية بونتلاند سعيد دني، في مدينة جروي، عاصمة الولاية، بعدما بحث معه سبل حلّ الخلافات وإنهاء حالة الجمود السياسية بين الولاية الفيدرالية وحكومة مقديشو.
وشدّد المبعوث الأممي على الأهمية القصوى “للتوصل إلى حلّ وسط بنّاء، بين الحكومة الاتحادية والدول الأعضاء الفيدرالية للتوقيع على اتفاق بشأن تنفيذ العملية الانتخابية”.
وقال أسوان “هذا من أجل المصلحة الوطنية، ونحث مرة أخرى جميع قادة الصومال على العمل معاً وإيجاد سبل لحل القضايا العالقة، حتى يمكن إجراء عملية انتخابية موثوقة في جميع أنحاء الصومال. هذه مسألة ملحة”.
ورأى أنه “حان الوقت للقيادة من قبل الفاعلين السياسيين الرئيسيين في الصومال، لإيجاد حلول جذرية وليس المزيد من الأعذار لعدم إمكانية التوصل إلى اتفاق”.
وتعد زيارة وفد الأمم المتحدة إلى بونتلاند الثالثة للولاية خلال شهر يناير/ كانون الثاني الحالي، وذلك لتحريك المياه الراكدة نحو مسار تنظيم انتخابات توافقية في الصومال.
كما زار أسوان، الأسبوع الماضي (الأحد الماضي)، إقليم جلمدغ الفيدرالي، وأكد مع رئيس الإقليم أحمد قرقور، المتحالف مع الحكومة المركزية، على أهمية تنظيم انتخابات فيدرالية تحظى بثقة الجميع، وحثّ الأخير على مواصلة جهوده من أجل تقريب وجهات النظر بين الحكومة المركزية من جهة، ورؤساء ولايات كل من جوبالاند وبونتلاند والمعارضة السياسية من جهة ثانية.
وكان رئيس ولاية جلمدغ أحمد قرقور قد قاد مفاوضات شاقة بين الحكومة الصومالية ومعارضتها المحلية، إلا أن جهوده لم تكلل بالنجاح، نتيجة تعنت الحكومة المركزية بما يخص شرعية اللجان الفيدرالية والتمسك بمواقفها تجاه عملية تنظيم الانتخابات المرتقبة، وهو ما أفشل إمكانية عقد اتفاقيات جديدة تحتضنها العاصمة مقديشو بين الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد.
وبحسب صحافيين محليين، فإن الخلافات الرئيسية بين الحكومة الصومالية ورئيسي ولايتي بونتلاند (سعيد دني)، وجوبالاند (أحمد إسلام مدوبي)، تتمحور حول آلية تقسيم مقاعد النواب في البرلمان، وخصوصاً في جوبالاند. هذا إلى جانب رفض رئيس الولاية أحمد إسلام مدوبي نشر قوات أمنية صومالية في مدينة جدو في الإقليم ذاته، وهو ما تتمسك به الحكومة الصومالية، التي تتهم قيادات جوبالاند بالتحالف مع كينيا، وتقويض جهود الحكومة المركزية لتنظيم انتخابات نيابية ورئاسية.
كما تدور الخلافات بين حكومة مقديشو وكتلة من المرشحين (14 مرشحاً للانتخابات الرئاسية)، حول اللجان الانتخابية الفيدرالية، التي تضم أعضاء وموظفين وأمنيين حكوميين سابقين، وهو ما تنفيه الحكومة الصومالية جملة وتفصيلاً.
وفي سياق متصل، دعت قبائل الهوية (من أكبر القبائل الصومالية)، في اجتماع لها بمقديشو الأسبوع الماضي، الحكومة الصومالية إلى التنازل وحلّ خلافاتها مع رؤساء الولايات الفيدرالية المعارضة لها، وعدم دفع البلاد نحو قلاقل سياسية وأمنية تعكر صفو تقدم الصومال نحو الأمام.
وأكد بيان قبائل الهوية القاطنة في جنوب البلاد، حرصها على حماية الاستقرار ومنجزات الحكومات الصومالية السابقة نحو تعزيز عملية الاستقرار والأمن في البلاد.
وأوضح عبد الله موسى، وهو أحد زعماء القبائل في مقديشو، أن العقبة الرئيسية التي تواجهها عملية تنظيم الانتخابات، هي غياب عنصر التنازل بين الأطراف الصومالية الفاعلة.
وشرح موسى، أنه “لو كان هناك تنازل من أجل مصلحة الوطن، لما وصلت الأوضاع إلى هذا الوضع السياسي الخطير الذي تمر به البلاد حالياً”.
ورأى موسى أن على الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو “أن يلعب دوراً محورياً في إخماد حرائق الخلافات السياسية، حتى إذا اقتضت الضرورة التنازل عن الرئاسة من أجل الوطن”، داعياً فرماجو “إلى التباحث مع رئيسي بونتلاند وجوبالاند بحكم منطق القبيلة التي يتحدر منها الرئيس الصومالي (قبيلة المرهان دارود)، كما نحث رؤساء الولايات الفيدرالية على التنازل من أجل مصلحة الوطن، ودعم عملية الاستقرار السياسية والأمنية التي حققها الصومال أخيراً”.
وبحسب مراقبين، فإن الخلافات العميقة بين الشركاء السياسيين ستدخل البلاد في مرحلة جديدة من الدوامة السياسية، إذا لم تتوصل تلك الأطراف قبل الثامن من فبراير المقبل، وهو التاريخ الذي تنتهي فيه ولاية الرئيس فرماجو (بدأت في فبراير 2017)، ما سيؤدي إلى تدخل بعثة الأمم المتحدة لإنهاء الانقسام السياسي، وفرض قرارات جديدة على القيادات السياسية والذهاب إلى خريطة طريق جديدة.
ويحذر المتابعون للشأن الصومالي من مغبة حدوث فراغ سياسي ودستوري في البلاد، يؤخر عجلة تعافي الصومال سياسياً واقتصادياً، ويطيل أمد بقاء القوات الأجنبية (قوات من الاتحاد الأفريقية ودول أخرى، منها أميركية) في البلاد، كما سينال من جهود بناء جيش وطني فعّال يتسلم المهام الأمنية من القوات الأفريقية مستقبلاً.