الصومال اليوم

مناضلون صوماليون لم ينصفهم التاريخ

 عظماء منسيون ضحو بأموالهم وأنفسهم فداء للدين والأرض والعرض، وقفوا رافعي الرؤوس بوجه الاستعمار الإيطالي والبريطاني الذي غزا الصومال نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وجاهدوا باللسان والسنان وبصدور عارية، وأقدام حافية ثقيلة في الرمال وفي الوحل، خاضوا معاركة غير متكافئة لم ترعبهم ولم ترهبهم آلة الحرب الضخمة والمتطورة والفتاكة للمستعمر. 

لم يساوموا في قضيتهم ولم يرضوا بأنصاف الحلول ولسان حالهم يقول: ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، لم يرضوا أن تطأ وتدنس أقدام المستعمر على أرضهم، اختاروا طريق المشقة، طريق الحرية.  لأجل الحرية كل الحرية هانت عليهم دونها كل الصعوبات، التي لا يقدر عليها إلا الأشداء، لأن الطريق طويل وشاق ومحفوف بالمخاطر، إنها ثلة آمنت بربها وأبت إلا أن تعيش احرارا فوق الأرض أو أن تموت شهدا. 

عاشوا مشردين مطرودين، أو علقوا على حبل المشنقة أو ماتوا في الصحاري والبراري عطشانا جوعانا او قتلتهم أيادي خائنة غادرة لم ينصفهم التاريخ، نسيهم القريب قبل البعيد وأسدل عليهم ستار النسيان، لم يخلدوا أساميهم لا بشارع ولا بمدرسة كما نسيت أنامل الخطاطين والكتاب[1] ان تسطر أسمائهم في الكتب او في الجرائد والمجلات، او يذكروا في السير والمغازي، لكن العدو لم ينساهم، سجلهم في سجلاته بأسمائهم، وألف كتبا عنهم، ليس حبا بهم لكن  لأنها تاريخ واحداث كانوا طرفا منها، ووصفهم متمردين، قطاع الطرق، برابرة، لا يقيمون  للحضارة الأوربية وزنا. 

فقد جهل أكثر الناس عن أخبارهم أو سيرتهم، لأن السلطات السياسية والعسكرية المتعاقبة على الحكم بعد الاستقلال أهملتهم إما لأسباب سياسية او قبلية، أو اثنين معا، لأن هذه الطبقة التي حكمت البلاد أكثرها ليست من المناضلين الذين حملوا السلاح لتحرير البلاد. ومن جهة أخري أن هؤلاء الرجال العظماء ينتمون الي ما يسمي قبائل الأقلية التي لا ثقل ولا تأثير لها في صنع القرار السياسي والعسكري في البلاد. 

سنذكر بعضا من هؤلاء العظماء الذين أنارت دماءهم الطاهرة وتضحياتهم الجسام طريق الحرية والاستقلال، وتحملوا كل المصاعب، والشدائد غير ابهين ما سيلقونه من المصاعب، ومن قلة الناصر وقوة العدو، واثقين بعدالة قضيتهم وموقنين بنصر الله، وجعلوا نصب أعينهم، إحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة. 

وننقل هنا شيئا يسيرا من سيرتهم النضالية كما وجدناهم في بعض سجلات وكتب المستعمر الإيطالي. 

الشيخ احمد حاج 

هو من قبيلة بنطبو في مقديشو فقيه من فقهاء مقديشو ومن أقرباء شيخ قبيلة بنطبو في مقديشو ورفيق الدراسة للشيخ صوفي، كانت له زاوية في قرية نيمو من قري قبيلة وعذان، الواقعة علي الساحل بين مقديشو والجزيرة، محرض ضد الاستعمار. 

بعد كمين ومذبحة لفولي في ٢٦ نوفمبر ١٨٩٦ التي تعرضت لها قافلة استكشافية للمستعمر الإيطالي بقيادة الضابط انتونيو جيكي، وراح ضحيتها ١٤ إيطاليا ومن بينهم قائد القافلة انتونيو جيكي وسبعين من المرتزقة اليمنيين، تعرضت قرية نيمو للقصف المدفعي من قبل السفينة الحربية الايطالية ودمرتها بالكامل، علي إثرها ترك الشيخ أحمد حاج مقديشو مهاجرا الي طاي سوف، قرية من قري قبيلة وعدان علي ضفاف نهر شبيلي قرب مدينة افغوى[2]. للعلم ان الذين نصبو الكمين ( وارتكبوا المجزرة)، هم من قبيلة وعذان بقيادة كل من ابراهيم محمد إسحاق وفيدو عبدي معو[3]

ولشيخ أحمد حاج ثلاثة أبناء، عثمان، ابيكر ومحمد. عثمان وابيكر بقيا في مقديشو، أما محمد فهو كان أشد خطرا من أبيه على المستعمر وكان يعيش في أفغوي، واتهمه المستعمر بانه المسؤول والمحرض على قتل هندي، ويوناني اسمه كريستوس مريغو، ووجرح الإيطالي مرينو، وخادمة للمستعمر في مقديشو. 

وكان محمد يتنقل بين القبائل يحريضهم ضد المستعمر الإيطالي، وكانت له علاقة وصداقة وطيطدة مع عشيرة ابيكر ملديري المنتمية الي قبيلة وعذان، وكان وراء كل الاغتيالات التي حدثت في مقديشو ضد المستعمر وأعوانه. 

الشيخ عشر وأبناؤه 

الشيخ عشر وابنيه محي الدين وابيكر ساع مواي، المقيمين في قرية مريري من قري هنتري وكانو من المحرضين ضد الاحتلال، الشيخ عشر علي الرغم من كبر سنه واعاقته الجسدية لم تمنعاه أن يقول الحق ويحرض الناس على القتال ضد المحتل الإيطالي، وكذلك إبنه ابيكر ساع مواي شارك بنفسه القتال، وخاض معارك عديدة ضد المحتل. 

وجدير بالذكر مشاركة خمسمائة مقاتل من قبيلة هنتري تحت قيادته، مع قبيلة بيمال في واقعة طناني المشهورة ١٠ فبراير ١٩٠٧، وجرح في احدي المعارك مع المحتل، وقاد قافلة المقاتلين البيمال وهنتري الذين توجهو الي الغ( أيل) عند السيد محمد عبدالله حسن للتزود بالسلاح الناري. بعد وصول المستعمر الي النهر وحرقه جميع القري المناوئة له، انتقل الشيخ ابيكر ساعمواي ومقاتليه الي ضواحي بلعد. من هناك بدء تجميع المقاتلين الذين تفرفوا في القري والنواحي بعد تمكن المستعمر من الوصول الي النهر[4]

الشيخ عبدي أبيكر غافلي 

الشيخ عبدي ابيكر غافلي فقيه من قرية بكد من ضواحي مركة من قبيلة ببمال محرض وقائد الجهاد ضد المحتل الإيطالي في الشريط الساحلي ما بين مقديشو و مركة، ويعتبر الشيخ عبد ابيكر غافلي من أهم قادة مسيرة الجهاد في جنوب البلاد، خاض معارك شرسة ضد المحتل، واستطاع ان يمنع المحتل من أن يخرج من المدن الساحلية ( ما بين مقديشو و مركة ) ويصل الي نهر شبيلي  ما يقارب 8 سنوات، ويحاصره داخل المدن، جرح في معركة طناني، وكانت له تواصل مع الدراويش وتلقي بعض الأسلحة النارية منهم، ويقال أنه شخصيا زار أيل والتقي مع السيد محمد عبدالله حسن، الشيخ ابيكر غافلي رجع الي موطنه، الاصلي ومعه الأسلحة النارية راجيا ان يعيد الكرة علي العدو لكن الوضع تغير  تمكن العدو من شراء الذمم، وان أكثر زعماء العشائر استسلموا للعدو وقد خصص لهم العدو رواتب مالية شهرية مقابل تخليهم عن النضال المسلح، والعنف.[5] 

لم يجد الشيخ استجابة من الناس، ولذا ذهب الي نواحي بلعد وانضم الي مجموعة من القادة والمقاتلين الذين انتقلوا هناك بقيادة ساعمواي ووجدوا استجابة من بعض القبائل من بينهم حواذلي، بهغري، موبيلين، اجوران، شيدلي، مكث الشيخ هنآك  يقارع العدو حتي انتهاء المقاومة ثم رجع الي قريته حيث توفي فيها. 

عمر حسن يوسف 

من قبيلة سعد ببيمال، شاب مقدام، شجاع، حضر مدينة مركة يوم ٩ فبرير ١٨٩٧ حيث من المقرر إقامة مراسيم رفع علم إيطاليا في المدينة وبحضور الحاكم الإيطالي الجديد، لم يستطع ان يتمالك نفسه عند رؤيته الضابط الإيطالي واسمه جاكومو تريفيسي، الذي جاء من وراء البحار ليستعبد الناس ويفسد دينهم ويهتك أعراضهم، إلا أن تقرب منه وسدده عدة طعنات علي جسده اردينه قتيلا، لسوء الحظ هذا الإيطالي صادف مقتله يومه الأول لتولي مهامه وكان يريد رفع علم إيطاليا فوق مبني “البلدية[6]“. 

ومن أبرز القادة النضال الآخرين، الذين لم نجد لهم سيرة ذاتية: 

الحاج حسن علي ابراهيم، الساعد الأيمن لاوغاس بيمال والمتحدث باسمه. 

يحي عبد الرحمن من قبيلة بيمال 

التاجر ذو التأثير، الحاج علي يوسف، فقد ابنين له في معركة طنانى من قبيلة بيمال[7]

معلم مرسل من من قبيلة شيخال غدرشي قائد ومحرض في المنطقة الواقعة بين غدرشي وجلب مركة. 

الشيخ ابيكر يرو من قبيلة شيخال غدرشي. 

يوسف عادل سلطان أو زعيم عشيرة من اجوران وعبدي كيرو من قبيلة اجوران أيضا هاجرا مع أتابعهم من الغرب من الحدود الحبشة الي الجنوب الصومال وكانت مركز عملياتهم القتالية داخل المثلث بارطيري- دوي – جلب غوشا، واتخذوا قرية دجومة قاعدته لهم[8]

الشيخ محمد يرو 

الشيخ عبد نور 

معلم محمد 

هؤلاء الثلاث لم أقف على قبائلهم، إلا إنهم كانوا من قادة المقاتلين على طول جانبي نهر شبلي من افغوي الي حدود إثيوبيا كانت قاعتهم الرئيسية بلدوين حيث  توجد قاعدة كبيرة للدراويش يقودها خليفة عبدالله، عم سيد محمد عبدالله حسن  ومعه قايد آخر اسمه حاج محمود عغ ديغ. 

انطا عيل (Endha ceel) يبدو أنه لقب، لم أحصل علي اسمه، هكذا وجدته في كتاب    Ferro e Fouco di caroselli, كان هذا الرجل من وجهاء قبيلة حوادلي، سلحته إيطاليا لمحاربة الدراويش في بلدوين، ثم تمرد عليها، وهاجم هو ومجموعة كانت معه الحامية الإيطالية في بولبورتي وقتلوا ثلاث عسكريين ايطاليين وبضعا من مرتزقتهم، واخذو الأسلحة والذخيرة الموجودة في الحامية، والتحقوا بالدراويش. 

ختاما بالتأكيد هناك مزيد من الرجال العظام المجهولون، قاتلو وقتلوا لأجل تحرير شعبهم وبلادهم من الاستعمار، وادعو ساسة البلاد الي إعادة النظر في قضية هؤلاء الابطال المنسيين، وإعطاء حقهم والمكانة التي يستحقونها في تاريخ البلاد . 

[1] أقوله كتعبير مجازي ..وللأمانة هناك بعض الكتاب الذين تناولوا بعض الشخصيات الذين ذكرتهم كالجنرال ليقليقتو 

[2] Ricordi del benadir G. Sorrentino Tipografia A. Trani napoli 1912 

[3] Taariikhda soomaaliyeed  (dhulkii filka weynaa eee Punt) Gen. Liqliqato 

[4] Ferro e fouco di f. Caroselli S. I. A. Grafische Roma 19315 

[5] Ferro e fouco f. Caroselli page 170-195 

[6] Ricorfi benadir di G. Sorrentino Tipografia A. Trani napoli 1912 page 68-83 

[7] Ferro e fouco f. Caroselli page 170-195 

[8] المصدر السابق ص ١٨١ 

Exit mobile version