الصومال اليوم

المجتمع المدني في الصومال (1)

توطئة: 

يتمتع المجتمع المدني بأهمية كبيرة في المجتمعات المتحضرة فيقدم من خلال المؤسسات غير الحكومية أو غير الربحية خدمات متنوعة من التعليم والتنمية وتقوية المجتمعات المحلية من التدريب وتطوير المهارات للأفراد والنهوض بدور المرأة وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.. الخ. 

وتتضاعف أهمية المجتمع المدني فى المجتمعات التي تضررت بالصراعات كالصومال، ولذلك فان المجتمع المدني فى الصومال يحتاج إلى تسليط مزيد من الأضواء فى نشأته ومراحل تطوره، والأدوار التي لعبها فى المصالحة الوطنية في الصومال ورأب الصدع بين فرقاء السياسية ومشروع بناء الدولة الصومالية، مع استشراف ما يمكن أن يقدم في المستقبل من خدمات للمجتمع من شأنها أن تساعد الدولة في ترسيخ الحكم الرشيد ودعم سيادة القانون ودولة المواطنة . 

نشأة المجتمع المدنى  ومراحل التطور  : 

تعود نشأة المجتمع المدني الصومالي إلى إبان الفترة الإستعمارية حينما ظهرت جمعيات ثقافية ونقابات عمالية فى فترة مابين الحربين العالميتين . هذه الجمعيات والروابط  تطورت فى الأربعيتات والخمسينات إلى أول نواه للحركات الوطنية التي ناضلت من أجل الإستقلال . بل يمكن القول أن استقلال الصومال فى عام  1960م  كان ثمرة من ثمرات نضال المجتمع المدني (1) 

ومع إنتهاء الربع الأول من القرن العشرين تشكل المجتمع المدني من منظمات متنوعة عمالية وثقافية ودينية وإجتماعية إضافة إلي المنظمات الطلابية التي إنضمت لاحقا إلي المؤسسات المدنية ذات الحضور المهم فى الساحة الصومالية  . وازداد التنوع في تلك المنظمات بزيادة إحتكاك الصوماليين بالعالم الخارجي ، حيث اكتسبو امن خلال هذا الإحتكاك  ومع مرور الوقت بعض الخبرات  في مهارات النتظيم المعاصرة ، وأخذت المنظمات الإجتماعية غير التقليدية في الإزدياد شئاّ فشئا . 

  تعتبر المنظمة الإسلامية الصومالية ” Somali Islamic organization ” أول منظمة مجتمع مدني معاصرة فى التاريخ الحديث للصومال . أسسها الحاج فارح أومار(1828- 1948م). وكانت المنظمة تنادى بحق الصوماليين في الحرية وحق تقرير المصير. لقد برزت كذلك في المحمية البريطانية شمال الصومال منظمات أخرى مهمة أهمها إتحاد الموظفين الصوماليين ” Somali Official Union ” والخيرية ” Khayriyah”  وتأسست كلتاهما عام 1935م . كان برنامج إتحاد الموظفين الصوماليين يتركز علي تأمين حقوق العمال والموظفين الصوماليين في الإدارة البريطانية الإستعمارية، فى حين ظلت الخيرية منظمة إجتماعية تعمل في المجال الإقتصادى والتعليمى ، ولها مكاتب فرعية فى معظم مدن الصومال البريطانى . وتطور أعضائها لاحقا إلي سياسيين بارزين حيث صاروا من أبرز قادة الكفاح السلمي من أجل الإستقلال . 

أما جنوب الصومال ” الصومال الإيطالي ” كان نادى الشباب الصومالي”  Somali Youth Club” الذي تأسس قبل أن تخمد نيران الحرب العالمية الثانية عام 1943م في مدينة مقديشو  وعلي يد مجموعة مثقفة من  الشباب . كان أول منطمة إجتماعية أسست هناك ،ليتحول لاحقا إلى حزب سياسي تحت مسمي حزب وحدة الشباب الصومالي عام 1952م . 

الجدير بالذكر في هذا الصدد أن تأسست في الصومال الإيطالي وفى  العاصمة الصومالية  تحديدا أول منظمة دينية ثقافية معاصرة  ومستقلة عرفت بإسم الرابطة الإسلامية الصومالية ” Somali Islamic league” حيث بدأت فى الوهلة الأولي كردة فعل علي تزايد الأنشطة التنصيرية للأرساليات المسيحية بعد عودة إيطاليا إلى الصومال تحت مظلة الوصاية الدولية (1950 – 1960 م ) ثم تطورت لتبني أفكار ذات صلة بشكل الحكم في الصومال ، وأضحت تنادى بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية ، إضافة إلى تقوية اللغة العربية فى مجالي التعليم والعمل .   

 أما من حيث المنظمات الطلابية الصومالية فيعد نادى الطلبة الصوماليين بالقاهرة عام 1952م من أقدم المؤسسات المدنية الطلابية حيث لايزال النادى  قائما حتي الأن يمارس نشاطه من تنظيم العمل الطلابي وإقامة المناشط الثقافية والعلمية ( 2)  بجانب عدد من المؤسسات الطلابية  والشبابية التي ظهرت لاحقا في الصومال ، وزوالت العمل المدني بشكل لافت  . 

إزداد نشاط الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات في الفترة التي أعقبت الإستقلال ، وظلت السمة البارزة لهذه الفترة كثرة المنظمات وتعددها بيد أن أغلبها كان عديم الفاعلية، لا تظهر نشاطاتها إلا فى أيام الإنتخابات أو التظاهرات الإحتجاجية ضد الحكومة . أما فى مرحلة العهد العسكرى فقد حلت الحكومة كافة الأحزاب والجمعيات وأمّمت جميع الشركات التجارية الخاصة ومؤسسات القطاع الخاص معلنة  أنها مسؤولة عن تحقيق المصالح القومية والدفاع عنها مما يعنى أن تحل الحكومة محل المجتمع المدني ، ومن هنا فإنها قد شرعت فى تشكيل منظمات عمالية وشبابية ونسائية وبراعمية لتستقطب من خلالها تاتييد القوى الشعبية .  

ولم تكن هذه التنظيمات في أغلب الأحيان إلا عبارة عن لافتات صورية للحكومة ومن خلالها تنفذ أجنداتها ومشاريعها ولاتمت بصلة بهموم المواطنين وتطلعاتهم نحو تقدم البلاد وإزدهارها . 

لقد أسفرت هزيمة القوات الصومالية في حربها ضد إثيوبيا عامي 1977/1978م وفشل الحكومة في تحقيق شعارها الخاص بتوحيد الأراضى الصومالية عن لجوء مئات الألاف من اللاجئين الصوماليين والأورميين من مناطق الحرب إلى الصومال ليصبحوا عبئا علي الإقتصاد المتهالك .  

وظهرت  إثر ذلك معارضة مسلحة تسعي إلى الإطاحة بالحكومة ، الأمر الذى أدى إلي تراجع الحكومة عن تنفيذ كثير من إلتزاماتها تجاه المواطنين في المجالات الإقتصادية والإجتماعية . هذا التراجع النسبي أفسح المجال لظهور منظمات ومؤسسات خاصة كالمنظمات الطوعية التى تعمل وسط اللاجئين والمدارس والمستشفيات والشركات والمصانع الخاصة . 

 وعلي الرغم من هذه البدايات لمؤسسات المحتمع المدني فإنه يمكن القول   بأن سقوط الحكومة المركزية عام 1991م وما تبعها من إنهيار المؤسسات العامة يعتبر السبب أو العامل الرئيس لميلاد أكبر شريحة من مؤسسات المجتمع المدني فى الصومال (3)                                                                                                المزيد في الحلقة الثانية 

المراجع : 

محمد أحمد شيخ على ، الصومال في مرحلة ما بعد تفكك الدولة : دور القبيلة والمجتمع المدني في الفترة 1991م-1999م. رسالة دكتواراه غير منشورة ، معهد الدراسات الأسيوية والأفريقية، جامعة الخرطوم . 2004م، ص 296. 

فاطمة الزهراء على الشيخ احمد : السياسات الامريكية تجاه الصومال (القاهرة : دار الفكر العربى 2008 م ) ط الاولى. ص : 67- 68. 

محمد أحمد شيخ على ، الصومال في مرحلة ما بعد تفكك الدولة . مرجع سابق، ص 296-297. 

Exit mobile version