العامل الخارجيّ كمحدِّد لمستقبل أرض الصومال.. الواقع والمآلات
يُمثّل موقف المجتمع الدولي من قضية أرض الصومال عاملًا حاكمًا وحاسمًا بشأن مستقبل الإقليم الذي تستمر محاولاته الدؤوبة لنَيْل الاعتراف الدوليّ كدولة مستقلة ذات سيادة، وذلك منذ استقلاله عن الدولة الصومالية من طرف واحد في عام 1991م، بعد الإطاحة بحكم سياد بري من البلاد.
وإذ يتمتع إقليم أرض الصومال بعددٍ من المقوّمات التي تؤهّله لذلك وفقًا للعديد من الرؤى؛ إلا أن الممانَعَة الدوليَّة والإقليميَّة التي تتخوَّف من تداعيات سلبيَّة على أمن المنطقة والقارَّة ككل، وموقف الحكومة الصوماليَّة الحاسم بشأن وحدة التراب الصومالي يقف عائقًا أمام حصول “هرجيسا” على الاعتراف الدوليّ، على الأقل في المدى المتوسط.
ويتناول هذا المقال المقوّمات التي يحظى بها إقليم أرض الصومال، وأهميته الاستراتيجيَّة في السياسات الدوليَّة، وكذا السلوك الخارجيّ لحكومة “هرجيسا” تجاه العالم الخارجيّ، وتأثيرات ذلك ومآلاته مستقبلًا في منطقة القرن الإفريقي.
أولًا- مقوّمات أرض الصومال:
يظلّ حُلم نيْل الاعتراف الدوليّ هو الشغل الشاغل بالنسبة لإقليم أرض الصومال، تسعى إليه الحكومات المتعاقبة منذ إعلانه الاستقلال من طرفٍ واحدٍ عن الصومال في عام 1991م، عقب انهيار نظام سياد بري، وما ترتب عليه من سقوط الدولة الصومالية في براثن الفوضى والانهيار الذي لا تزال تعاني آثاره الكارثية حتى هذه اللحظة.
فقد أسهمت العديد من التطوُّرات التي شهدها الإقليم خلال السنوات التالية على كافة الأصعدة في تعزيز المقوّمات التي شكَّلت دافعًا قويًّا لتلك الحكومات في حثّ المجتمع الدوليّ على الاعتراف بأرض الصومال دولة كاملة الأهلية ذات سيادة.
إلا أنَّ الحسابات الدوليَّة تظل معقَّدة تجاه منطقة القرن الإفريقي التي تزايدت أهميتها الجيوستراتيجية خلال السنوات الأخيرة، وتُمثّل ساحةً كبيرةً للتنافس الدوليّ والإقليميّ بما ينطوي عليه من مصالح استراتيجيَّة للقوى الفاعلة التي تتطلب بشكلٍ أساسيّ درجةً كبيرةً من الاستقرار والأمن الإقليميّ الذي يحول دون تهديد تلك المصالح في هذه المنطقة الاستراتيجية.
وإذ يعتقد المجتمع الدولي أن أيّ اتجاه من شأنه تفكّك دول القرن الإفريقي قد يعرّض المنطقة بأكملها للمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار في ضوء تزايد الاضطرابات الإثنية والعرقية في معظم دول المنطقة الذي يعزّز من النزعات الانفصالية لبعض الإثنيات التي تشعر بالتهميش السياسيّ والاقتصاديّ.
ومع ذلك، تتوافر عددٌ من المقوّمات التي تعزّز موقف أرض الصومال بشأن نَيْل الاعتراف الدوليّ لتكوين دولة مستقلة عن الصومال. وقد دعت كافة الحكومات إلى النظر لأرض الصومال وحالتها الفريدة وإنجازاتها، إلا أنها لم تنجح في وضعها على الساحة العالمية.
وتتمثل أبرز تلك المقوّمات فيما يلي:
1- تعتبر أرض الصومال بالأساس مستعمرة بريطانية سابقة، قد نالت استقلالها في عام 1960م، وانضمَّت طوعًا إلى الصومال الإيطالي لتشكيل جمهورية الصومال في شكلها الحالي. ولم تكن تداعيات الاتحاد إيجابية على أرض الصومال؛ حيث واجه الإقليم تهميشًا في الدولة الجديدة، وتعرَّض لحملات من القمع؛ حيث هاجمت القوات المسلحة الصومالية أرض الصومال في عام 1988م، ودمَّرت العاصمة “هرجيسا” بشكل كامل -مما جعل البعض يطلق عليها دريسدن إفريقيا-، مما أسفر عن مقتل نحو 50 ألف شخص، وتشريد 500 ألف شخص. وعقب سقوط نظام سياد بري في عام 1991م قررت أرض الصومال إعادة تشكيل نفسها كدولة مستقلة، وأعلنت الاستقلال من طرفٍ واحدٍ.
وتستند أرض الصومال في هذا الشأن إلى أمرين؛ أولهما: أن جيبوتي -التي عُرِفَتْ سابقًا باسم الصومال الفرنسية- قد نالت استقلالها في عام 1977م، والتي كانت تقع ضمن الصومال الكبير. والآخر: أنها ترى أن مطالبها تتّسق مع أحد مبادئ الاتحاد الإفريقي الخاصة بالحفاظ على حدود الحقبة الاستعمارية على اعتبار أنها كانت تقع تحت الحماية البريطانية في فترة الاستعمار.
2- ترى أرض الصومال أنها تفي بمتطلبات الدولة الديمقراطية ذات السيادة؛ من حيث إجراء انتخابات حرَّة ونزيهة؛ حيث تجري أرض الصومال انتخابات ديمقراطية منذ عام 2003م، وشهدت انتقالًا سلميًّا للسلطة في عام 2010م، فضلًا عن صَكّ عُملة محليَّة مستقلة، ووجود قوات أمنيَّة خاصة بها، وإصدار جوازات سفر خاصة بها. بالإضافة إلى أن معظم سكان أرض الصومال ينتمون في الغالب إلى عشيرة إسحاق، وبالتالي يعتبرون أنفسهم من الأعراق المميزة عن الصوماليين الآخرين.
3- الالتفاف الشعبي حول مطلب الانفصال عن الصومال، ونَيْل الاعتراف الدولي، فقد أجرت أرض الصومال استفتاءً في مايو 2001م، واختار نحو 97% من شعب أرض الصومال الانفصال عن الصومال. وهو أمرٌ تكرَّر تأكيده على مدار العقود الثلاثة الماضية، ففي عام 2016م، وقَّع أكثر من مليون مواطن على عريضة تدعو للاعتراف الدولي بأرض الصومال كدولة مستقلة.
4- وجود درجة كبيرة من التكيُّف بين المواطنين في أرض الصومال، مما يُضْفِي حالة إيجابية من الاستقرار المجتمعي تنعكس على استقرار الوضع الأمني في الإقليم؛ حيث نجحت أرض الصومال في خلق نموذج إفريقيّ فريد فيما يتعلّق بالحوار والمصالحة الوطنية بعد نجاحها في إنهاء أعمال عدائية بين العشائر في تسعينيات القرن الماضي بعقد أكثر من 39 مؤتمرًا للمصالحة في أنحاء الإقليم دون أيّ دعم إقليمي أو دولي. وهو ما جعل عملية بناء السلام في أرض الصومال يبدو نابعًا من الداخل. وهو ما يُعتبر قصة نجاح حقيقية لأرض الصومال.
5- تتوافر لدى أرض الصومال أركان الدولة المتمثلة في الإقليم والشعب والحكومة؛ حيث تبلغ مساحة الإقليم نحو 138 ألف كيلومتر تقريبًا، ويحدّها كلّ من إقليم بونت لاند شرقًا، وإثيوبيا في الجنوب الغربي، وجيبوتي غربًا، وخليج عدن شمالًا. ويصل عدد السكان إلى حوالي 4 ملايين نسمة. فيما تبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي نحو ملياري دولار، وتتلقَّى معظمها من تحويلات العاملين في الخارج. وتتمثل أبرز صادراتها الرئيسية في الثروة الحيوانية التي تُصدّرها إلى جيبوتي وإثيوبيا وإلى دول الخليج لا سيما السعودية وعمان. كما يوجد حكومة تدير شؤون الإقليم برئاسة موسى بيهي.
6- تروّج أرض الصومال لنفسها على أنها أكثر استقرارًا من بعض دول الجوار الإقليمي، لا سيما الصومال؛ حيث تستطيع التجارة الدولية والإقليمية أن تَمُرّ عبرها دون أيّ نَهْبٍ أو سَلْبٍ، أو حتى حراسة أمنية، وهو ما يُمثّل نقطة استراتيجية مهمَّة بالنسبة للقوى الفاعلة في منطقة القرن الإفريقي. ويعود الفضل في ذلك إلى أن أرض الصومال قد استطاعت تحقيق مكاسب ديمقراطية ثابتة خلال السنوات الماضية، مما انعكس بشكل كبير على استقرار العامل الأمني هناك؛ وهو ما يجعل لديها حُجَّة قوية للاستقلال.
7- تتنوع الفرص الاستثمارية في أرض الصومال التي تمتلك ثروات طبيعية ممثلة في النفط والفحم، فضلًا عن امتلاكها ميناء بربرة الاستراتيجي الذي يطل على خليج عدن والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر عند مضيق باب المندب؛ حيث تُعدّ الاستثمارات الأجنبية جزءًا أساسيًّا من استراتيجية أرض الصومال لتصبح أكثر اندماجًا في الأسواق التجارية في آسيا وإفريقيا. كما تعتمد في نموذجها الإنمائي على اجتذاب العديد من القوى الدولية لإيجاد موطئ قدم هناك، وما يمكن أن يترتب عليه من إنشاء قواعد عسكرية التي تُمثّل مصدرًا مهمًّا للإيرادات المالية لبعض دول المنطقة مثل جيبوتي.
ومع ذلك، تُواجه أرض الصومال بعض المعوّقات التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق طموحاتها في إقامة دولة مستقلة؛ تأتي في مقدمتها المعارضة الصومالية، ومقاومة الحكومة الفيدرالية لأيّ انفصال للإقليم باعتباره يهدد وحدة الدولة الصومالية. فهناك رغبة لدى الحكومة في استعادة السيطرة على كامل أراضي الصومال. ناهيك عن الموقف الدولي الرافض لمثل تلك الحالات في القرن الإفريقي؛ خوفًا من تزايد النزعات الانفصالية التي قد تؤدّي إلى “بَلْقَنَة” المنطقة في ضوء الوضع المضطرب لعددٍ من المناطق في دول المنطقة مثل الصراع الإثيوبي مع إقليم تيجراي، والاضطرابات الإثنية في معظم مناطق البلاد.
ثانيًا- أرض الصومال في سياسات القوى الدولية:
في الوقت الذي أصبحت فيه منطقة البحر الأحمر ذات أهمية جيوسياسية واستراتيجية كبيرة لدى العديد من القوى الفاعلة في المنطقة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، أصبح تعزيز العلاقات والروابط مع أرض الصومال إلى جانب جيبوتي من الأولويات القصوى للعديد من اللاعبين الفاعلين الإقليميين والدوليين.
وقد أكسب الموقع الجيوستراتيجي لميناء بربرة أرض الصومال أهمية استراتيجية كبيرة كونه يطل على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر عند مضيق باب المندب الذي يمرّ عبره حوالي 30% من تجارة النفط الدولية؛ وهو ما جعلها محطّ اهتمام القوى الدولية التي تبحث عن اتصال جديد بطريق النقل البحري الأكثر حيوية في العالم.
وقد يلعب السباق الدولي والإقليمي في منطقة القرن الإفريقي دوره في تعظيم مكانة أرض الصومال في أجندة القوى الفاعلة في المنطقة، في ظل تموضعها الجيوستراتيجي المهمّ، والذي قد يفتح الباب أمام إقامة عددٍ من القواعد العسكرية الأجنبية في أرض الصومال؛ حيث أشارت بعض التقارير الغربية إلى احتمالية إقامة قاعدة عسكرية روسية وأخرى مصرية في أرض الصومال، كما يمكن لواشنطن أن تتَّخذ أرض الصومال شريكًا بحريًّا وعسكريًّا بديلًا لجيبوتي في حالة تزايد المخاوف من هيمنة الصين على جيبوتي بشكل كبير. وهو ما قد يجعل “هرجيسا” رقمًا مهمًّا في المعادلة الإقليمية في ضوء ترتيبات معقَّدة قد تشهدها المنطقة مستقبلًا من شأنها إعادة هندسة منطقة القرن الإفريقي.
ويمكن القول: إن أرض الصومال قد انخرطت مبكرًا في مسار التجاذبات الدولية في المنطقة، وهو ما برز بشكلٍ جليّ في تعزيز علاقاتها مع “تايوان” بمباركة وترحيب أمريكي؛ نكايةً في الجانب الصيني؛ لتحجيم نفوذه المتنامي في منطقة القرن الإفريقي، وإن كانت دوافع “هرجيسا” تتمحور حول التقارب مع الجانب الأمريكي على غرار “تايوان” لتحقيق مكاسب استراتيجية قد تصل إلى طلب الدعم الأمريكي في نَيْل الاعتراف الدولي مستقبلًا، وإن كان ذلك مستبعدًا ما لم تتغيّر الاستراتيجية الأمريكية ومصالحها في القرن الإفريقي خلال المرحلة المقبلة. إلا أنه في ذات الوقت قد تكون التكلفة باهظة في ظل استعداء أرض الصومال للجانب الصيني الذي يتعاظم نفوذه في المنطقة، في مقابل انسحاب محتمل للجانب الأمريكي دلَّل عليه بشكلٍ قويّ انسحاب القوات الأمريكية من الصومال خلال الفترة الأخيرة بأمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
كما برزت أرض الصومال خلال الفترة الأخيرة كساحة للتنافس المصري الإثيوبيّ في ضوء المساعي نحو تعزيز النفوذ لكلا البلدين في المنطقة، وذلك على خلفية تطورات قضية سدّ النهضة بين مصر وإثيوبيا. ففي ضوء التقارب المصري مع أرض الصومال الذي ظهر خلال زيارة الوفد المصري إلى العاصمة “هرجيسا” لإجراء محادثات مع إدارة أرض الصومال لتعزيز العلاقات واتفاق الطرفين على إنشاء مكاتب في كلّ من القاهرة وهرجيسا، جاء رد الفعل الإثيوبي سريعًا لإدراك الخطأ الاستراتيجي بإهمال مصالح أرض الصومال، فقد أرسلت أديس أبابا في نفس الشهر وفدًا إلى أرض الصومال، واتفق الطرفان على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإرسال سفير إثيوبي إلى “هرجيسا”، وذلك بهدف تحجيم التحرُّكات المصرية في المنطقة التي ترى أديس أبابا أنها تمسّ أمنها القوميّ بشكل مباشر في ضوء الجوار المباشر مع أرض الصومال.
ومع تزايد أهمية أرض الصومال جيوسياسيًّا وأمنيًّا بالنسبة للقوى الدولية الفاعلة في منطقة القرن الإفريقي، إلا أنها فيما يتعلق بالموقف من الاعتراف الدولي، ترى القوى الدولية أن الاتحاد الإفريقي يجب أن يكون هو أول مَن يفعل ذلك. ولا يخفى على أحد أن هناك القليل من الحوافز لدى الدول الإفريقية لتغيير وضع أرض الصومال خوفًا من تأثير نظرية “الدومينو” التي قد تصيب مناطق أخرى في القارة الإفريقية مما ينعكس سلبًا على الأمن والاستقرار الإقليمي والقاري. وبرغم أن هناك تشجيعًا دوليًّا لإجراء الانتخابات الديمقراطية والتنمية الاقتصادية في أرض الصومال، لكن دون أن ينطوي ذلك على اعتراف دولي بها في شكله القانوني.
ثالثًا- السلوك الخارجي لأرض الصومال:
تقوم أرض الصومال بحملة قوية منذ عام 2017م لوضع نفسها على الخريطة السياسية الدولية من خلال بناء علاقات استراتيجية وخَلْق شركاء استراتيجيين دوليين وإقليميين مثل بريطانيا وتايوان ومصر والإمارات وإثيوبيا وكينيا وجيبوتي، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى أراضيها.
وقد شهد عام 2020م انطلاقة نوعية جديدة لأرض الصومال على صعيد البحث عن دعم خارجي إقليمي ودولي لنيل الاستقلال عن الصومال. وذلك من خلال إنشاء روابط دبلوماسية جديدة، بالرغم من الانعكاسات السلبية التي واجهتها الحكومة الصومالية نتيجة بعض تلك التحركات.
وتَعْتَبِر إدارةُ أرض الصومال أيّ تواصل مع أيّ طرف خارجي بمثابة نجاح وخطوة قوية تجاه حُلمها الغائب الذي طال انتظاره منذ تسعينيات القرن الماضي لإعلانها دولة مستقلة ذات سيادة. ومِن ثَمَّ، تمتلك “هرجيسا” وجودًا دبلوماسيًّا في عدة بلدان مثل جيبوتي وإثيوبيا وجنوب السودان وكينيا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وكندا والصين والإمارات واليمن والسعودية وبلجيكا وفرنسا والنرويج والسويد وتركيا وأستراليا وتايوان. كما يوجد بها بعثات دبلوماسية لبعض الدول مثل جيبوتي وإثيوبيا وتركيا والدنمارك وكينيا. وتجدر الإشارة إلى أن هناك 35 دولة فقط تعترف بأرض الصومال كدولة فعلية، لكنها لا تعترف بها دوليًّا بحكم القانون.
وتسعى أرض الصومال إلى جَلْب العديد من الحلفاء، لا سيما بعض الحالات المتشابهة معها مثل تايوان، واللتين لديهما سياق تاريخي مشترك، لا سيما عدم الاعتراف الدولي؛ حيث اتفق الطرفان على تبادل المكاتب التمثيلية في البلدين، خاصةً أن “هرجيسا” تسعى من خلال علاقاتها مع تايوان أن تبني علاقات استراتيجية أفضل لا سيما اقتصادية وأمنية مع واشنطن، وفي نفس الوقت جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لاستغلال مواردها غير المستغلة، وهو الأمر الذي أزعج بكين مما جعلها تتجه نحو مقديشو التي تؤكد دعمها لسياسة صين واحدة.
وبالرغم من أن أرض الصومال لم تَحْظَ باعتراف دوليّ بحكم القانون، إلا أن الأطراف الدولية تتعامل معها ككيان مستقل كونها منطقة منفصلة عن الصومال. فقد أرسلت دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وفدًا لمراقبة الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2017م.
كما تحاول هرجيسا تعزيز مشاركتها مع المجتمع الدولي من خلال تعميق مشاركتها مع المنظمات الدولية مثل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد أنشأت منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة روابط مع المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات النسائية في أرض الصومال بهدف تقديم الدعم في المستقبل.
وكانت أرض الصومال قد طالبت الأمم المتحدة في نوفمبر 2020م بالتعامل معها كدولة مستقلة بدلًا من التعامل معها كجزء من الصومال، وأعلنت “هرجيسا” أنها لن تستأنف التعاون مع الأمم المتحدة إلا بعد أن تدرك ذلك، وجاء ذلك بعد منع أرض الصومال من جانب واحد جميع منظمات الأمم المتحدة من العمل في أرض الصومال، ردًّا على اتفاق تعاون تم توقيعه بين الحكومة الاتحادية الصومالية ومبعوث الأمم المتحدة.
وتخشى القوى الغربية من أن يشجّع الاعتراف الدولي بأرض الصومال الحركات الانفصالية الأخرى في إفريقيا أن تحذو حذوها مثل “بيافرا” في نيجيريا، أو “الصحراء الغربية” في المغرب، وإقليم “كيفو” في الكونغو الديمقراطية، وربما إقليم “تيجراي” الإثيوبي في المستقبل، وهو ما يهدّد الأمن الإقليمي والقاري في إفريقيا.
وفي ضوء بعض التغييرات الجيوسياسية الرئيسية التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي؛ مثل: التوتر القائم بين مصر والسودان وإثيوبيا بسبب قضية سد النهضة، والتنافس الأمريكي الصيني في القرن الإفريقي، وتحرُّكات تايوان التي تُغْضِب الصين، والخلافات الكينية الصومالية، والصراع الإثيوبي الداخلي، والتي قد تسهم في إعادة تشكيل موازين القُوَى في القرن الإفريقي؛ فقد تستفيد أرض الصومال من كلّ تلك التفاعلات وتتيح لها مساحة حركة دبلوماسية تستطيع من خلالها اللعب على المتناقضات، مما يعزّز قدرتها على تعظيم مصالحها الاستراتيجية مستقبلًا.
إقليميًّا، استضافت “هرجيسا” خلال النصف الثاني من عام 2020م وفودًا دبلوماسية لعددٍ من الدول؛ مثل: مصر وإثيوبيا وكينيا إلى جانب الصين وتايوان والإمارات بهدف كسب قضية الاعتراف الدولي لصالحها. وقد اضطرت دول الجوار الإقليمي إلى مَنْح أرض الصومال الاعتراف الذي تستحقّه دونما الاعتراف بحقّ قانونيّ بغية تعظيم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
فقد وقَّعَتْ أرض الصومال اتفاقًا مع شركة موانئ دبي العالمية؛ بهدف تطوير وتحديث ميناء بربرة بقيمة 442 مليون دولار. وهو ما اعتُبِرَ أكبر ضَخّ للنقد الأجنبي الذي تحصل عليه أرض الصومال على الإطلاق. وهو نفس الاتفاق الذي توصَّلت فيه مع إثيوبيا بموجبه تمنح أديس أبابا امتيازًا لمدة 30 عامًا لتطوير وإدارة ميناء بربرة بنسبة 19% على اعتبار أن الميناء هو بوابة مُهمَّة لإثيوبيا الحبيسة، والتي تسعى إلى توسيع دائرة الاعتماد على موانئ المنطقة وعدم الاكتفاء بميناء جيبوتي فحسب.
وتحافظ إثيوبيا منذ سنوات على علاقة دبلوماسية غير رسمية مع أرض الصومال التي تتقاسم معها حدودًا كبيرة، إلى جانب التعاون الأمني بين الطرفين عبر الحدود، والتعاون التجاري كعاملين أساسيين في علاقاتهما على مدى العقود الثلاثة الماضية.
وتتمثل أهم مصالح إثيوبيا في أرض الصومال في حاجتها إلى دولة مستقرة ومسالمة لا تُصدِّر لها أيّ تهديدات أمنية. بينما ترى أرض الصومال في إثيوبيا بمثابة بوّابة لها إلى بقية دول العالم، وحليف صامت لسعيها للاعتراف الدوليّ؛ حيث أعلنت أديس أبابا أكثر من مرَّة أنها ستكون ثاني بلد يعترف بأرض الصومال؛ كونها غير مستعدَّة لاتهامها بتفكيك الصومال، وحرصها على عدم توتير العلاقات مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو.
كما تُعدّ أرض الصومال جارًا مهمًّا لجيبوتي؛ كون بعض سكان الأولى يعيشون في جيبوتي، كما أن هناك علاقات تجارية مهمة تربط الطرفين، من خلال استثمارات بعض رجال الأعمال الجيبوتيين في أرض الصومال بمشروعات تجارية واسعة النطاق. لذلك، جاءت زيارة رئيس إقليم أرض الصومال، موسى بيهي، إلى جيبوتي في ديسمبر 2020م في هذا الإطار لتعزيز العلاقات الثنائية مع جيبوتي، ومحاولة استمالة الموقف الجيبوتي لصالحها.
كما تسعى أرض الصومال إلى توسيع دائرة علاقاتها مع دول القارة الإفريقية وعدم الانكفاء على دول المنطقة فقط؛ حيث أجرى وزير خارجية مالاوي، إيزنهاور مكاكا، محادثات مع رئيس أرض الصومال، موسى بيهي، في أرض الصومال، وذلك لبحث العلاقات الثنائية، وبحث الاعتراف الدولي بأرض الصومال. وجاءت زيارة موسى بيهي إلى دولة غينيا في نفس الإطار. الأمر الذي اتخذت على إثره الحكومة الفيدرالية في مقديشو قرارًا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع غينيا بسبب استقبالها بيهي في عام 2019م، وبعدها مع كينيا في ديسمبر 2020م، والتي استضافته مؤخرًا أيضًا، وذلك في رسالة لكافة الدول الإفريقية بعدم التضحية بعلاقاتها مع مقديشو لحساب العلاقة مع أرض الصومال.
رابعًا- التأثيرات والمآلات:
تظل المخاوف والمحاذير بالنسبة للقوى الدولية والإقليمية قائمة بشأن مَنْح حقّ الاعتراف الدولي لأرض الصومال؛ كونها سوف تصبح سابقة قد تبني عليها بعض الحركات الانفصالية الأخرى في القرن الإفريقي ومناطق أخرى بالقارة حُجّتها لتفعيل حقّ تقرير المصير ونيل الاعتراف الدولي، وهو الأمر الذي يهدّد أمن الدول الإفريقية، ويعزّز زعزعة الاستقرار فيها. ومن ثَمَّ، سيظل هناك تباطؤ في التعاطي الدولي والإقليمي مع تحركات أرض الصومال المكثَّفة لحَمْل الأطراف الدولية على الاعتراف بها كدولة مستقلة ذات سيادة، وإن كان من الممكن تعزيز وتوسيع علاقاتها مع عدد أكبر من القوى الفاعلة في القرن الإفريقي وخارجه.
في المقابل، لن تقف الصومال صامتةً أمام أيّ تحرُّك دوليّ أو إقليميّ لصالح قضية أرض الصومال من شأنه تفكك وحدة الدولة الصومالية، وهو ما دلَّل عليه إجراءاتها المتعجّلة بقَطْع العلاقات الدبلوماسية مع كل من غينيا وكينيا خلال العامين الماضيين.
فالموقف الرسمي الصومالي واضحٌ بشأن هذه القضية، وهو الإصرار التامّ على وحدة الصومال وعدم انفصال أرض الصومال عن التراب الصومالي.
وبالرغم من فشل المفاوضات بين الحكومة الفيدرالية وحكومة أرض الصومال التي احتضنتها جيبوتي في يونيو 2020م، إلا أن مقديشو قد تجدّد مفاوضاتها مع “هرجيسا” للوصول لتسوية بشأن هذا الملف مع تقديم تنازلات من الطرفين.
وبينما تشير بعض التقديرات إلى أنه قد يتطوّر الأمر بين الطرفين للمواجهة العسكرية لإخضاع إقليم أرض الصومال للحكومة الفيدرالية الصومالية على غرار ما يشهده الصراع الإثيوبي بين الحكومة المركزية الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي الشعبية في إقليم تيجراي، إلا أنه يظل أمرًا مستبعَدًا في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تشهدها الصومال خلال السنوات الأخيرة.
ومِنْ ثَمَّ، فإنَّ قُدُرَات الرئيس فرماجو في حال استمراره بالسلطة لا تسمح بالإقدام على هذه الخطوة، إلا إذا نال دعمًا إقليميًّا من حليفيه الإثيوبيّ والإريتريّ وصمتًا غربيًّا على غرار ما حدث مع آبي أحمد في الحرب الإثيوبية في إقليم تيجراي.