حسن محمود قرني كاتب وأديب وروائي صومالي، مبدع عملاق، مدون فنان وفارس في عالم الروايات والقصص، ونجم لامع في أورقة المكاتب والأنديات الأدبية.
لديه قدرة فلكلورية حيث يتميز الأديب بسلاسة العبارات، وإيجاد اللغة، كما يتقن بصناعة الألفاظ الأدبية، وديباجية المختارات الكلاسيكية.
فإذا كان نجيب محفوظ رائد الأدبي العربي في عصره فشبلنا -الصومالي رائد – اليوم – وسينال جائزة نوبل في “الأدب” يوما من الأيام، إنه قنديل وهاج في قلوبنا، تتماشى رواياته في الواقع، وفي الخيال الأدبي له صدارة ومكانة …!
ولد حسن محمود قرني في اقليم اغادين “الصومال الغربي” 1986م، وهي موطن دهبي، وبقعة مباركة، لها تاريخ مجيد في ذاكرة الأيام والأزمان، انها قلعة العلماء والشيوخ، ومركز العمالة والبسالة ، ذاك بلدكم الحنين وإن جارت عليها المستعمرة ”الإيثوبية” ومن نشأ في ربها وعضابها تجلد، ومن عاش بين شعابها وتلالها نبغت عبقرته ، ومن شرب من ماءها الصافي وترعرع تحت سماءها سادت فكرته ، انها بلاد الجبابرة ، ومراضع الأحرار والقادة الصومالية كأمثال أحمد غري “الغازي” والشاعر الحكيم السيد محمد عبد الله حسن” قائد حركة الدراويش” الجهادية.
نشأ الكاتب في مدينة كسمايو جنوب الصومال “مرفأ ذاكرته” انهى مراحل تعليمه الأساسية فيها،و قامت شخصيته الفذة بها ، درس في مدارسها النموذجية ، حيث تخرج من “مدرسة جوبا الأساسية والثانوية” جلس شوارعها الخالية من الضوضاء والعرقلات الساسية من جهة، وسامر انديتها الشعبية مع أتراب له وقلوب نقية، نفسه لاتعرف معنى الهزيمة !ولكن الواقع يقرر طعم الحياة! بل صمد أيام مرارتها بعد الإنهيار الحكومة المركزية”العسكرية ” طلائع الجماعات المتناحرة أمر رهيب ، وظهور فوضى عارمة بين الصوماليين كارسة انسانية ! أمة حربية قد تحول أمة مسالمة، الأمور بيد الله يقول الإمام الشافعي :-
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء
ولا حزن يدوم ولا سرور ولا بؤس عليك ولا رخاء
آه ..آه .. عيناه اكتحلا صواريخ العنف وهزيز الدبابات! بين عويل النساء “الصوماليات” ونياحة الأمهات الأرامل ، شرارة الرصاص لاتفجع بهذا الولد ، وإن كانت تضاهي وجبة فظور عند”الصباح” هندسة الحرب الأهلية تحاكي دائرة “الحساب” في الليل!
ودَمْدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجاجِ
وفوقَ الجبالِ وتحتَ الشَّجرْ
ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبالِ
يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ
أما حنينه الوطنيي وشوقه المستهام للعلم قاده الى مورد الثقافة والمعرفة ، وفي الحديث شاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد، نعم الحلقات في المساجد بغية كل طالب صومالي وهدفه المنشود بشكل عام ، فهمة هذا القمر “الشاب” مكنته أن يكون إماما للمسجد “مسجد سوق ياسين” فها هو يتأبط كتابا نحو “البيت” وتارة نحو “المسجد” يتصفح ، ويراجع ، لماذ ؟ لكي يعلم ؟ ماذا يعلم ؟ ضالته ! وما ضالته؟ هي..جوهرة مفقودة أو روح “هاجر” …. في الصحف أخبار ؛ وفي الكتب أخيار !
يمم وجته الى لؤلؤة المعارف وبوصلة العلوم ،
فجهز لوازم السفر بدقة ؛ وصوب الأمر بقوة ، ثم طفق رحلته -الميمونة- من أجل التعليم العالي ؛ من أجل نيل المرام ، من أجل تنمية المواهب ، من أجل تعزيز القدرات ، من أجل رفع الوعي وإحياء الثقافة ، من أحل تطوير الذات ، من أجل التجديد ، من أجل تحرير الفكر وتنويره ، من أجل أن يعش ويصمد ، يا له من ولد ! لسان حاله يردد ما قاله الشاعر العربي :
أنا المُسافر والاحلام تَحمُلنى ،
القلْبُ بَوْصَلَتى والعَقل مصباحِي،
الأرض بَيتي وكُلُ النَّاسِ عَائلتي ،
بالحبِ أوصِلُ أرواحاً بأرواحِ ،
منتُ باليُسر بَعدَ العُسرِ فى ثقةٍ ،
بمن يُحوِلُ أحزانى لأفراحِ ،
سَيَفتحُ اللهُ باباً كُنتَ تَحسبُه ،
منْ شِدَّة اليأسِ لم يُخلق بمفتاح.
الجدوى مجهولة لمن يسافر من بلد مزقته الحروب الأهلية، وعديمة من موطن سادته سماسرة الدماء، ومعضلة من بقعة قادته زعماء العشائر والقبائل ، ويتيمة من بلد سمته ما يسمى الإنهيار الحكومي ، فموجات الفصائل الدينية والحركات المسلحة في الصومال في تلك الفترة طغوسات وويلات يومية ! ومعاناة ومشقات دهرية، ونكبات ونسكات متتالية !
وفي هذا الرح ! سافر شبلكم “الصومالي” الى الخطوم -عروس النيلين- و كونت شخصيته الفائقة داخل السودان -الشقيقة- التي رشحت ملايين من الشباب -الصومال- الى نحو المعالي والقمم ، بل بسطت لهم يد العون والمساعدة، في وقت تغيرت الأحوال والأيام ، وتعسرت بهم الحياة ، واندثر جميع الخذمات الأساسية والبنية التحتية في الصومال ، ودمرت كل المرافق العامة بأبشع صورة وأفضح كيفية.
وفي تلك اللحظة كان الشعب -الصومالي- يعاني بمشكلات اجتماعية وأخرى سياسية ، تضربه لجة الفقر والمجاعة ، فهناك قلة المقومات الأولية ، مثل المباني السكنية و المياه والصحة التعليم والإستقرار الأمني ، هذا ما غرسته غطرسة المعارضة والجبهات المحلية التي حملت السلاح لتخميد شعلة ثورة أكتوبر…
نعم ، ناهيك ماسجله التاريخ من من الوقائع والأحداث التي نشرتها الجرائر والصحف الصادرة من الإعلام العريي والغربي ، وقد رصدت المجلات الإخبارية والإذاعات الإقليمية والدولية ما جري في الصومال من ضد وحرب كلي ، كما أجري أيضا بعدة من الدراسات السياسية والبحوثات الفكرية بين من يؤمن قضية اعادة -الصومال- من جديد وحل الأطراف المتنازعة فيها ، وبين من يؤمن احتراق البقية واشعال النار داخل الوطن حتى كثر النزوح والهجرة.
فمهما ضاقت الدنيا ، وعم الظلام وجاء الحرب بيننا ، وقامت -القيامة- في قلوب الشباب والشيوخ الركع والأظفال الرضع في الصومال بوجه عام ، فنحن شعب باسل وشجعان ، لم نستسلم ولن نركع ازاء أعدائنا وأمام خصمنا النهب ! أجل لم تخمد فينا النفوس العالية والأرواح البرجوازية التي تحمل باسم الحرية والكفاح ..يوما ما !
انْْسَ ماضيْك وعِش يوماً جميلاً
واتخذ مولاك في الدنيا وكيلا ،
وتأمل في شموخ الكون واشمخْ
لا يحب الله أن تبقى ذليلا،
كن طموحاً وانطلق نحو المعالي
لن ترى بالعزم شيئاً مستحيلا ! ،
التحق الكاتب الى جامعة افريقيا العالمية وهو من ضمن هؤلاء الشخصيات الفذة التي لم تمت قيمهم ومبادئهم الراسخة بل هو ممن يشار اليهم بالبنان! وفي عام ٢٠١٣م تخرج في كلية العلوم_قسم الجيولوجيا – ثم رجع بعدها الى الصومال وبدأ مشواره الأدبي ، سافر الى عواصم بلدان الأفارقة وبعض الدول العربية.فإذا زرنا الى حديقته الخلابة وروضته الفنية وميدانه الثقافي فهو يتمتع بموهبة لاتقدر بثمن ؛ نعم ، جمال كتابته تجاه الأحداث لا يصفه الواصفون ، وكذا عمق ادراكه الأدبي لا تدركه العباقرة ! أما قلمه السيال وأسلوب الراقي فعمالة الزمان تعجزه !
بدأ مسيرته في الكتابة الواقعية والخيالية، كما ظهر ابتكاره الجديد بشكل أدبي وفن علمي ، نشر العديد من المقالات في المراكز العربية الرائدة والمواقع الصومالية ، وقد قرر حسن محمود قرني التركيز على الأدب وفنونه المختلفة، فجل مقالاته الأدبية وبحوثه الغزيرة تسلط الضوء قارة السمراء وما فيها غرائب وعحائب ، مثل موقعها الجغرافي، وشعوبها المتنوعة ، وتاريخيا التليد ، وأدبيها الفياض ، وثقافتها العالية ، وتقليدها المتوراث ، ونضالها المجيد ، وثروتها العنوية والمادية “الصومال- السودان- إثوبيا- كينيا- اوغندا”
معظم رواياته الأدبية فريدة من نوعها، وقصصه المسرحية وليدة من جديد ، ومسوداته التاريخية سطور وشموع ! فلايمل ولايكل من يتصفح ثم يقرأ ، ولا يرهق من يطالع بهجة أيامه، ولا يتعب من سامره ليالي عمره. لهذا نجد أن مؤلفاته ومدوناته النابغة وقد أثارته أذهان الكتاب والفلاسفة ، وحركت عقول القادة والمفكرين ، فلسان الأدباء والشعراء الفحل استحسن ، وأوداء الفصاحة والبلاغة مدحوه ومجدوه ! وعشاق الثقافة العربية في الصومال وضعوه في صالونهم الفكري والثقافي واعتبروه غنمة عمرهم .
وفي 18من يوليو (تمّوز)2018م أهداني المؤلف أو الروائي كتابه ( جنوبا ماوراء السافانا) فكانت الهدية جوهرة غالية، بل هي حجر الأوبال وياقوت نفيس بنسبتي، لأن الكتاب خير جليس في الزمان ! الكتاب متعةالحديث ، وعقد فريد لمن يريد تشحين مذاقة الأدبي وادراكه الفكري ، وتقوية ثقافته الفردية ، هكذا قيل ،الرائد لايكذب أهله ! والقراءة مستشفى العقول وحديقة العقلاء ! .
قرأت انتاجه الفلكلوري فور صوله “الي” ولزمت مصاحبة كتابه بهرة من حياتي وجعلته رفيق دربي أكثر (أيامي) ! في البيت أطالع جل ساعاتي ما في دفتيه ! وفي السفر أقطع طوال المسافات والكيلومترات عصارة فكره ! وفي البادية والأرياف المترامية (أيام العطلة) حدث ولا حرج !
اتذكر دائما تنسيق العناوين وجدية الكتاب ، ونحت الكاتب في ظل دوحته التراثية -الأفريقية والعربية- والمامه التاريخي وشحاعتة الموفورة المحظوظة ، وفي خاطري أيضا ، روعة صناعة الكلمات بإنشائه الوجداني ، وترصيع العبارات وتنقيحه الكلاسيكي ، من خلال مراجعتي ما بين صفحات (الكتاب) . وفي السودان (الخرطوم ) عريس النيلين ، والصومال السودان….(علاقة النضال والفن ).. هرر هي مدينة (تأبى النسيان) ، الصومال الغرببي (الصراع العالمي المصغر) ومقديشو (تاج الصومال الجميل) هرجيسا …(سرة المدن الصومالية) وها هي افريقيا من خلال فليم ( الألماس الدموي) ومسجد (القذافي) حسن محمود قرني كاتب أفريقي وأديب معاصر ، ومدون صومالي ، صدرله أعمال أدبية منها:
-جنوبا ما وراء السافانا “الصومال السودان-إثوبيا-كينيا-اوغندا” وكاتبه الثاني
غوريguure “رواية ” باللغة الصومالية تناول فيها أحداث تاريخية والثالث من انتاجه الثقافي كتابه الجديد:-الصومال “زوايا غير محكية”وفي صفحة الإهداء يقول:- “إلى ضحايا الحروب، إلى الهاربين من وطنهم إلى منفى لا يشبههم،إلى القابضين على جمرة «الصومال الكبير» إلى المقاومين الذين رفضوا الانبطاح ولم يخِفْهم ضعف الشعب أمام جبروت خصومه،إلى العالقين وراء حدود لم يختاروها يوما، إلى حاملي لواء الأدب وحماة الثقافة في عصر الذوبان.. إليهم أهدي هذا الكتاب…”
استمر الأديب والكاتب “الشبل “حسن محمود قرني في التأليف الإبداعي ، وكتابة الرواية والقصة والمقال السياسي ابان ترحلاته الجغرافية ، وتجولاته الإستكشافية المعاصرة، ويقول في مقدمة كتابه الأول ” جنوبا ما وراء السافانا” .(.لم أكن رحالا يدون يومياته بانتظام ، ولم أكن عالما يبحث مجد الكلمات وتخليد التاريخ، ولكن كنت مسافرا يبحث متعته عن السفر في ربوع إفريقيا عموما….)
يغوص الأديب حسن محمود قُرني في أعماق قارة السمراء “افريقيا” ليسجل لنا تحفة نادرة في أدب الرحلات ، ويظهر لنا حقيقة الأفارقة وحياتهم الناعمة وبلدانهم السياحية ، وما خلفته أيادي المستعمر الغاشم أو ما تروي أقلام كتبة النفاق الغازي من البرطانيين والإيطاليين والفرنسيين، وفي توطئة كتابه “جنوبا ماوراء السافانا” أيضا نقتبس جذوة من سطوره و شموعه المعطرة، وهي التي ترسم لك بغية الكاتب وكفاحه الثقافي ضد لمن يلبس شعوب قارة إفريقيا ثوب العار والخزية ، وقلادة التخلق والضياع ومن جملة ما قاله المؤلف…
” تُرى ما حقيقة الحكايات والأوهام المروية عن الشعوب والدول في افريقيا ، وما الذي يحدث وراء غابات السافانا ومناطق لم تصلها كاميرات القنوات وأقلام الكتب والباحثين إلا نادراً ، ولماذا يركزون على الجوانب المظلمة؟ المأساة والفقر والحروب ، ولِم جعل المرض والمعاناة يرسخان في عقولهم ويترسبان على وجدانهم حتى باتت صورة نمطيه؟ علما بأن افريقيا تعتبر قارة المستقبل وخزينة مليئة بالخيرات والتاريخ..)
وفي نهاية هذه الجلسة نستملح مكانة اللغة العريية، ودورها الريادي في الصومال كوسيلة لنشر الثقافة الإسلامية بين أوساط المجتمع وتعزيز روح الدين ، قديما قال بعض عمالقة الكتابة وفلاسفة الأفكار” تعد اللغة العربية من أهمّ مقومات الهوية العربية ، حيث عملت طويلاً على نقل تاريخ وثقافة الحضارات العربيّة عبر الزمن، وتعتبر من أهم العوامل التي حافظت على توحيد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، كما ساهمت في حفظ تاريخ العرب منذ العصر الجاهليّ ومن ذلك تاريخهم الكامل ، وبطولاتهم ، وشعرهم ، وأخيراً كانت معجزة نزول القرآن” وخير دليل وشاهد ما أنشده شاعر النيل بإسم اللغة العالية ومنها :-
وَسِعْتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً .
وَما ضِقْتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ
وَتَنسيقِ أَسْماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي.