الصومال اليوم

ثلاث ناشطات صوماليات يواجهن الموت ويتحدين الرصاص الحي دفاعا عن الديمقراطية

نظمت مجموعة شبابية الجمعة الماضية 25/ديسمبر/2020م، مظاهرات سلمية في العاصمة الصومالية مقديشو للتعبير عن مواقفهم إزاء السبل المثلى لاجتياز المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد وتضمن إجراء انتخابات توافقية حرة ونزيهة في موعدها المحدّد.

الأمر اللافت للنظر في هذه المظاهرة، أنها كانت مظاهرة شعبية يتقدّمها مجموعة شبابية، خاصة، شابات صوماليات قرّرن ممارسة حقهن الدستوري في التعبير عن مواقفهن السياسية حيال المرحلة الحساسة التي تشهدها البلاد.

لكن طريقة تجاوب السلطات الأمنية مع هذه الحادثة كانت صادمة، إذ التقطت عدسات المصوّرين وكاميرات وسائل الإعلام التي كانت تغطي هذا الحدث قيام رجل أمني بلباس مدني إطلاق رصاص حي من مسدّسه تجاه الفتيات اللاتي لم يحملن سلاحا غير مكبرات الصوت الّتي كن يستخدمنها لإيصال أصواتهن إلى الجماهير التي شاركت في هذه المظاهرات.

لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، بل اتصل الرجل المسلح بالشرطة التي أمدّته بقوة أمنية ساهمت في اعتقال عدد من المتظاهرين والإعلاميين الّذين كانوا ينقلون أحداث المظاهرات.

وكان من بين المعتقلين الفتيات الثلاث اللاتي كنّ يتقدّمن المظاهرات عندما كان الرجل الأمني يطلق الرصاص لتخويف المتظاهرين وتفريقهم، غير أن هؤلاء الفتيات سطّرن موقفا بطوليا يتمثل في عدم تراجعهن أو حتّى انفعالهن من تصرّف الرجل الأمني، وهي ظاهرة جديدة في المجتمع الصومالي، تكشف عن مدى النضج السياسي والوعي الثقافي الّذي يتمتّعن به هؤلاء الفتيات اللاتي لم يزدن على الرجل الأمني سوى قول إحداهن له: “لاتطلق الرصاص علي إن أنت من عناصر الشرطة الصومالية، إذ إني لم أرتكب مخالفة قانونية تستوجب إطلاق الرصاص علي، وإنما أمارس حقي الدّستوري الّذي يكفله لي الدستور الصومالي الانتقالي، أما إذا لم تكن شرطيا فسأقاضيك أمام العدالة والقانون”!، غير أن ذلك لم يشفع لهن، فتم اعتقالهن وفق تصريحات لهن عقب الإفراج عنهن.

وأثارت هذه الحادثة غليانا في الأوساط السياسية والاجتماعية، حيث تضافرت جهود من أجل إطلاق سراح المعتقلين على خلفية هذه المظاهرات، وفي مقدّمتهن الفتيات الثلاث، وهو ما تحقّق في وقت متأخر من مساء الجمعة 25/ديسمبر/2020م.

وعقب الإفراج عنهن تحدّثن لوسائل الإعلام للكشف عن تجربتهن في مسيرة البحث عن ممارسة حقّهن الدستوري.

وقالت ديقة محي الدين داود المشتهرة باسم ديقة الصومالية وهي التي أطلق عليها الجندي الرصاص، “كما تعلمون أقام شباب صوماليون عزّل مظاهرات سلمية، ولم يكونوا يشكّلون خطرا على أمن البلاد، غير أنه تم استهدافهم من قبل رجل مسلح قيل إنه كان من القوات الأمنية، وتم اعتقالنا بطريقة تعسفية، حيث اعتدت علينا القوات الأمنية بالضرب والتعامل معنا بمعاملة سيّئة قاسية“.

وفي مقابلة لها مع فضائية دلسن الصومالية أفادت ديقة الصومالية بأن الرجل المسلح حاول تخويف المتظاهرين، حيث أطلق النار عليها مباشرة، مما أدى إلى افتراق المتظاهرين ولجوئهم إلى الفرار، كانت هي واحدة ممن صمدوا أمام طلقات الرصاص!

وأشارت إلى أنه تم احتجاز المعتقلين ونقلهم إلى 3 مراكز للشرطة بمقديشو في غضون ساعات، بتهمة زعزعة الأمن والاستقرار والإخلال بالنظام العام، وهي ما رفضته صراحة أمام مركز الشرطة الأول الّذي احتجزت فيه، موضّحة للسلطات هناك أنها كانت تمارس فقط حقّها الدستوري في التظاهر السلمي، ومعلنة أنّه إن كان هناك أحد يعبث بالأمن العام ويخل به فلن يكون إلاّ الجندي الذي أطلق الرصاص على المتظاهرين وأرعبهم حتى لا يمارسوا حقهم الدّستوري.

واستدعت هذه الحادثة انتباه القوى المعارضة، حيث أصدر مجلس اتّحاد المرشحين بيانا صحفيا يستنكر فيه بشدّة طريقة مواجهة الحكومة الفيدرالية للمظاهرات السلمية التي شهدتها العاصمة مقديشو الجمعة الماضية، ودعا في الوقت نفسه منظمات المجتمع المدني، اللجان الحقوقية في غرفتي البرلمان الفيدرالي، شيوخ العشائر، علماء الدّين، والمجتمع الدولي إلى شجب هذا التصرف وإصدار بيانات للاستنكار والتنديد به!.

وشكّلت هذه الحادثة موقفا بطوليا ووطنيا للفتاة ديقة الصومالية ورفاقها، مما أثار تفاعلا واسعا مع القضية في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تداول نشطاء في هذه الوسائل منشورات تقارن بين ديقة محي الدين الصومالية، وآلاء صالح السودانية التي وُصفت بأيقونة الثورة السودانية التي أطاحت بالرئيس عمر البشير في 11/إبريل/2019م.

هذا وتلعب المرأة الصومالية دورا كبيرا في الحياة الاجتماعية والسياسية الصومالية، فإلى جانب كونها أما ومربية في البيت، هناك قطاع واسع منهن يخضن معترك الحياة، ويواجهن غمار الحياة الصعبة في الصومال، من طلب الرزق لأولادهن، والانخراط في الحقل التعليمي، إلى جانب مساهمات البعض في الشؤون السياسية. ويزخر تاريخ الصومال بمواقف بطولية نسوية لا تقف عند حواء تاكو، بل تمتد لتسطّر وجود المرأة الصومالية في كلّ منعطف من منعطفات مسيرة استقلال الصومال وبناء دولته سواء في عهد الحكومات المدنية أو في عهد الحروب الأهلية، إذ سجّل التاريخ الحديث أن المرأة الصومالية استطاعت في 2000م، وأثناء مؤتمر عرتا للمصالحة الصومالية إقناع قبيلة بأكملها بالعودة إلى المؤتمر بعد انسحابها منه، مما يعدّ هذه الخطوة بصمة من بصمات المرأة الصومالية في مسيرة بناء الدولة الصومالية من جديد.

Exit mobile version