إن معالجة الفقر وتحسين مستوى المعيشة وتوفير الغذاء والدواء اللازم، يعمل على تهيئة بيئة ملائمة قادرة على العطاء يمكن لأفرادها إعمال الفكر وتوظيفه في خدمة أهداف التنمية وبلوغ غاياتها.
إن الإبداع والابتكار يحتاج إلى بيئة توفر أدوات لعصف الفكر والعقل البشري من خلال بسط ميدان رحب للبحث العلمي يستوعب الإبداعات ويستقطب الابتكارات. وتستفيد الدول المتقدمة من إمكانات وقدرات المبدعين والمبتكرين على مستوى العالم وتعمل على تحقيق التنمية الشاملة لشعوبها، التي بدورها تنعكس على تحقيق الأمن والاستقرار وزيادة الرفاه الاجتماعي. بينما تعاني الدول النامية من الفقر وانخفاض مستوى المعيشة وتردي الخدمات، وبالتالي لا يمكن تلبية المتطلبات الأساسية في ظل ضعف وانخفاض معدلات التنمية التي بدورها تنعكس على عدم الاستقرار واختلال الأمن وتفشي الظواهر الإجرامية نتيجة لأن دور البحث والتطوير هامشي في هذه الدول.
تعتمد هرمية الحاجات على ترتيب الحاجات الإنسانية على شكل هرم تمثل قاعدته الحاجات الفسيولوجية الأساسية، وتتدرج تلك الحاجات ارتفاعاً حتى تصل إلى قمة الهرم حيث الحاجة إلى تحقيق الذات. والحاجات تعتبر من أهم محددات السلوك الإنساني وفي كثير من الأحيان يعتبر السلوك انعكاسا لهذه الحاجات.
تعتمد معظم الدول النامية بصفة أساسية على تصدير الخامات، وانخفاض حصة المنتجات المصنعة والتقنية من إجمالي صادراتها. وبذا فإن القيمة المضافة للسلع الأولية (الخامات) التي يتم تصديرها تكون ضئيلة جداً، مما يجعل الوضع الاقتصادي ودخل الفرد في كثير من البلدان العربية لا يتفق مع الإمكانات الهائلة لموارد تلك الدول.
على المستوى الوطني فقد ركزت خطط التنمية على تنمية الموارد الاقتصادية التي بدورها تعمل على تنمية القطاعات الأخرى وتوافر رأس المال اللازم لإحداث التنمية، وتنمية الموارد البشرية التي تهتم بالاستثمار بعيد المدى في التعليم والتدريب، والتنمية الاجتماعية والصحية، وتنمية التجهيزات الأساسية.
تؤدي التنمية إلى التوسع والتنوع في البرامج الاقتصادية والاجتماعية على مختلف المستويات. كما أن تنمية الموارد البشرية تؤدي إلى زيادة الطلب على القوى البشرية المدربة التي تسهم في رفع الكفاءة الإنتاجية، وأيضاً تدفع خطط التنمية ببرامج التعليم والتدريب إلى آفاق جديدة تُحدث مواكبة حقيقة للعلوم والمعارف والتقنيات الحديثة.
مما يتيح فرص استثمارية أكبر ويزيد من استيعاب قوى السوق للفائض من القوى البشرية، الذي ينعكس إيجاباً على الاستقرار والنمو في المجتمع. إن تحفيز عناصر الإنتاج التي تتمثل في الأرض، والعمل، ورأس المال، والتنظيم من خلال المشروعات التنموية الرائدة، وتعزيز المشروعات التجارية المتوسطة والصغيرة، وفتح قنوات لعمل المرأة وتوظيف قدراتها ضمن الضوابط الشرعية والقيمية سيسهم في استثارة مكونات هذه العناصر ويستدر مكامنها بما يعزز قدرات الاقتصاد الوطني ويحقق مزيدا من الاستقرار والرخاء.
تقف برامج التنمية الموجهة لتوسيع قاعدة الصناعة وراء فتح أسواق جديدة، وتعمل على جذب صناعات جديدة، تؤدي بدورها إلى رفع الكفاءة الإنتاجية لقطاعات أخرى الذي بدوره يسهم في استقرار المجتمع وتقدمه.
يُعزى النمو المتزايد والتقدم المستمر لكثير من الدول إلى الجهود المتميزة لمراكز البحث والتطوير التي تعمل على تدعيم وتعزيز البنية الاقتصادية عامة والتقنية خاصة، وتوجه الاستثمارات لقطاعات الإنتاج الصناعي الذي يستوعب عنصر العمل، ويرفع من مهارته، ويرسى قاعدة تدريبية عريضة تشكل مخرجاتها طاقات بشرية ماهرة تنافس محلياً، وإقليمياًً، ودولياً. الذي بدوره يعطي الثقة للقطاعين العام والخاص في تحقيق مفهوم الجودة في المخرجات من سلع وخدمات مما يعمق الاستقرار ويزيد فرص النمو والتطور.
أن الانتخابات لا تشكل وحدها الديمقراطية، ولكن الذي نفتقر إليه هو ثقافة الديمقراطية، وهي الثقافة التي يجب أن نسعى من أجل ترسيخها في المجتمع عن طريق مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية، وكذلك عن طريق مؤسسات المجتمع المدني.
يضمن النظام الديمقراطي حصول المرأة على حقوقها، بما يمثله في الدستور والقانون والتعليم والنظام الانتخابي وقانون الأحزاب وكيفية التعامل مع الإعلام الذي يجب أن يكون مستقلاً عن الدولة. كذلك تعزيز الثقافة الديمقراطية وتغيير المناهج، بالإضافة إلى ضرورة وجود الآليات الرقابية، والسعي نحو مفاهيم الحكم الصالح والمساواة وتكافؤ الفرص والمواطنة وإعطاء الشباب دور رئيسي والاهتمام بالفئات المهمشة.
ما زال موضوع مشاركة المرأة في صنع القرار موضوعا جدليا يستحوذ اهتمام الناشطين في مجال الديموقراطية وحقوق الانسان والمواطنة. ذلك خاصة في المنطقة العربية التي تشهد حراكا سياسيا لا بل دمويا حادا، مما يستوجب استنفار كل الطاقات البشرية لإرساء الاستقرار فيها، بما في ذلك الحاجة لدور المرأة التي شاركت في بعض التحركات الشعبية في الدول العربية. تلك الدول التي ما زالت تبحث في صراع عنيف عن إمكانية إحلال السلام والتي يجب أن تعد المرأة بطبيعتها داعية أساسية للأمن والامان فيها.
علما بأن تلك المرأة نفسها هي التي دفعت غاليا ثمن الصراعات السياسية على حساب كرامتها وتفتت عائلتها وفقدانها للإمكانية التأثير الفاعل في مجريات الاحداث التي تساهم في تهميشها، لا بل بتراجع كبير لدورها في ظل التطرف والتحجر الفكري.
قبل تلك التغيرات في المنطقة العربية وفي خلالها ما زال التساؤل الذي يلح علينا دائماً هو أنه على الرغم من كافة الدراسات التي أجريت بشأن المشاركة السياسية للمرأة، والندوات والمؤتمرات التي عقدت لتداول هذه القضية، فما تم إحرازه على أرض الواقع من تقدم يعد محدوداً للغاية. رغم كل ذلك ثمة تطورات قد حدثت في بعض الدول العربية لا يمكن إغفالها. بعض المجتمعات التي لم تكن تعترف بأي دور سياسي للمرأة بدأت تعين النساء في بعض المجالس والهيئات كذلك البرلمانات بدأت تفسح المجال للمرأة ولو بصورة رمزية ونخبوية. ويمكن القول بصورة عامة أن بعض الحواجز التي كانت قائمة منذ ما يقرب من عقدين قد شهدت تحسنا نسبيا.
لكن ما سبق لا يعني أن الوضع الحالي يدعو للاسترخاء، بل على العكس فإن الوضع الحالي يطرح تساؤلات من نوع جديد بشأن نسبة مشاركة المرأة ومستوى ادائها وكيفيته، ومدى قدرتها على التأثير في الحياة السياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني. ومدى صلتها بالنضال القائم من أجل الحريات العامة وحقوق الإنسان في المجتمعات العربية. وهل يمكن تأطير عمل النساء كي يمثلن نصف الهيئة الناخبة.
هل المجتمع المدني لديه القدرة على تعبئة النساء والرجال المؤيدين لحقوق النساء لإحداث تغيير في النظرة لأهمية الاستفادة ممن يشكل نصف المجتمع؟ هناك ظاهرة ملفتة لا بد من التنويه عنها وهي اقدام نسبة من النساء الناخبات على عدم مساندة النساء المرشحات للانتخابات. ان هذا الواقع مرده عدم ثقة الناخبة بالمرأة نفسها وانسياقها وراء رغبة الرجل من حولها. كما يؤثر الخطاب الديني المتطرف على توجهاتها. كذلك نرى في بعض الأحيان نوع من المنافسة السلبية لدى بعض النساء وللأسف ممن يدعين مناصرة المرأة.
بناء عليه نحن بحاجة ملحة للتغيير في العديد من المفاهيم للمساهمة في مشاركة المرأة في صنع القرار. ان هذا التغيير مرتبط ارتباط وثيق بعملية التحول الديموقراطي واحترام حقوق الانسان والمفهوم الصحيح للمواطنة.
لتغيير الوضع الحالي نحن بحاجة الى قوانين انتخابية أكثر عدلاً وأقل تحيزاً، وإحدى الوسائل الأساسية لتحقيق هذه الغاية هي الكوتا، فتطبيق الكوتا يعد أحد آليات تغيير قواعد اللعبة السياسية.
بعض الدول العربية يطبق نظام الكوتا الذي رفع معدل مشاركة المرأة في المؤسسة التشريعية. ولا شك أن الكوتا على مستوى الأحزاب ترفع من مشاركة المرأة في البلديات وفي البرلمان. وعليه، يجب أن تسعى النساء من أجل فرض كوتا نسائية داخل الأحزاب، تماماً كما حدث في ألمانيا وبعض الدول الاسكندنافية.
الكوتا كما يعرف الجميع مرحلية ومؤقتة لتعويض المجتمع لا لتعويض عدم قدرة المرأة على الوصول إلى المجالس النيابية. نظام الكوتا اشارت اليه اتفاقية “السيداو” باعتباره نوعاً من التمييز الإيجابي. ولكن هل قامت الدول العربية بما يتعين عليها القيام به قبل تبني نظام الكوتا؟ فقد أشارت اتفاقية” السيداو” إلى أنه يجب على الدول التي ستطبق نظام الكوتا القيام بمجموعة من الإجراءات من بينها العمل على تغيير التنشئة الاجتماعية. فنظام الكوتا بطبيعته مؤقت وخطوة على طريق تحقيق المساواة.
ونتساءل هل النساء اللاتي وصلن إلى مراكز القرار في ظل نظام الكوتا أحدثن تغييراً ما، أم قمن فقط مثل الرجال بتنفيذ سياسة السلطة القائمة؟ هل غيرن شيئاً في نظرة الرجل إلى المرأة حتى إذا ما ألغي نظام الكوتا يمكن للناخبين من الرجال أن يصوتوا لصالح مرشحات من النساء؟ ما مدى ارتباط الأداء السياسي للمرأة بالقضايا النسائية؟
ما هو نموذج المرأة التي وصلت عن طريق نظام الكوتا إلى المجالس النيابية؟ نتيجة لأن ذلك تم دون تهيئة بيئة حاضنة لفكرة المشاركة السياسية للمرأة تبقى قضية الكوتا قضية خلاف ونزاع داخل أوساط مختلفة من المثقفين والناشطين السياسيين بين معارض ومساند، وكل له خلفيته في ذلك لا يمكن للمجتمع أن يحقق التنمية الشاملة وبناء مجتمع جديد إذا لم يكن للمرأة دور في صياغة القرارات المتعلقة بحياتها الخاصة والعامة، وإذا لم تأخذ حصتها من الأعمال المهنية والإدارية والاقتصادية، وإذا لم تشارك في مؤسسات السلطة في مختلف المستويات وفي مؤسسات صنع القرار، فتمكين المرأة بات يشكل التحدي الأهم لتحقيق التنمية على أساس المشاركة والفرص المتساوية.
ليس في الأمر سر، فالمواطن العربي لا يلمس فعليًا أي إنجاز مهما كان لصيقًا لحياته “القُطرية” العامة، لأن في الحياة العربية، منذ 1984 مثلًا، لم يتمكن أي من التجمعات الإقليمية العربية مهما بلغت قوتها من إعادة الحق في فلسطين إلى اصحابه، على الرغم من أن “قضية العرب الأولى” كانت موجودة في كل البيانات السياسية لكل التجمعات الإقليمية.
هذا ما يراه المواطن العربي، خصوصًا أن هذا تكرر في الأزمات العربية المختلفة، كالحرب الأهلية اللبنانية، أو تعرض لبنان لثلاثة اجتياحات إسرائيلية، أو اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية، أو تعرض الكويت لاجتياح عراقي في عهد صدام حسين، أو تعرض العراق لاحتلال أميركي، أو الفشل في رأب الصدع الخليجي المستمر.
فهذا المواطن العربي مسيّس، فلا يقيم وزنًا للتكامل الاقتصادي الخليجي الذي أثبت نجاحه في أكثر من مجال، ولو أنه يستفيد منه استفادة كبيرة. فالجانب السياسي طاغٍ على ما عداه.