الصومال اليوم

الاستراتيجية الأميركية الجديدة لمواجهة الإرهاب تثير مخاوف مقديشو

أكدت الولايات المتحدة، التي تشكل رأس حربة في مواجهة الجماعات الجهادية في أفريقيا، أن سحب قواتها من الصومال وإعادة نشرها في دول مجاورة يأتي ضمن إستراتيجية لإعادة التموضع في المنطقة.

ورغم أن هذه التطمينات خففت من حدة التوجس لدى مقديشو، إلا أنها لم تبدد المخاوف من قدرة الجيش الصومالي المتعثر على مواجهة حركة الشباب الجهادية.

ونشرت الولايات المتحدة مجموعة من البوارج الحربية قبالة سواحل الصومال لدعم انسحاب حوالي 700 جندي من البلد الأفريقي المضطرب، في خطوة تتوجس مقديشو من تداعياتها على مواجهة الحركات الجهادية، فيما يؤكد المسؤولون الأميركيون أنها تندرج ضمن إستراتيجية شاملة لإعادة التموضع في شرق أفريقيا.

وقالت القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) في بيان، إن المجموعة البحرية ستساعد في نقل الأفراد العسكريين والمدنيين الأميركيين من الصومال “إلى مواقع عمليات أخرى في شرق أفريقيا مع الحفاظ على الضغط على المتطرفين العنيفين ودعم القوات الشريكة”.

وأكد قائد أفريكوم الجنرال ستيفن تاونسند، أن الولايات المتحدة لن تنسحب من شرق أفريقيا، في خطوة تهدّئ من مخاوف الجيش الصومالي المتعثر، لكنها قد تمنح الجماعات المتشددة بمن فيها حركة الشباب فرصة لإعادة انتشار مجاميعها في هذا البلد المضطرب.

ستيفن تاونسند: نحن قادرون على ضرب حركة الشباب في أيّ وقت نختاره

وأضاف تاونسند “لكي نكون واضحين، الولايات المتحدة لا تنسحب أو تنفصل عن شرق أفريقيا. نحن لا نزال ملتزمين بمساعدة شركائنا الأفارقة في بناء مستقبل أكثر أمانًا”. وتابع “كما نظل قادرين على ضرب حركة الشباب في الزمان والمكان اللذين نختارهما. لا ينبغي لهم أن يختبرونا”.

وستتم إعادة نشر معظم الأفراد الذين يغادرون الصومال والبالغ عددهم 700 فرد، في كينيا أو جيبوتي، حيث سيتمكنون من مواصلة الضغط على حركة الشباب. ومنذ سنوات عدة، استخدمت القوات الأميركية، بالتعاون مع القوات الحكومية الصومالية، طائرات مسيّرة لشن هجمات على الحركة الجهادية المتطرفة.

ونشرت واشنطن نحو 700 جندي من القوات الخاصة في الصومال لتدريب القوات الصومالية وتقديم المشورة لها وتنفيذ غارات لمكافحة الإرهاب ضد جماعة الشباب المتطرفة التي صنفتها واشنطن حركة إرهابية في عام 2008.

وكشف تقرير وزارة الخارجية الأميركية الصادر حول الإرهاب للعام 2019، أن حكومة مقديشو قد فشلت في تنفيذ الجوانب الرئيسية للإصلاحات الأمنية، وهي خطوة تزيد من عرقلة الجهود المبذولة لتمكين الجيش الوطني من مواجهة إرهاب حركة الشباب القاعدية.

ويشير التقرير إلى أن المسؤولين العسكريين الصوماليين “فشلوا في تنفيذ إصلاحات الأمن القومي الحيوية وتمرير التشريعات التي يمكن أن تساعد في تعزيز قدرة الحكومة على تأمين الحكم بشكل فعال على جميع المستويات”.

وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها أن القيادة الأميركية في أفريقيا نفذت 63 ضربة جوية ضد حركة الشباب عام 2019، مقارنة بـ47 في 2018 و35 في 2017. وأقر البنتاغون في عام 2017 خطة لمنح صلاحيات للقوات العسكرية الأميركية بشن حملة ضد حركة الشباب التي تُصنف ضمن الجماعات الإرهابية.

وفسر مراقبون تلك الصلاحيات على أنها إطلاق يد القوات الأميركية في اتخاذ قرار شن الهجمات في أفريقيا ضد حركة الشباب. ويقلل مراقبون من الآثار السلبية لانسحاب القوات الأميركية من الصومال إلى الدول المجاورة، كون مهامها في مقديشو لوجستية بحتة ومن الممكن مواصلتها من أي بلد مجاور.

ويرى إسماعيل طاهر عثمان، النائب الأسبق لرئيس جهاز الاستخبارات الصومالي، أن الولايات المتحدة لديها سياسة مدروسة تجاه المنطقة وقد تتغير قواعد اللعبة حول أنشطتها العسكرية، لكنها لن تتخلى عن المنطقة في وجود منافسين دوليين يبحثون عن موطئ قدم، خاصة في الصومال.

مارك ميلي: حركة الشباب ما زالت تُشكل تهديدا يجب مراقبته

وقدمت الولايات المتحدة مساعدات إنسانية وعسكرية وتنموية إلى الصومال، ووقّعت الحكومتان في 6 ديسمبر 2017 اتفاقية تنموية بقيمة 300 مليون دولار، وهي أول اتفاقية منذ أكثر من ثلاثين عاما. وقُدرت المبالغ التي قدمتها الولايات المتحدة منذ عام 2011 إلى الصومال بمبلغ 1.3 مليار دولار كمساعدات إنسانية و328 مليون دولار كمساعدات إنمائية للصوماليين.

ويرى المحللون أن الدعم الأميركي لمحاولة إصلاح وهيكلة قوات الأمن في مقديشو، مع أنه مهم، لا يغيّر الواقع الحزين جذريا وهو أن الجيش الصومالي ليس مستعدا لضمان أمن بلد غرق في الفوضى منذ 1991. وقال نات بريدن، مؤسس المجموعة الفكرية “ساهان” التي تتخذ من نيروبي مقرا لها، إنه “جيش بالاسم فقط”.

وبالرغم من تلقيها ضربات موجعة في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد طردها من العاصمة مقديشو، إلا أن الحركة المتطرفة لا تزال تنفذ هجمات دموية باتت تؤرق القوات الصومالية والقوات الأميركية.

وتعد حركة الشباب في الصومال واحدة من الحركات الإرهابية التي احتفظت ببيعتها لتنظيم القاعدة، رغم الصعود القوي لتنظيم داعش الإرهابي خلال السنوات الأخيرة، ومبايعته من طرف تنظيمات إرهابية كثيرة في أفريقيا، على غرار جماعة بوكو حرام النيجيرية، إلا أن حركة الشباب ظلت متمسكة بولائها لتنظيم القاعدة، رغم ما أصاب الأخير من وهن وضعف.

وتظهر هجمات حركة الشباب قدرتها على إلحاق أضرار بالغة في الصومال والمنطقة، رغم خسارتها السيطرة على مناطق مدنية رئيسية في الصومال. وخسرت حركة الشباب أبرز معاقلها بعد طردها من مقديشو في عام 2011. إلا أنها لا تزال تسيطر على مناطق ريفية واسعة تقود انطلاقاً منها حرب عصابات وتنفذ هجمات انتحارية.

ورغم التطمينات الأميركية بمواصلة دعم الصومال في حربه ضد الإرهاب، يعبر مسؤولون أميركيون كما صوماليون عن مخاوفهم بشأن قدرة الجيش الصومالي المتعثر على الصمود في وجه حركة الشباب المتشددة إثر رحيل القوات الأميركية وقوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي (أميصوم) المزمع مغادرتها في 2021.

الدعم الأميركي لمحاولة إصلاح وهيكلة قوات الأمن في مقديشو، مع أنه مهم، لا يغيّر الواقع الحزين جذريا وهو أن الجيش الصومالي ليس مستعدا لضمان أمن البلاد

وأقر رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارك ميلي، بأن حركة الشباب ما زالت تُشكل “تهديدا” يجب “مراقبته”. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تبحث عن أفضل توازن لتقليل المخاطر من الناحيتَين البشرية والمالية، وتنفيذ “عمليات فعالة لمكافحة الإرهاب” في الوقت عينه. غير أنه حذر من أن “أيا من هذه العمليات لا يخلو من المخاطر”، مستذكرا مقتل أحد أفراد وكالة الاستخبارات المركزية “سي.آي.أي” في الصومال في نوفمبر.

وزار وزير الدفاع الأميركي بالوكالة كريستوفر ميلر أواخر نوفمبر الصومال للاحتفال بعيد الشكر مع العسكريين الأميركيين. وأتت زيارته غداة مقتل العنصر في وكالة الاستخبارات المركزية بالصومال، وفي الوقت الذي كان فيه قرار الانسحاب من هذا البلد منتظرا.

Exit mobile version