يتواصل التغلغل التركي في تونس الذي فتحت له حركة النهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي الباب واسعا، ليصل إلى المؤسستين العسكرية والأمنية، وذلك في تطور خطير من شأنه تقويض أسس أركان العقيدة الدفاعية التونسية، وخاصة منها تلك المتعلقة بنوعية السلاح المعتمد.
ويعكس هذا التطور تحولا نحو اعتماد تونس على الصناعة العسكرية التركية لتجهيز الوحدات العسكرية والأمنية بالمعدات والتجهيزات التي تحتاجها، وتسارعت وتيرة الشراءات العسكرية التونسية من تركيا، رغم ثبوت محدودية القدرات الميدانية للمعدات العسكرية التركية في ساحات المعارك.
وفي سياق هذا التحول الذي يندفع بسرعة نحو فرض المزيد من أوراق الضغط المختلفة لرسم معادلات جديدة يكون ناتجها الآني والمستقبلي تكريس هيمنة تركيا على تونس تماما مثل ليبيا، كشف إسماعيل دمير، رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التابعة للرئاسة التركية، عن صادرات إلى تونس بقيمة 150 مليون دولار، لتعزيز دفاعاتها العسكرية.
وقال في تغريدة له عبر تويتر نشرت الخميس إن خمس شركات تركية حققت صادرات مهمة إلى تونس خلال الأيام الماضية، حيث بلغت قيمتها 150 مليون دولار، تمت بالتنسيق مع مؤسسة الصناعات الدفاعية.
وشملت تلك الصادرات طائرات مسيرة من طراز “العنقاء – أس” لشركة الصناعات الجوية والفضائية “توساش”، ومدرعات من طرازي “كيري” لشركة “بي.أم.سي”، و”أجدر يالتشين” لشركة “نورولماكينا”، وآليات مختلفة مثل الصهاريج والدبابات لشركة “كاتميرجيلار”، وأنظمة كهروضوئية لشركة “أسيلسان”.
وفيما أكد المسؤول التركي أن هذه المعدات ستكون في خدمة القوات التونسية، لم يتسن لـ”العرب” التأكد من ذلك من وزارة الدفاع التونسية، حيث اتصلت بالناطق الرسمي باسمها الذي اكتفى بالقول “لا تعليق”، وذلك في الوقت الذي تشير فيه كل المعطيات إلى أن مثل هذه الصفقات مرتبطة بحسابات أملتها المعادلات التي تحكم المشهد الإقليمي، لاسيما في ليبيا التي يخضع غربها إلى الهيمنة التركية.
وعلى هذه القاعدة، يرى مراقبون أن توقيت الكشف عن هذه المبيعات العسكرية والأمنية التركية إلى تونس، ليس بريئا، وإنما هو على صلة بما تخطط له تركيا عبر وكلائها في تونس، وخاصة حركة النهضة الإسلامية، من مخططات تستهدف تحويل تونس إلى “رأس حربة” لمشاريعها في المنطقة المغاربية.
واعتبروا أن هذا الأمر ليس منفصلا عن ظروف الأزمة الليبية وتعقيداتها، خاصة وأن الكشف عن حجم تلك الصادرات، وعن نوعية السلاح والعتاد اللذين شملتهما، جاء بعد يوم واحد من إقرار البرلمان التركي تمديد التواجد العسكري التركي في ليبيا لمدة 18 شهرا إضافيا بتعلة الحفاظ على المصالح التركية في المنطقة.
لكن ذلك لا يحجب أيضا حقيقة أن التغلغل التركي في تونس بدأ منذ العام 2012، عندما كانت حركة النهضة الإسلامية تحكم البلاد من خلال الترويكا، كما لا يحجب أيضا حقيقة وجود مخطط كبير لتسييج منطقة شمال أفريقيا بالسلاح التركي، كانت “العرب” قد تطرقت إليه في وقت سابق عبر تركيزها على الصفقات العسكرية التركية مع تونس.
وفي بداية شهر مارس الماضي، كشفت “العرب” عن تلك الصفقات التي يُراد منها اختراق المؤسستين العسكرية والأمنية التونسيتين، محذرة على لسان الخبير الأمني التونسي، العقيد المتقاعد علي الزرمديني، من سعي تركيا إلى تعزيز نفوذها العسكري في شمال أفريقيا من خلال استثمار حاجة الجيش التونسي إلى آليات متطورة لمحاربة الإرهاب.
واعتبر الزرمديني أن توجه تونس نحو الصناعات العسكرية التركية “محكوم بتوجهات سياسية باتت معروفة”، ما يستدعي “إعلاء الصوت للتحذير من مخاطره، باعتبار أن النزعة التوسعية والاستعمارية التركية لا تقل فظاعة عن التوجه الاستعماري الغربي الذي عانت منه دول المنطقة”، على حد قوله.
وأمام تزايد صفقات التسليح التونسية مع تركيا، ارتفعت الأصوات المحذّرة من دخول تونس ضمن دائرة النفوذ التركي الذي يسعى إلى تغيير معادلات موازين القوى نحو اتجاهات لا تخدم المصالح العليا للبلاد، لاسيما وأن التغلغل التركي اتخذ أشكالا متعددة، وهو يتوسع باستمرار، اقتصاديا وتجاريا وكذلك ثقافيا.
وترافقت تلك الأصوات مع تزايد المخاوف من هذا التحوّل الذي اختلطت فيه الحسابات السياسية والمعادلات العسكرية لتشكل جملة من الاعتبارات الجديدة التي تهدف إلى تغيير خارطة التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، لاسيما في هذه المرحلة التي تتسم بتواصل تنازع الأحزاب التونسية على الحكم من خلال تزايد المناورات السياسية، وسط تحالفات “مريبة” أملتها الحاجة إلى ممارسة المزيد من الضغوط والابتزاز على حكومة هشام المشيشي.
*صحافي تونسي