يكشف تسليح تركيا لأجهزة الشرطة الصومالية بالتزامن مع استعداد البلاد لإجراء انتخابات برلمانية، مخاوف أنقرة من تغييرات سياسية مفاجئة تدفع بحلفائها في السلطة إلى الهامش، ما يقوض نفوذها في منطقة القرن الأفريقي الإستراتيجية، فيما تتوجس المعارضة الصومالية من استغلال هذه الأسلحة في تزوير نتائج الانتخابات.
أثار إرسال تركيا لكمية كبيرة من الأسلحة إلى مقديشو التي تعيش تجاذبات سياسية حادة بسبب تأجيل الانتخابات، توجس المعارضة الصومالية التي لم تستبعد استخدام هذه الأسلحة من قبل الرئيس محمد عبدالله محمد، حليف أنقرة، لقمع معارضيه وتزوير نتائج الانتخابات المقبلة.
وقالت المعارضة الصومالية إنها بعثت مؤخرا برسالة إلى تركيا لحثها على عدم إرسال شحنة أسلحة مزمعة إلى وحدة خاصة بالشرطة، فيما يشهد الصومال توترا سياسيا كبيرا يؤججه غضب المعارضة التي نظمت مسيرة مناهضة للرئيس في العاصمة مقديشو بسبب تأجيل انتخابات مجلسي البرلمان.
وكان من المقرر في البداية إجراء الانتخابات هذا الشهر، لكن هذه الخطة ألغيت بعد خلافات على تشكيل لجنة الانتخابات.
وقال مرشحون من المعارضة في رسالة إلى السفير التركي لدى الصومال إنهم علموا أن أنقرة تعتزم تسليم ألف بندقية طراز جي 3 و150 ألف رصاصة لوحدة هرمعد الخاصة بالشرطة الصومالية بين 16 و18 ديسمبر الجاري.
وأكد عبدالرحمن عبدالشكور زعيم حزب ودجر (الوحدة) وأحد المرشحين الذين كتبوا الرسالة “قلقون إزاء إغراق هذه الكمية من الأسلحة للبلاد في وقت الانتخابات الحساس”.
وأضاف عبدالشكور أن الرئيس “استخدم بالفعل قوات هرمعد في القمع وتزوير الانتخابات الإقليمية، ولذا فإنه لا يوجد شك في أنه سيتم استخدام قوات هرمعد أيضا والأسلحة الواردة من تركيا لخطف الانتخابات المقبلة”.
وأصبح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السنوات القليلة الماضية حليفا مقربا للحكومة الصومالية، حيث شيدت أنقرة مدارس ومستشفيات وبنية تحتية في الصومال ووفرت منحا دراسية لديها للصوماليين، كما افتتحت تركيا في 2017 أكبر قواعدها العسكرية في الخارج بمقديشو.
وينظر المتابعون إلى القاعدة العسكرية التركية في مقديشو على أنها رمز للتوسع التركي، يهدف وجودها إلى إنشاء قوة عسكرية صومالية صديقة لتركيا، وبالتالي توسيع قوتها الاقتصادية والجيوسياسية في جزء حساس من شرق أفريقيا.
ويشير هؤلاء إلى أن تركيا لن تكتفي بتدريب القوات العسكرية والأمنية الصومالية بل ستسعى لزرع عقيدة قتالية موالية لها، حيث يكون من الصعب، تحت أيّ ظرف، خسارة نفوذها هناك. كما أن ذلك سيجعل من السهل عليها تعويض أيّ شخص تتم إقالته أو الانقلاب عليه بشخصية موالية لها وضامنة لمصالحها في منطقة إستراتيجية.
وعلى الرغم من أن الهدف المعلن من القاعدة العسكرية هو المساعدة في تدريب القوات الصومالية، فإنّ وسائل إعلام تركية أقرت بأن موقع القاعدة يعطي أنقرة أهمية إستراتيجية في القرن الأفريقي، مشيرة إلى أنّ القاعدة يمكن أن تكون مدخلا لتسويق السلاح التركي هناك.
وأدخل هذا التحالف مقديشو إلى قلب الصراعات الإقليمية بدل مساعدتها على ترميم علاقتها بمحيطها وأعطى أنقرة رافعة إستراتيجية لتوجهاتها في المنطقة وتوسيع علاقاتها ونفوذها مع القارة الأفريقية على حساب مصالح الصومال.
وبدأ النفاذ التركي إلى القرن الأفريقي عبر البوابة الصومالية في العام 2011، من خلال ستار المساعدات الإنسانية التي قدمتها تركيا عن طريق وكالتها الرسمية للإغاثة، إلا أن توقيع تركيا لاتفاقيات اقتصادية مع الصومال فضح المطامع التركية المتخفية خلف الأعمال الإغاثية.
وبدأت أنقرة بالفعل في قطف ثمار تدخلها في الصومال والتخطيط للتمدد أكثر في القرن الأفريقي بإعلان أردوغان عن بدء بلاده التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية الصومالية بدعوة من حكومة مقديشو. وفي غضون ذلك، أصبحت العاصمة الصومالية شبه مغلقة بسبب التهديدات الإرهابية المتزايدة والتي تنفذها جماعات إسلامية متطرفة وتمولها دول خارجية.
وتواجه قطر اتهامات بمحاولة الدفع نحو تأزم سياسي وفراغ أمني في الصومال لاستدامة العنف والتطرف من خلال تمويل الجماعات المتطرفة على غرار حركة الشباب، ما يعزز الحضور التركي هناك بذريعة محاربة الإرهاب.
ونجحت تركيا في استغلال النفوذ القطري المالي وغيره في الصومال لتقوية حضورها، ما يشرعن تدخلها.
وفوّت التوجيه التركي لسياسات الصومال على مقديشو فرصة استثمار الحضور الإماراتي السعودي في المنطقة لتجاوز الصعوبات الاقتصادية والأمنية التي تمر بها، بعد أن نجحت أبوظبي بدعم سعودي في تحقيق مصالحة تاريخية بين إثيوبيا وإريتريا فتحت أمام البلدين فرصا اقتصادية هائلة.