الصومال وكينيا تصعيد متبادل ينذر بانفجار الوضع بالتزامن مع صراع حدودي بين السودان واثيوبيا
الصومال اليوم – تقرير خاص
تشهد العلاقات بين الصومال وجارتها كينيا أزمة متصاعدة وفصلاً جديدا من التوترات السياسية بين البلدين وصلت مؤخرا إلى حد إعلان مقديشو قطع العلاقات الدبلوماسية مع نيروبي بشكل كامل واستدعت جميع دبلوماسيها المقيمين في كينيا، بعد أيام من استدعاء سفيرها هناك وطرد السفير الكيني.
وبالرغم من ارتفاع حدة ودرجة التوتر في العلاقة بين البلدين في الآونة الأخيرة، إلا إن قرار الحكومة الصومالية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع جارتها الكينية فاجأ المراقبين والمتتبعين للشؤون السياسية في القرن الأفريقي.. حيث يعد التصعيد هو الأخطر.
ولم يتوقف التصعيد عند هذا الحد وإنما امدت لتصعيد عسكري حيث أكدت مصادر مطلعة لـ”الصومال اليوم” انتشار مكثف واستعداد للجيش الصومالي على الحدود مع كينيا خاصة في مدينة بلد حاوه، بالتزامن مع معلومات عن حشد مماثل لقوات ومليشيات موالية لكينيا.
وقالت المصادر “أن الجيش الصومالي ينفذ مناورات واسعة النطاق قرب الحدود مع كينيا بعد أن نشرت الأخيرة 200 مسلح من المليشيات داخل الحدود الكينية بقيادة عبد الرشيد جنان الذي فر من السجن في مقديشو في وقت سابق من هذا العام، ومليشيات أخرى تابعة لأحمد مدوبي في مدينة منديرا.. وهو ما ينذر بأحداث لا يحمد عقباها بالتزامن مع تصاعد حدة التوتر بين البلدين.
وقبل الإعلان عن قطع العلاقات كانت الحكومة الصومالية قد اتخذت سلسلة خطوات تصعيدية ضد كينيا، منها حظر استيراد القات، وفرض استخراج تأشيرة دخول “فيزا” من السفارة والقنصليات الصومالية بكينيا بالنسبة لحاملي جواز السفر الكيني، بينما كان يتم هذا الأمر في السابق عند وصولهم إلى مطارات الصومال.. وبعدها استدعت سفيرها من كينيا وطالبت نظيره الكيني بمغادرة الصومال، وكلها إجراءات كانت تهدف إلى الضغط على كينيا من أجل تغيير نهجها والتوقف عنما تصفه الحكومة الصومالية بممارساتها المعادية للصومال والتدخل في الشؤون الداخلية، وخرقها للسيادة.
وكان مهدي جوليد نائب رئيس الوزراء الصومالي برر قطع بلاده العلاقات مع كينيا، وقال إن الحكومة الصومالية استنفدت كل السبل الممكنة لوضع حد للخلاف والتوتر مع جارتها الأفريقية.
وأضاف أن الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو بحث في وقت سابق مع نظيره الكيني الخلاف بين البلدين وتوصلا إلى تفاهمات تنهي التوتر وتعيد المياه إلى مجاريها، غير أن الحكومة الكينية لم تلتزم بتلك التفاهمات وضربت بها عرض الحائط، بل وصعدت ما وصفه بهجومها الشرس من أجل زعزعة أمن واستقرار البلاد ومضايقة المسؤولين الصوماليين في مطاراتها وعرقلة استخراج ثروة النفط في الصومال، هذا فضلا عن مطالباتها المتكررة بتأجيل الدعوى المتعلقة بالنزاع البحري بين البلدين لدى المحكمة الدولية دون مسوغ واضح.
وأكد جوليد في تصريح له الأسبوع الماضي أن الحكومة الصومالية رفعت شكوى إلى منظمة “إيغاد” وأن الرئيس الصومالي فرماجو سيتوجه إلى جيبوتي في الأيام المقبلة بخصوص هذا الأمر.
مسئولون ومحللون سياسيون صوماليون يقولون أن التوتر الحالي في العلاقة بين البلدين يعود لعدة عوامل أساسية هي سيطرة كينيا على ولاية جوبالاند سياسيا وأمنيا، وإن كان الجانب الأمني يأتي في إطار “قانوني” كون قواتها تعمل ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية، واحتضانها ودعمها رئيس الولاية أحمد مدوبي يأتي كورقة سياسية لتنفيذ أجندتها حسب المحللين، الذين استشهدوا بالزيارة الأخيرة التي قام بها مدوبي إلى كينيا وكيف غيّر موقفه تجاه الانتخابات، بعد عودته من كينيا، ووجهت الحكومة الفيدرالية الصومالية اتهام لمدوبي بالتنصل عن الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة الصومالية وقادة الولايات وقالت ان تراجعه عن الاتفاق تم بإيعاز من الحكومة الكينية.
وتتهم الحكومة الصومالية كينيا بالتدخل “المكشوف” في العملية الانتخابية بالصومال، وتوفير منصة في أرضها تجمع شخصيات صومالية ودولا غير راغبة في التطور الحاصل في الصومال على الصعيد السياسي، تحاك فيها ما وصفته الحكومة الصومالية بالمؤامرات ضد الصومال وضد حكومتها وقادتها، والسعي لتقويض الاستقرار السياسي والأمني للبلد، وإفشال مساعي تنظيم الانتخابات.
ومن أهم أسباب التصعيد الأخير هي الدعوة الرسمية التي وجهتها حكومة كينيا إلى رئيس إقليم أرض الصومال الانفصالي موسى بيهي عبدي، واستقباله بشكل رسمي من طرف الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، وإبرام اتفاقات بين الطرفين بينها فتح قنصلية تابعة لأرض الصومال في العاصمة الكينية نيروبي دون موافقة الحكومة الصومالية، وهو ما اعتبرته الحكومة الصومالية تصعيدا خطيرا يمس وحدة الصومال، ويعزز النزعة الانفصالية، الامر الذي جعلها تبادر لقطع العلاقات مع كينيا.
ويشمل النزاع بين البلدين بالإضافة إلى النزاع البحري نزاع يشمل أيضا منطقة واسعة على الحدود البرية بين البلدين والتي تمتد على طول 800 كيلومتر، حيث لا تعترف الصومال بتبعية أجزاء منها لكينيا وتحديدا المنطقة التي يقطنها الصوماليون بشمال شرق كينيا.
وتتوقع مصادر سياسية أن يكون التصعيد المتبادل هو سيد الموقف في الأيام المقبلة، ما لم تقم دول الجوار أو منظمة “إيغاد” بمبادرة للتوسط بين الجانبين والحد من تصاعد الخلافات بينهما.
إلى ذلك أعلنت الحكومة الكينية أنها تحافظ على هدوئها ولا تقوم بإجراء ثأري، وأكدت تشكيل لجنة للنظر في الأمور التي شابت العلاقات بين البلدين، وإن “هناك جهودا جارية لإعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها”.
توتر على الحدود السودانية الاثيوبية
وتتزامن تصاعد حدة التوتر بين الصومال وكينيا مع توتر اخر في المنطقة الحدودية السودانية – الإثيوبية التي تشهد أزمة وفصلاً جديدا من التوترات على خلفية هجوم شنته قوات ومليشيات أثيوبية على قوات تابعة للجيش السوداني في منطقة جبل أبوطيور السودانية نهاية الأسبوع الماضي واسفر الهجوم عن خسائر في الأرواح والمعدات ومقتل ضابط برتبة رائد وثلاثة جنود واصابة 12 من القوات السودانية.
الجيش السوداني من جانبه أرسل تعزيزات كبيرة إلى الحدود مع اثيوبيا وأكد انه سيتصدى بقوة لأي محاولة عسكرية لاختراق حدود البلاد، وتقدمت الخرطوم بشكوى رسمية للاتحاد الإفريقي بشأن الاعتداءات الإثيوبية.
الهجوم دفع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إلى زيارة المنطقة الحدودية مع اثيوبيا بشكل طارئ يوم الخميس، في إشارة إلى تصاعد التوترات وخطورة الوضع.
رئيس الوزراء الاثيوبي من جانبه تحدث عن الحادث دون إدانته، وأكد أن الهجوم لن يؤثر على العلاقات بين الخرطوم وأديس أبابا.
الهجوم الذي تعرضت له القوات السودانية ليس الأول من نوعه، إذ تكررت الهجمات من جانب القوات والمليشيات الإثيوبية على المزارعين والقوات السودانية أكثر من مرة، الا أن الاشتباكات الأخيرة هي الأكثر دموية وخطورة نظرًا إلى الأوضاع الحالية التي تشهدها المنطقة.
وفي مايو الماضي، قال الجيش السوداني إن مليشيات مسنودة من الجيش الإثيوبي توغلت داخل الأراضي السودانية، واعتدت على مواطنين ووحدات من القوات المسلحة السودانية داخل الأراضي السودانية، مما أدى إلى مقتل وإصابة ضباط وأفراد من القوات المسلحة ومدنيون من بينهم أطفال.
وكان رئيس الوزراء السوادني عبدالله حمدوك زار العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الاثنين الماضي، ونقل للمسؤولين الإثيوبيين مخاوفه بشأن التهديدات الأمنية على طول حدوده مع إقليم تيجراي الذي شهد اندلاع قتال في بداية نوفمبر بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيجراي.
وتباحث حمدوك مع نظيره الإثيوبي أبي أحمد بشأن عودة اللجنة المشتركة للحدود إلى العمل.