الصومال اليوم – الشافعي أبتدون
تتدحرج العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا نحو الأسوأ، مع إعلان مقديشو سحب سفيرها محمود أحمد ترسن من نيروبي، ومنعها دخول الكينيين إلى أراضيها من دون تأشيرة مسبقة، في سابقة هي الأولى من نوعها بين البلدين.
ويثير غياب الحلول أو الوساطة الإقليمية والدولية القلق في منطقة القرن الأفريقي، ما يجعل باب الصراع الدبلوماسي مفتوحاً بين الجانبين. واحتدمت الخلافات في أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مع إصدار الخارجية الصومالية بياناً اتهمت فيه كينيا بـ”التدخل السافر في شؤونها الداخلي، والضغط على رئيس حكومة جوبالاند أحمد مدوبي، لتنفيذ أجندات كينية لعرقلة مسار الانتخابات في البلاد”.
وأضاف البيان أن “السلوك السياسي والتدخلات الكينية في السياسة الصومالية، خارجة عن العرف الدبلوماسي بين دول الجوار التي تربطها مصالح مشتركة، كما أن التدخلات التي تمارسها كينيا تناقض العهود والمواثيق الدولية”.
في المقابل، جاء الرد الكيني بلغة دبلوماسية هادئة، عبر الدعوة إلى الحوار وحلّ الخلافات بطرق دبلوماسية.
واستنكر بيان للخارجية الكينية التهم الصومالية، وأوضحت الحكومة الكينية أن الاتهامات لم تمر عبر القنوات الدبلوماسية، مؤكدة التزام كينيا بالأعراف السياسية والدبلوماسية وعدم الانخراط في الشأن السياسي الصومالي.
ورجّح محللون أسباب فتور العلاقات بين الدولتين بتأجيج مسائل خلافية قديمة ومتجددة، ومنها أزمة الحدود البحرية بين البلدين، والتي باتت تحت تصرف محكمة العدل الدولية، بالإضافة إلى ملف اللاجئين الصوماليين في المخيمات الكينية، الذين يُقدّر عددهم بنحو ربع مليون لاجئ، لجأوا تباعاً إلى كينيا منذ عام 1991.
وفي السياق، يقول الصحافي الكيني محمد شيخ وهلية، إنه “لم يكن أحد يتوقع أن تتفاقم الأزمة بين الجارتين بهذا الشكل المتسارع، لا سيما أن الصومال مقبل على انتخابات رئاسية (فبراير/شباط المقبل)”. لكنه يشدّد على أن “التوترات ليست وليدة لحظتها، بل تعود أساساً إلى مذكرة التفاهم بشأن الحدود البحرية الموقعّة في عام 2009 بين البلدين، المرفوضة من البرلمان الصومالي”.
ويشير شيخ وهلية، إلى أن “التوتر بين الدولتين تصاعد، عندما منحت الصومال شركة بريطانية حق التنقيب في المنطقة البحرية المتنازع عليها، مثيرة حفيظة كينيا، التي استدعت سفيرها في مقديشو لوكاس تومبو في فبراير 2019”.
لكنه يعزو السبب الرئيسي لتدهور العلاقات بين الجانبين أحياناً إلى التدخل العسكري الكيني في جنوب الصومال، من دون إذن من الحكومة الصومالية ولا من المجتمع الدولي، وهو ما يصفه بعض القادة والسياسيين الصوماليين بـ”الاحتلال الصريح”.
وكانت القوات الكينية قد دشنت عملية “ليندا أنشي” في جوبالاند، جنوبي الصومال، في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2011، بغرض “القضاء على حركة الشباب”.
وكان من المقرر انسحابها في 31 مارس/آذار 2012، إلا أن نيروبي ضمّت جنودها لبعثة “الاتحاد الأفريقي في الصومال” (أميسوم) بغية شرعنة وجودها العسكري في إقليم جوبالاند.
أما عن القطيعة المعلنة من الصومال، فيضعها شيخ وهلية في سياق “الدعاية الانتخابية للرئاسة الصومالية، من أجل تحفيز مشاعر المواطنين، عبر رفع شعارات سيادة الوطن وحماية مصالح البلد”، معتبراً أن “قراراتها غير مدروسة أصلاً “.
وعن الآثار والنتائج المترتبة حول تداعيات تدهور العلاقات بين البلدين، يرى محمد وهلية أنها ضئيلة جداً بالنسبة للصوماليين الموجودين في كينيا، تحديداً ممن يمتلكون مصالح تجارية كبيرة ويساهمون في تطوير اقتصاد البلاد.
ويلفت إلى أن هؤلاء يمنحون فرصة كبيرة للأيدي العاملة المحلية، وأن الحكومة الكينية تؤمن بالحفاظ على المصالح الاقتصادية بدلاً من تدميرها لاعتبارات سياسية مؤقتة.
ويؤكد شيخ وهلية، أن الإعلام الكيني لا يريد الانجرار وراء مواجهات إعلامية في هذا الوقت الحرج المتوتر، فالإعلام الكيني يعتقد أن المواجهة الإعلامية والتصعيد، يمكن أن تؤثر سلباً على العلاقات الهشة أصلاً. بالتالي يفضّل عدم حشر ماكيناته الإعلامية بالشؤون السياسية والعلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
من جهته، لا يرى مدير مركز “مقديشو للبحوث والدراسات” عبد الرحمن عبدي، جديداً في مسألة استدعاء السفير. وينوّه إلى أن الأمر عينه حدث في فبراير 2019، احتجاجاً على طرح الصومال عطاءات حقول النفط والغاز في المنطقة التي تعتبرها كينيا “منطقة تتنازع عليها” شركات أجنبية.
ويضع قرار مقديشو باستدعاء سفيرها في نيروبي أخيراً، في إطار الرد على ما تعتبره الحكومة الصومالية “دور كينيا المزعزع للاستقرار السياسي في بلادها، ووضع حدٍ لتصرفات السفير الكيني (لوكاس تومبو) في مقديشو، تحديداً في فترة الانتخابات.
ويرى أن قرار الحكومة الصومالية، جاء أيضاً بعد استنفاد كل الوسائل الدبلوماسية الأخرى لحل الخلافات بين البلدين.
ويبدي عبدي اعتقاده بأن التطور الجديد لن تكون له تداعيات كبيرة، وسينجح البلدان في احتوائه لأسباب عدة، أهمها وجود قوات كينية في المناطق الجنوبية في الصومال، العاملة في إطار “أميسوم”.
ولا يرى الجانبان مصلحة في انسحاب تلك القوات في هذه المرحلة، خوفاً من عودة “حركة الشباب” إلى مدينة كسمايو الاستراتيجية.
ويشير عبدي إلى أن الاتحاد الأفريقي يبذل جهوداً لمنع تدهور العلاقة بين الصومال وكينيا، في سياق التزامه بحفظ الاستقرار في الصومال.
ولا يملك البلدان مزيداً من الأوراق لتعزيز التصعيد. بالتالي، فإن الخلافات والحرب الباردة بين الجانبين مستمرة إلى أن يتم حل النزاع البحري الحدودي.
أما عن احتمال استنباط الحلول الدبلوماسية لإنهاء القطيعة بين الجارتين، فلا يرى عبدي أي بوادر لذلك في الأفق، ويعتبر أن لا تسوية إقليمية لحل الخلافات بين كينيا والصومال في المدى المنظور، لأن الخلاف بين البلدين يتركز حول منطقة غنية بالنفط والغاز في البحر. وهو خلاف معقّد وله ارتدادات على المستويين الإقليمي والدولي، وربما يأخذ في المستقبل طابعاً دولياً، بسبب الصراع بين شركات عالمية ودول كبرى، ساعية إلى الاستحواذ على حصص الحقول النفطية والغاز في المنطقة البحرية.
في المقابل، فإن العديد من المحللين السياسيين، يرون أن الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو يريد خلق فزاعة جديدة بين كينيا والصومال، لإشاحة أنظار الرأي العام المحلي، عن الخلافات الداخلية حول اللجان الانتخابية في البلاد.
ويستند في ذلك إلى أن نيروبي كانت منطلقاً لجماعات الضغط في الصومالية للوصول إلى السلطة في مقديشو. مع العلم أن نيروبي بالذات كانت مقراً لفرماجو أثناء حملته الانتخابية لرئاسيات عام 2017. وهو ما دفع العديد من النواب والسياسيين الصوماليين إلى اتهام رئيس الجمهورية بممارسة “سياسة مزدوجة”، مفادها “خلق العداء مع دولة مجاورة ليست أقل تأثيراً من إثيوبيا وجيبوتي”.