تعود قصة البترول الصومالي إلى عهد الاحتلال الأوروبي، إذ يلاحظ أن بداية عمليات استطلاع واستخراج البترول الصومالي كانت قبل عام 1960م، غير أنه لم توجد القوانين المنظمة لهذه العمليات، إلاّ في ثمانينات القرن الماضي، وخصوصا في 1984م، عندما سُنّ أول قانون مستقل للبترول في الصومال يهدف إلى تنظيم العلاقات البترولية بين الحكومة الصومالية والشركات النفطية الكبرى.
لكن اندلاع الحروب الأهلية في الصومال عام 1991م، تسبب في وقف الشركات النفطية أعمالها في الصومال ومن ثم الانسحاب منها لتعود إليها من جديد عام 2000م، مما اضطر الحكومات الصومالية إلى إعادة النظر في قانون 1984م ولينتهي بها المطاف إلى طرح قانون جديد للبترول في عام 2008م يكون بديلا عن القانون السابق.
وأقرّ مجلس الشعب في البرلمان الفيدرالي الصومالي في 20/مايو/2019م، قانونا جديدا آخر للبترول الصومالي، والّذي أثار جدلا واسعا بين الأطراف الصومالية، مع كونه مهمّا للجهود الجارية لاستغلال الموارد البترولية في الصومال لما يفتح لها من آفاق واعدة لاقتصادها.
يتكوّن قانون البترول الجديد الّذي صادق عليه مجلس الشعب الصومالي في مايو 2019م، من 9 فصول رئيسية تشمل على مواد فرعية قانونية.
وتمثل بعض المواد الواردة في هذا القانون مثار جدل بين الجهات السياسية والاقتصادية المعنية بالأمر، ومن هذه المواد:
1.ملكية الثروة النفطية: ينص هذا القانون على أن البترول ثروة وطنية وقومية، تنوب في إدارتها الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية عن الشعب الصومالي، دون ذكر لتفاصيل وطرق تقاسم الثروة بين الولايات الإقليمية والحكومة الفيدرالية، وهنا مثار الجدل بين المعنيين بالأمر.
2.هيئة البترول الصومالية (الوطنية): يعطي هذا القانون الحكومة الفيدرالية صلاحية إنشاء الهيئة المسؤولة عن السياسات النفطية، دون التشاور مع الولايات الإقليمية، كما أنها –أي الحكومة الفيدرالية- تستحوذ على الجزء الأكبر من أعضاء مجلس الهيئة المتكون من 9 أعضاء، تقوم الحكومة الفيدرالية بتعيين 3 منهم، بينما الـ 6 الآخرون يأتون من الولايات الإقليمية بواقع عضو واحد لكل ولاية إقليمية، مما أثار حفيظة الولايات الإقليمية وأشعرها بتهميش دورها في هذه الهيئة.
3.الاتفاقيات السابقة: يلغي هذا القانون الاتفاقيات المبرمة بين الصومال والشركات النفطية ما بعد 1991م، مما يجعل عددا من الاتفاقيات النفطية بين الأنظمة الإدارية الصومالية والشركات النفطية الأجنبية لاغية وغير معمول بها، وهذا من أهم أسباب نفور بعض رؤساء الولايات الإقليمية من هذا القانون.
4.بعض البنود التي تسمح للوزارة بممارسة صلاحيات غير دستورية: ومن المواد المثيرة للجدل في هذا القانون تلك البنود التي تسمح للوزارة بإعادة النظر في شروط الحصول على تراخيص النفط تخفيفا أو تشديدا، إذ يتعارض هذا مع مادة في الدستور الصومالي المؤقت تنص على أن تقاسم الثروة ليس بحكم الشطارة والبسط على البقعة بل بالتشاور بين الولايات الإقليمية والحكومة الفيدرالية.
وعلى الرغم من وجود هذه المواد المثيرة للجدل في قانون البترول الصومالي، أقدمت حكومة تصريف الأعمال الصومالية في 30/يوليو/2020م على المصادقة على أعضاء هيئة البترول الصومالية وذلك بعد أيام قليلة من سحب الثقة عن رئيس الوزراء السابق حسن علي خيري الّذي سحب البرلمان الثقة عنه في 25/يوليو/2020م.
في الـ 4/أغسطس/2020م، بدأت المرحلة الأولى من إصدار تراخيص 7 امتيازات بترولية، وتستمر هذه المرحلة حتى الـ 21/مايو/2021م، كما أفاد بذلك إبراهيم علي حسن رئيس هيئة البترول الصومالية في مقابلة مع جريدة ذي أفريكا ربورت The Africa Report .
وأثارت هذه الخطوات وغيرها من الخطوات اللاحقة الجدل حول البترول الصومالي، حيث أصدر مجلس اتّحاد المرشحين لانتخابات 2021م، في الـ 4/ديسمبر/2020م، بيانا مفصّلا يعبّر فيه المجلس عن مدى قلقه بشأن الخطوات التي تتخذها الحكومة الفيدرالية في مجال البترول الصومالي من توقيع للاتّفاقيات وإبرام للعقود والصفقات مع الشركات النفطية الدولية.
وأشار المجلس في بيانه إلى أن منح التراخيص للشركات في الموسم الانتخابي، يعتبر سطوا على المال العام، ونهبا للممتلكات الوطنية، وخطوة تتنافى مع الحكم الرشيد والمسئولية الوطنية، كما أن ذلك سيلحق ضررا بمسيرة إعفاء الديون عن الصومال وبالاتفاقيات المبرمة مع المؤسسات المالية الدولية بما فيها صندوق النقد الدولي!.
وذكر البيان أن حكومة تصريف الأعمال الصومالية قامت بشكل مخالف للدستور بتعيين لجان وهيئات حكومية، من بينها هيئة البترول الوطنية.
وجاء في بيان المجلس بأن الحكومة الفيدرالية كانت قد تعهّدت سابقا بأن لا تشرع في منح التراخيص حتى تتم الإجراءات القانونية اللازمة لها بما فيها قانون البترول وقانون ضرائب الثروات الباطنية الذي لم يقدم بعد إلى البرلمان، واتفاقية توزيع العائدات، وقانون المبيعات الوطنية.
ودعا البيان في ختامه الرئيس فرماجو إلى الكف عن سوء استغلال السلطة وممارسة الفساد في إدارة الممتلكات الوطنية، وإيقاف منح التراخيص للشركات، تفاديا لنهب ثروات البلاد التي قد ستؤثر على الأجيال الحالية والقادمة، كما حذّر البيان الشركات النفطية الأجنبية من الانخداع باتفاقيات غير قانونية وغير قابلة للتنفيذ.
إن الجدل المثار حول البترول الصومالي من شأنه أن يحول نعمة البترول إلى نقمة، وأن يتحول البترول نفسه من “منفعة اقتصادية” إلى “سلعة سياسية”، وعندها تضيع أكبر عوائده وتذهب إلى الشركات الأجنبية وإلى جيوب بعض النفعيين، ما لم تتوصل الأطراف السياسية الصومالية إلى تفاهم يجنب النفط الصومالي من مصير يشبه مصير النفط الأذري الّذي يمنح لأذربيجان ربع عائداته وللشركات الأجنبية الباقي، كما جاء في تقرير للجزيرة أعّده عباس ناصر بعنوان النفط والفقر في أذربيجان بُث على قناتها في اليوتيوب في الـ 24/أكتوبر/2008م.