هل نجح النظام الإيراني الحالي بطبيعته الدينية وعقده المذهبية في تصدير نفسه واستنساخ نماذج له في الدول العربية والإفريقية؟
ثم ما حجم هذا التصدير وما هي فاتورته الباهظة، ومن أين تدفع؟
وما هي طموحاته في اليمن والقرن الإفريقي والبحر الأحمر؟
ربما أن نظام الخميني استطاع تصدير نموذجه خلال العشرين عاماً الأخيرة بصورة متسارعة ومنظورة.
لقد تدفقت كل أنواع الأسلحة الإيرانية والألغام ولم نتعرف على كثير من هذه الأسلحة، والطائرات المسيرة والصواريخ البالستية، إلا عبر وكلاء النظام الإيراني في لبنان واليمن والعراق وسوريا… وغيرها.
كما أن المال كان يتدفق عبر وسائل مختلفة، وعبر منح وهدايا النفط، وقبل ذلك كله كانت الأفكار والمناهج الشيعية تصل تباعاً إلى دولنا العربية.
لقد كانت هذه الأفكار بنسختها التي صاغها الخميني “نظرية الولي الفقيه” هي أبرز الصناعات الإيرانية في العصر الحديث وأبشع الصادرات الإيرانية التي أغرقت معظم الدول والشعوب بالفتن والثارات والدم والدمار ولا تزال تفعل.
لم تصل هذه الصادرات إلى بلد إلا وأنهكته وأدخلته في دوامات متلاحقة من الحروب والفوضى، وفي أحسن الأحوال وفي الدول المستقرة، استطاعت زرع بؤر توتر تنذر بكوارث محتملة في أي لحظة من فتور أو نسيان أو تغافل أو انشغال.
وليس من المبالغة القول، إن نظام الخميني السياسي الممزوج بالمذهب هو محنة الشعوب العربية في العصر الحديث، منذ الحرب العراقية حتى اليوم وهو الخطر الأبرز دون كل الأخطار على كثرتها، إذا ما ألحقنا به خطر جماعة الإخوان باعتبار الاثنين معاً هما منتج الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي في الخمسين سنة المنصرمة، ويشكلان وجهين لعملة واحدة، وينهلان من مورد واحد.. على مستوى الأصول مع تباينات في الخطاب كونهما في نسقين مختلفين لحقل معرفي واحد.
لكن هذا ليس هو موضوعنا في هذه الإطلالة العابرة، التي تطل على تصدير التشيع الإيراني “المودرن” إلى منطقتنا العربية والإفريقية واحتمالات المستقبل، وضرورة المواجهة التي تعتبر معركة اليمن واليمنيين واحدة منها، بل أهمها لمواجهة المد الذي لا يستهدف اليمن بل يطمح بالمزيد من ذلك.
في الحالة الخمينية لم يقتصر الأمر على تصدير الثورة كما كان يطرح منذ عقود، لقد تعدى ذلك ليصبح تصدير الثورة وما أنتجته الثورة من مهازل وتشوهات لاحقة بها وهرطقاتها المتراكمة تاريخياً، والتي يرفضها حتى الفكر الشيعي ويعارضها معظم أقطابه منذ أربعين عاماً حتى اليوم.
لقد كانت الوفرة المالية هي المفتاح السحري لهذا التصدير الأبشع في منطقتنا العربية وإفريقيا، لبضاعة مسمومة وصناعة مسكونة بالدمار للأوطان والإنسان في آن.
وكما كانت الشعوب العربية والإفريقية وقودا وضحايا هذا التصدير فإن الشعب الإيراني كان ضحية أيضا، فعائدات الغاز والنفط ومعظم أموال الشعب الإيراني وثرواته تم تسخيرها كي تصنع الخمينية أجنحة تطير بفكرها وتصدر نموذجها إلى دول مختلفة أهمها الدول العربية والقرن الإفريقي ونالت افريقيا منها نصيبا وافرا كثيف التفاصيل والتشعبات، وغالبا لا يتم الاهتمام بالمد الإيراني في إفريقيا بما يليق بحجمه وبشاعته، وغالبا ما تكون هذه القارة منسية في مناح وكوارث عدة.
في إفريقيا والدول العربية ذهبت الكثير من خيرات الشعب الإيراني الذي تم تجويعه وإفقاره لصالح هذه الصناعة وتصدير هذا الموديل “المودرن” من التشيع بنظرية تم تفتيقها من مخيلة الخميني وبعض من سبقوه في الحوزات المذهبية ذات الأفق السياسي الصفوي الطامح لحكم المنطقة.
وكان المنتج النهائي يحمل ختم وبصمة الخميني باسم الولي الفقيه لدفن المهدي المنتظر، كواحدة من أساطير الماضي التي لطالما استهوت القطيع الشيعي لعقود وعلق عليها كل الآمال وأنفق في سبيلها الأموال.
– ماهية النسخة الخمينية؟
إنها خلاصة ما أنتجه الإسلام السياسي بشقه الشيعي من عبقرية مزعومة وهي الوجه الآخر لمزاعم عودة الخلافة عند الإخوان، حيث تفترق النظريتان في محطات وتلتقيان في نفس الطريق والمناهج والغايات، وتحت عمامة واحدة ومرشد مقدس.
– النسخة اليمنية:
ذات النسخة التي استعبد بها الشعب الإيراني تم تصديرها إلى اليمن التي وقع عليها الاختيار باكرا كي تكون مستقرا ومقرا لهكذا إنتاج وتصنيع، وذلك لوجود كل المناخ الرخو الذي يجعل ذلك ممكنا ابتداءً بالشخصيات الزيدية المتطرفة والطامحة بدور سياسي أوسع أو ما يمكن تسميته بالزيدية السياسية، وعبر بعض شخوصها الذين همشوا داخل الدائرة العلمية الزيدية، وأسقط مشروعهم السياسي بسقوط الملكية في اليمن التي كانت تنهل من ذات الطموح وتتكئ عليه.
لقد تم اجتذاب تلك الشخصيات إلى الحوزات الإيرانية كي تبرمج بحقل معرفي مذهبي جديد منذ الحوثي الأب ثم الابن حسين، وخلال ذلك عدد كبير من الأسماء وصولا إلى عبدالملك الحوثي.
إنها نسخة شيعية خمينية كاملة الأوصاف والتمظهرات، عاصمتها صعدة وامتدادها شمال الشمال وجزء كبير من الجغرافيا.
لقد تم استنبات هذه النسخة من بقايا طموحات تاريخية وأمراض مزمنة وفراغات الفقر والبطالة والأمن ثم تدحرجت ككرة الثلج عبر الحروب المتعاقبة وتم إنتاجها بأيدي خبراء حزب الله على مهل وتوفير ما يناسبها وما تحتاجه كي تصبح قادرة على ضخ وإنتاج الفايرس المذهبي وإنتاج قطيع كبير يحميه، ومن خلال هذا القطيع يتم تغيير الهوية والثقافة السائدة منذ قرون وطمسها لصالح المشروع الذي تم استيراده.
يعد النموذج الحوثي أكبر إنجاز للنظام الإيراني في العشر سنوات الأخيرة، والبعض يراه أهم من ورقة ونموذج حزب الله أو أنه يوازيه على أقل تقدير، لقد كان نجاحا لم يتوقعه النظام الإيراني نفسه.
فالحوثيون أهم ورقة مذهبية وعسكرية في أهم رقعة جغرافية في المنطقة العربية، يمتلكها النظام الإيراني، وهذه النسخة الممزوجة بجهل أعمق وولاء مطلق، تطوق السعودية والخليج وباب المندب وتثير الإشكالات والمناوشات باسلحة إيرانية قدر لها أن تجرب في مصادفة من الزمن سقطت فيها الدولة الممانعة في اليمن لهكذا طموح.
لا شك أنها نسخة وورقة مغرية، ولذلك تحاول إيران بأسرع وقت ممكن إصباغ مناهج التشيع لها عبر المدارس والمساجد ووسائل الإعلام الحوثية والسعي لجعل الحقل الجمعي والجهاز المفاهيمي في المناطق التي يسيطرون عليها حقلا شيعيا خمينيا خالصا بكل مفرداته والوانه وطقوسه وتماثلاته، وتؤسس لوقائع دويلة داخل الدولة اليمنية وتقتطع جزءاً منها، ليس ذلك فحسب بل تتعداه لتتحرش وتطمع بباقي المناطق اليمنية المحررة في تهامة والوسط والجنوب لتضمها إليها، كي تقضي على كل الآمال وكل ما ناضل لأجله جموع اليمنيين عبر أجيال متعاقبة وما وصلوا إليه عبر مخرجات الحوار الوطني، في الحلم بدولة مدنية وظنوا أنهم غادروا مربع المذهبيات والهويات المغلقه والتعصب الديني وإلى الأبد..
– النسخة الإفريقية:
في إفريقيا دمجت إيران الخمينية التشيع الصفوي وخلطت الديني بالقومي، هذا هو النموذج الذي يتم تصديره هناك في القارة السمراء.
فمن تفاصيل النظام المذهبي الخميني المستجد حتى على تاريخ المذاهب والأفكار بحسب الدراسات الإسلامية، من تفاصيل هذا المسخ الديني والسياسي الغارق بالشعارات والمستغرق بالخرافة وبكل المتناقضات تم صناعة وتصدير نسخة إلى إفريقيا، صدر معها نظام إيران كل أزماته الداخلية، وغير من شكل النسخة الإفريقية بما يتلاءم مع طبيعة القارة الفقيرة.
ففي النسخة العربية، مثلاً، كان النظام يستثمر ادعاء وترويج المظلومية التاريخية كوسيلة لاختراق شيعة العرب وتأطير بعض الزيدية في خيمته، واستخدامهم لتحقيق نفوذ إيران خارج حدودها، بينما في النسخة الإفريقية تم استثمار الصوفية وبعض منابع الفقر وحقوق الإنسان لهذا الهدف، وكانت المنظمات الدعوية والخيرية هي الوسيلة الخادعة لذلك في دول مثل نيجيريا والسنغال وجيبوتي وكينيا، وقد نجحت في ذلك وحاولت في السودان أيضا لكن لم يكتب لها النجاح لأسباب كثيرة.
لقد كانت إفريقيا هدفاً للتصدير المبكر للفكرة الخمينية، وربما أن الهدف الرئيس هو تغيير ملامح الخريطة الدينية في القارة برمتها واختراقها، كون المناخ الرخو والفقر هما الطريق المفضل لدى المنتج والمصنع الإيراني، وذلك ما تم في الصومال لاحقاً، وأصبحت الجماعات الصومالية المتشددة طوع القرار الإيراني يتم استخدامه وإعادة صياغة أفكاره على مهل وببطء شديد كما يتم صناعة السجاد الإيراني تماما، وأصبح يقوم بالأدوار الصعبة والمهام الخطرة من تهريب اليورانيوم إلى إيصال السلاح للحوثيين عبر زوارق الصيد الصغيرة، ولم يقتصر التشيع الصومالي على هذه المهام، بل يتم صهر هؤلاء الشباب تدريجياً كي يصبحوا موظفين بعقيدة مذهبية خالصة.
ولعل في هذه الأفكار والمصلحة ما يغري هؤلاء الحفاة العراة في تلك السواحل الغارقه بالجهل والبطالة.
لقد شكل القرن الإفريقي واليمن هاجساً للنظام الإيراني كمحاولة لتطويق السعودية جنوباً ومخاطبة مصر عبر البحر الأحمر وقناة السويس حتماً بعد ذلك.
*كاتب وسياسي يمني