الصومال اليوم – مقديشو
تستعدّ الصومال لخوض انتخابات رئاسية وبرلمانية تنطلق في شهر ديسمبر المقبل 2020م وتستمر حتى شهر فبراير 2021م.
ومع اقتراب كلّ يوم من موعد الانتخابات تزداد التحرّكات السياسية وتقلّباتها من انهيار لتحالفات سياسية قديمة وقيام أخرى حديثة، يوحدها السعي نحو تحقيق فوز في الانتخابات المقبلة.
وبما أن الصومال تبنى نظام الحكم الفيدرالي الّذي يقسم البلاد إلى ولايات إقليمية ذات حكم ذاتي تكوّن الاتحاد الفيدرالي، كان طبيعيا أن يكون لهذه الولايات دور بارز وصوت سياسي معتبر في العملية الانتخابية القادمة.
وخير دليل لذلك الاتفاقية الأخيرة حول الانتخابات التي وقع عليها المجلس الوطني الاستشاري في الـ 17/سبتمبر/2020م، وصادق عليها البرلمان بعد تعديلات عليها في 26/سبتمبر/2020م، والتي وضعت حدّا للنزاع السياسي حول شكل وموعد الانتخابات التي ستشهدها البلاد في الموسم الانتخابي 2020/2021م.
وكانت هذه الاتفاقية التي أبرمتها الولايات الإقليمية مع قادة الحكومة الفيدرالية بمثابة إيقاف للنزيف السياسي، حيث كانت مكوّنات السياسة قبل هذه الاتفاقية تنقسم إلى مؤيّدة لإجراء انتخابات “صوت واحد لشخص واحد“، تمثلها رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس الشعب في البرلمان الفيدرالي، واللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وأخرى داعية إلى إجراء انتخابات غير مباشرة، إذ إن الظروف الآنية غير مواتية لإجراء انتخابات “صوت واحد لشخص واحد“، وكان يتزعم أحزاب هذه الطائفة رئاسة الحكومة الفيدرالية (رئيس الوزراء المعزول)، رئاسة مجلس الشيوخ في البرلمان الفيدرالي، بعض الولايات الإقليمية، والأحزاب السياسية المعارضة.
وبعد جولات من المفاوضات بين الأطراف في كل من طوسمريب (1،2،3) ومقديشو، تم الوصول إلى اتفاق ينص على إجراء انتخابات غير مباشرة مع توسيع لدائرة المشاركين فيها، وتحديد الموعد الّذي تنطلق فيه إجراءات هذه الانتخابات.
نرمي من خلال هذه المقدّمة تقريب ذهن القارئ إلى أن للولايات الإقليمية دور كبير في الانتخابات الصومالية القادمة سواء كان هذا الدور إيجابيا أو سلبيا.
وقبل أن نستعرض أدوار الولايات الإقليمية ومواقفها إزاء الانتخابات القادمة لا بدّ أن نعرّف القارئ بعدد الولايات الإقليمية المكوّنة للاتحاد الفيدرالي الصومالي.
تتكون الصومال من الولايات الإقليمية الآتية: بونتلاند، جنوب غرب الصومال، جوبالاند، غلمذغ، هيرشبيلي، بالإضافة إلى صوماليلاند الانفصالية والمعلنة من طرف واحد أنها جمهورية صوماليلاند المستقلة.
وما عدا صوماليلاند الانفصالية، فإن إدارة الولايات الإقليمية الأخرى لها مواقف صريحة تجاه الانتخابات القادمة، كما أن لها دور كبيرا في إدارة هذه الانتخابات والإشراف عليها وفقا لما هو منصوص في الاتفاقية الأخيرة حول الانتخابات.
وقبل أن نتطرّق إلى الإشارة إلى الخصائص المحدّدة لنوع الدور الّذي ستلعبه كل ولاية إقليمية في الانتخابات القادمة، يجدر بنا الإشارة إلى مجموعة من الإجراءات الانتخابية التي تتشارك فيها جميع الولايات، ومن ذلك: قيام برلمانات الولايات الإقليمية بالتصويت لممثلي كل ولاية في مجلس الشيوخ بالبرلمان الفيدرالي، تكوين لجنة انتخابية إقليمية تتعاون مع اللجنة الفيدرالية على مهام الإشراف على انتخابات المقاعد البرلمانية، تحديد الدوائر الانتخابية وتولي مسؤولية حماية أمن مراكز الاقتراع، وغير ذلك مما هو وارد في الاتفاقية الأخيرة للانتخابات.
ونشير في الأسطر التالية إلى موقف كلّ ولاية ودورها في الانتخابات القادمة على حدة:
1.ولاية بونتلاند:
أولى الولايات الإقليمية في الصومال تم تأسيسها في 1998م، تعتبر بونتلاند رقما صعبا في السياسية الصومالية لما لها من تأثيرات واضحة على المسيرة السياسية في البلاد، مما أتاح لها القدرة على إقناع المكونات السياسية الصومالية بتبني الفيدرالية كنظام حكم، ولعب دور محوري في صياغة الدستور الصومالي المؤقت وكتابته، كما لا يخفى الدور الّذي لعبته أثناء الحصار المفروض على ولاية جوبالاند المتحالفة معها، كلّ هذا وغيره يشير إلى أن بونتلاند قد يكون لها تأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة التي اتّخذت منها موقفا صريحا يعزز أهمية إجراء انتخابات غير مباشرة في موعدها المحدّد.
2.ولاية جوبالاند:
من الولايات الإقليمية التي تكوّنت في عهد الرئيس حسن شيخ محمود، يترأسها منذ 2013م السيد أحمد محمد إسلام (أحمد مذوبي) الّذي يختلف مع الحكومة الفيدرالية في كثير من السياسات العامة لإداراة البلاد أو الخاصة بإدارة جوبالاند. تتبنى إدارة جوبالاند موقفا داعما لإجراء انتخابات غير مباشرة وفي وقتها المحدّد دون إلغاء أو تأجيل. يتمتع رئيس جوبالاند بسياسة النفس الطويل مما أتاح له أن يخرج من كل صراعاته السياسية مع الحكومة الفيدرالية منتصرا فيها منذ 2013م، لذلك فإن دوره في الانتخابات القادمة قد يكون دورا يساهم في حسم السباق الرئاسي.
3.ولاية جنوب غرب الصومال:
من الولايات الإقليمية ذات الكثافة السكانية والموارد الاقتصادية المتعدة من ثروات زراعية وحيوانية وبحريه، ذلك أنها تقع في المنطقة الخصيبة في الصومال، غير أنه لم يتم الاستفادة من هذه الثروات بعد، على الوجه المناسب لها. تعدّ من الولايات الإقليمية الموالية للحكومة الفيدرالية إلاّ أنه لا صداقة دائمة في السياسة الصومالية. تعتبر من الولايات الحاسمة في السباق الرئاسي لكثرة عدد مقاعدها في مجلسي البرلمان الصومالي إذ يصل مجموع مقاعدها في المجلسين إلى 77 نائبا برلمانيا لتكون بذلك الولاية الأكثر مقاعدا في البرلمان الفيدرالي، مما يعني أن الفائز بأصوات نوابها في البرلمان سينتقل مباشرة إلى الجولة الثانية في السباق نحو رئاسة الصومال، ولأجل ذلك تسعى الأطراف إلى كسب ودّ إدارة الولاية ومختلف شرائح المجتمع فيها، إذ يعتقد بعض المحللين أن زيارة رئيس الوزراء الجديد لها الأسبوع الماضي في أولى زياراته الداخلية تأتي في إطار الاطمئنان على بقاء ولاء الولاية للحكومة الفيدرالية، كما يرى آخرون أن زيارة شريف شيخ أحمد رئيس مجلس اتّحاد المرشحين هي الأخرى تأتي في إطار مساعي حملته الانتخابية لـ 2020/2021م، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على الدور الكبير الّذي من الممكن أن تلعبه هذه الولاية في الانتخابات القادمة.
4.ولاية غلمذغ:
رغم الغموض الّذي يكتنف حول رئيس هذه الولاية السيد أحمد قورقور وجهوده في التقريب بين الحكومة الفيدرالية والقوى المعارضة سواء من الولايات الإقليمية أو من الأحزاب المعارضة، مما منحه فرصة استضافة ولايته للجولات الثلاث لمؤتمر طوسمريب، يبقى عند كثير من المتابعين صنيعة نبد ونولل (الاسم الذي يشتهر به النظام الصومالي الحالي) وحليفها السياسي الموالي لها، وعلى الرغم من ذلك فإن ولاية غمذغ لها دور كبير في الانتخابات القادمة إذ ينحدر منها سياسيون صوماليون مشهورون لهم ثقل في السياسة الصومالية سواء في صفوف المعارضة أو في صفوف الحكومة الفيدرالية، كما أن نجاح أحمد قورقور في الجمع في إدارته بين أقطاب المعارضة مثل وزير أمنه أحمد معلّم فقي، وأعمدة فريق نبد ونولل إذ إن قورقور نفسه رئيس الولاية ينتمي سياسيا إلى نبد ونولل، يعد إنجازا سياسيا يرشح لغلمذغ رغم كونها صنيعة النظام الحاكم ساحة لإجراء منافسة حرّة تتعادل فيها فرص المعارضة والقوى الموالية للحكومة الفيدرالية إلى حدّ كبير.
5.ولاية هيرشبيلي:
رغم النزاعات السياسية في هيرشبيلي، إلاّ أنها تعدّ ولاية موالية للحكومة الحالية، كما أن نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة التي شهدتها الولاية أواخر شهر أكتوبر الماضي وأوائل شهر نوفمبر الجاري تعكس مدى توغل الحكومة الفيدرالية فيها، إذ يظهر ذلك جليا في فوز مرشحها المفضل علي غودلاوي حسين برئاسة هيرشبيلي، وعلى الرغم من ذلك فإنها لا تزال مسرحا للمنافسة على كسب ولاء إدارتها ومجتمعها المدني بين كلّ من الحكومة الفيدرالية والقوى المعارضة، إذ إن شريف شيخ أحمد رئيس مجلس اتحاد المرشحين قام في الـ 5/نوفمبر/2020م بزيارته الثانية إلى جوهر خلال أسبوع أثناء إجراء الانتخابات فيها، رغم أنه ذكر حينئذ أن غرض زيارته يأتي في إطار تحقيق المصالحة بين أبناء الولاية.
وعموما، فإن الولايات الإقليمية لها دور كبير في الانتخابات الصومالية القادمة مما جعلها محط اهتمام الحكومة الفيدرالية والقوى المعارضة على حدّ سواء.